آخر الأخبار

ماذا يفكرون في المخابرات

في 15 أيار المقبل ينهي رئيس جهاز الامن العام «الشاباك» ? المخابرات يوفال ديسكن ولايته، بعد ست سنوات في منصبه. اذا ما نظرنا الى السنوات العشر الاخيرة، منذ نهاية ايلول 2000 وحتى نهاية أيلول 2010، كزمن أجرى فيه النزاع الاسرائيلي ? الفلسطيني دائرة كبرى ومضرجة بالدماء ? من مسيرة اوسلو التي انهارت عبر حرب الارهاب الشديدة، احتلال الضفة من جديد وبعد ذلك، ببطء وبحذر، الوصول الى وضع عاد فيه زعماء اسرائيل والسلطة مرة اخرى للجلوس وجها لوجه بوساطة أميركية ? فان ديسكن قام بالقوس الاكبر. نحو ثماني من هذه السنوات العشر كان في الجبهة، المقاتل الاكثر تجربة في هذه الحرب.
كان نائب رئيس الجهاز حين اندلعت حرب الارهاب وكان يعتبر مسؤولا عن خلق الادوات الحربية الرئيسة في منظومة الاحباط (التصفية). بعد مهلة انتظار في منصب في الموساد عاد ليترأس المخابرات، وأكمل عملية بدأها في عهد أسلافه: تحويل الجهاز الى المؤسسة الامنية التي تعتبر أنجع الاجهزة في اداء مهامها، ورئيسه يحظى بالمكانة الخاصة في الغرف التي تتخذ فيها القرارات.
المخابرات التي سيتركها ديسكن لخليفته ? فهو سيوصي بواحد من ثلاثة نوابه، ويرى فيهم جميعهم مرشحين مناسبين وسيعارض بشدة انزال جنرال خائب الامل أو شخص آخر من الخارج ? تعتبر ايضا الجهاز الذي يدار بنجاعة (وبشفافية اكبر بكثير حيال المالية والكنيست من الموساد)، بهدوء وبخبرة اعلامية: خلافا للموساد، فالجهاز لا يتمترس خلف اسوار الصمت التي تقتحم بين الحين والاخر بتسريبات من القمة. وبالنسبة للجيش فانه يتمتع بشروط أولية محسنة لجهاز صغير ومهني، يفتح نفسه فقط في الاماكن المريحة له، ويستغل هذه الظروف بحكمة.
احدى المهمات التي قررها ديسكن لنفسه حين تسلم مهام منصبه كانت رفع مكانة جهاز المخابرات في مركز البحث والتقدير. وهو لم يتأثر، باقل تقدير، بالاداء البحث لشعبة الاستخبارات العسكرية «امان» بالنسبة لاندلاع الانتفاضة الثانية مثلما لم يتأثر باداء رئيسها عاموس يدلين في حرب لبنان الثانية. وبالمناسبة، خلافا للافكار التي كانت تطرح بين الحين والاخر في محيط رئيس الوزراء، ليس لديسكن أي نية للتنافس مع يدلين على منصب رئيس الموساد المقبل، بل ان المنصب لم يعرض عليه. ومثل اسلافه، يشعر بالاحباط من سيطرة رجال الجيش في المداولات الامنية مع القيادات السياسية. له نفسه توجد كما أسلفنا، مكانة اعتبارية شخصية كبيرة؛ ولكن الجهاز كهيئة لا يوجد بعد، عشية اعتزاله في المكان الذي يعتقد ديسكن بانه جدير به كبؤرة للمعلومات والتقدير. التاريخ القريب يظهر بانه من المجدي جدا الانصات لما يفكرون به في جهاز المخابرات: غير مرة عرفوا هناك كيف يكونوا أدق في تحليل الوضع القائم وتقدير الاحداث التي توشك على الوقوع.
جهاز المخابرات هو من المؤيدين الاساسيين لتعزيز قوة الاجهزة الفلسطينية، والتي يظهر تأثيرها على الارض بقوة أكبر منذ «اتفاق المطلوبين»، الذي بحد ذاته كان مبادرة من الجهاز. وفي جهاز المخابرات يثنون على تصميم أجهزة الامن في السلطة والطريقة التي يمتثلون فيها لامرة ابو مازن وسلام فياض، ولكنهم يحذرون: الوقود التي حركت هذا التصميم منذ انقلاب حماس في غزة قبل ثلاث سنوات آخذ في النفاد. بقدر كبير لن يكون متعلقا بتقدم المفاوضات السياسية، وبالمستقبل الشخصي لابو مازن. الوضع، كما يقولون في جهاز المخابرات، هش: اذا ما دخلت المسيرة في غضون سنة في طريق مسدود، وبالتأكيد اذا ما قرر ابو مازن الاستقالة من منصبه، فان الواقع من شأنه ان يكون مغايرا تماما.
على مستوى أكثر عمومية، لا يزالون في المخابرات لا يرون ماذا سيكون مستقبل السلطة اذا ما كف ابو مازن عن البقاء في منصبه وهو الذي يتقلص مجال المناورة لديه ومحبط هو نفسه من حقيقة أنه أصبح شخصا بلا بديل. ابو ماهر ابو غنيم، الذي يرشحه ابو مازن خليفة له، لا يحتل مكانة الزعيم. فياض لا يزال يعتبر تكنوقراط فائق، ولكنه لا ينجح في خلق قاعدة سياسية خاصة به. خطوات بناء الدولة لفياض تتقدم، الواقع على الارض جيد للفلسطينيين ويقدر في اسرائيل، ولكن الوضع كله قابل للارتداد، ربما ليس دفعة واحدة، ولكن في سياق سريع.
اذا تذكرنا بان الدور الاساس للجهاز كان ولا يزال هو الاحباط، فيمكن التخمين ما الذي سيقوله ديسكن في نقاط القرار المختلفة: قبل كل شيء، سيحذر من خطوات انتقالية في المسيرة. عملية احباط مساعي حماس لاصدار العمليات، كما سيقول للقيادات السياسية، ستكون صعبة على نحو خاص اذا ما كانت انسحابات اسرائيلية أو تغييرات في الترتيبات الامنية قبل التسوية، وبعد ذلك ستكون أزمة. بالمقابل، فانه كفيل بان يؤيد قرارات جسورة في الاتفاق النهائي ? بفرض غير معقول بان مثل هذا الاتفاق سيكون قبل نهاية ولايته.
وبين هذا وذاك، وهذا حقا ليس اكثر من تقدير، يحتمل ايضا أن يميل الى الجانب المتصلب بالنسبة لصفقة محتملة على جلعاد شليت. مساعي الارهاب موجهة اليوم أساسا من داخل السجون في اسرائيل. البنى التحتية المحطمة للذراع العسكري في الضفة لن تسمح بالعودة الى ايام الاشتعال في بداية العقد. ولكن في ظل غياب الاتفاق ستتقلص شرعية احباط العمليات لدى السلطة. فتحرير السجناء الثقيلين، اولئك الذين لم يقر ديسكن اسماءهم حين ارسل الى القاهرة مع عوفر ديكل في نهاية عهد اولمرت، من شأنه أن يزيد الضغط وان يطلق الى الحرية، حتى وان لم يكن الى المناطق، خريجين ممتازين من جامعة الارهاب في السجون في اسرائيل.
* * *
الضفة بتقلباتها المحتملة هي بالطبع مجرد جبهة واحدة يدرسها جهاز المخابرات. لا تقل اهمية عنها التطورات في سيناء، حيث قرر ديسكن بان على الجهاز أن يدخل في خط التماس الناشيء في اسرة الاستخبارات. العالم الاستخباري ? وهذا ليس جديدا ? معقد اليوم في مستوى شوش الحدود السابقة بين الاجهزة. اليوم واجب ان تكون كل عملية تقريبا متداخلة والقدرات ستستدان دون حساب من أمان الى الموساد والى الشاباك ومنها ايضا. سيناء لا توجد في مرتبة عالية في سلم اولويات أي من الاجهزة، وبالمقابل بدأت حماس تتعاطى معها بانها الساحة الخلفية لنشاطها. الشاباك، الذي توجد حماس عنده في بؤرة الاستهداف الرئيسة، قررت الانتباه الى ذلك.
تطور مشوق على نحو خاص هو خروج خلايا حماس من القطاع الى سيناء لغرض اطلاق النار على ايلات، مرتين في النصف سنة الاخيرة. المصريون الذين يركزون حاليا على المسائل الداخلية، يعملون موضعيا ولكن ليس بنيويا، والبدو في الصحراء يقيمون مع حماس علاقات مالية بل وايديولوجية. عناصر الانتاج، التدريب والتنفيذ تنتقل الآن من القطاع الى سيناء، في شبكة الانفاق المزدهرة. من زاوية احباط العمليات، المصريون يمكنهم وينبغي لهم أن يعملوا أكثر؛ من زاوية المصلحة الاسرائيلية في الحفاظ على العلاقات، فان احدا في القدس لن يصر على هذا في المستوى الذي يريدون أن يروه على الارض.
* * *
وفي قطاع غزة توجد الوصمة الاساس في هالة انجازات ديسكن. بعد اكثر من اربع سنوات، الشاباك لم يجلب بعد المعلومات من اجل تحرير جلعاد شليت، باستثناء الموافقة على مطالب حماس. اذا كان هذا هو الوضع الذي سيكون في ايار، فان ديسكن سيذهب الى بيته متوجا باكليل من الثناء على امور قلة فقط يعرفون تفاصيلها ويحمل المسؤولية عن فشل جماهيري آخر، ربما نعرف لاحقا تفاصيله.
25 أيلول 2010عوفر شيلح - "معاريف" الاسرائيلية