أفترضُ في هذا المقام أني أبٌ رُزقتُ بنتاً ,وبدأتُ مع أمها في تربيتها وسط مجتمعات مشرقية ما انفك الكثير من أفرادها ينظرون إلى الأنثى كما لو كانوا في عصور الجاهلية .أولى خطواتي هي التعبير عن قصوى درجات سعادتي أني رزقتُ بنتا قبل الصبي, مخالفا مَنْ ما زال يمارس الطقس الوثني فيسْودُ وجهه وهو كظيم إذا كانت هبة الخالق له أنثى لا ذكراً. وسأجعل الكثير يعرف اسمها إذْ ليس في ذِكره عيْب .
سأقول لها حين تبدأ في النضوج : يا بنيّتي إياك أنْ تنظري إلى نفسك مجرد جسد ومتعة جنسية لمن سيكون لك زوجاً , وأنك ستكونين زوجة للإنجاب ولا أكثر. لقد حباك الله عقلاً مثلما أنعم على الذكور عقولاً , فلا تجعليه مجرد جزء من الجبلّة , وظفيه واستخدميه , وفكّري واستقرئي وتأملي . ولتكن لك خياراتك في هذه الحياة بما لا يحيد بك عن سمات الفتاة العفيفة . ولتعلمي يا بنيّتي أني لن أزوجك حسب أهوائي , ولن أختار لك أبداً شريك حياتك نيابة عنك ,لأنه يجب أن تُسْتأذني في ذلك , ولن يغضبني يا بنيتي إذا قلتِ لي إنك تعيشين قصة حُب , فكيف أغضب إذا كانت أمّك عاشت قصة حُب مع أبيك فتزوجا وأنجباكِ.
إذا كانت هناك مدْرسة قوية في التعليم ومختلطة فإني سأختارها لك يا بنيتي , لأن مصيرك جامعة مختلطة , فلتتعودي منذ صغرك على أن زميلك ليس شبحاً أو وحشاً ممنوع عليك أن تريه أو يراك ,فغداً ستكبرين وتعملين وتختلطين مع زميلاتك وزملائك في العمل , وستنسجين صداقات من الجنسْين .ومن واجبي كأب أنْ أقنعك أنه لا زواج قبل انتهاء تعليمك الجامعي ,فشهادتك العلميّة سلاح لك في المستقبل .واختاري ما شئت من التخصصات ما دمتِ أنت التي ستحملين موازينك وتبحلق عيناك في الكتب ويسادي النعاس جفنيك وأنت تستعدين للاختبارات . وإذا اخترت يا بنيتي جامعة في الغرب تدرسين فيها وكنتُ مقتدراً مادياً على كلفة التعليم فيها فاحزمي حقائبك وسافري , فما كانت الغربة في الغرب يوماً عيباً للأنثى .
أريد يا بنيتي أن تكون لك هوايات ومواهب , وسأزرع فيك بذرة حب الموسيقى , لا أن تكوني مصغية فحسبْ , إنما عازفة تختارين الآلة التي تحبين , ويكون والداك حولك وأنت تمارسين طقوس العزف في صالة الجلوس, أو قد تُطربين معنا آذان بعض الأصدقاء الضيوف , فلا تتخيلين كم سيكون فخري بك.
من حقك يا بنيتي أن تذهبي في رحلات داخلية وخارجية , فلم يُكتب السفر والتجوال في أصقاع الأرض للذكور فقط , أريدك ان تتعرفي على العالم ما استطعتِ إليه سبيلا ً .فالمعرفة والتجربة حق للجميع وليستْ حكراً على جنس من دون الآخر. إياك والتبذير يا بنيتي وأنت ما زلت تتقاضين مصروفك من أبيك , فلتعلمي أن القرش الذي تحصلين عليه , إنما حصل أبوك عليه بالكد وعرَق الجبين من أجلك أنت . وحتى لو أصبحتِ زوجةً لرجل مترفٍ فلا تبسطي يدك كل البسط ولا تجعليها مغلولة إلى عنقك .
أريدك أن تتعلمي اللغات وتجيدي على الأقل اللغة الإنجليزية , لكن إياك أن تتباهي أنك تتحدثينها على حساب لغتك العربية ,فلغتك جميلة, ويعظم جمالها باحترامها. مارسي الرياضة حتى تحافظي على رشاقتك وعلى صحة سليمة.وإني سأعلّمك السباحة قبل أن أعلمك الكتابة , لأنك عند الحاجة ستجدين من يكتب عنك , لكن لن تجدي من يسبح عنك......وفقك الله .