"يحزنني ما حدث في الاسكندرية" ...... بمثل هذه العبارة بدأ الشيخ احمد حسون مفتي سورية كلمته.
إن كلمة مفتي سورية ستكون عادية لو أنها قيلت في وقت آخر ومكان آخر، فهي جاءت في احتفال يوم السلام العالمي، هذا اليوم الذي دعا اليه قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في العام 1986، ولأنه قالها أيضاً أمام مئات المصلين المسيحيين في كنيسة الكلدان بحلب، حيث يقوم العالم بشكل عام والكاثوليكي بشكل خاص بالاحتفال بيوم السلام العالمي، ومن مظاهره أن تقوم الكنائس الكاثوليكية باقامة القداديس بهذه المناسبة ويدعون خلالها الى السلام.
وفي سورية يشارك مفتي سورية اخوته المواطنين - منذ خمسة سنوات - بهذه المناسبة، حيث في نهاية القداس يدخل سماحته الى الكنيسة وبعد ان يرحب به المطران، يتكلم سماحته حول هذه المناسبة، مستذكرا قول الرسول العربي (ص) "الا ادلكم على شيء اذا فعلتموه دخلتم الجنة؟ أفشوا السلام بينكم".
قبل ذلك بساعات حدث انفجار أمام كنيسة في مدينة الاسكندرية، ونقل لنا التلفزيون من خلال الاقنية المتعددة صور الانفجار والقتلى، وصور ردود الافعال التي قام بها المسيحييون برمي الحجارة على المسجد المجاور للكنيسة.
صورتان متناقضتان تفصل بينهما ساعات فقط، واحدة في الاسكندرية تمثل الدمار التي تزرعه الأمية الدينية، وأخرى في حلب تمثل الفهم الصحيح للدين، ومحبة الوطن.
في الاسكندرية نقلت لنا الاقنية التلفزيونية صورة القتلى والجرحى وسيارات الاسعاف، أما في حلب، فقبل ان يتوجه مفتي سورية الى الكنيسة، قام بزيارة مستشفى القديس لويس الشهير في حلب، حيث جال بصحبة الراهبات على المرضى ودعا الله ان يمنحهم الشفاء، ثم قدم لهم الزهور والهدايا الرمزية، كما قام بتقديم لوحات مكتوب عليها اسماء الله الحسنى، عربون شكر لأولئك الراهبات.
خلال جولة مفتي سورية على المرضى لاحظ انهم كلهم من المسلمين، فسألني الا يوجد في مستشفى القديس لويس مريض مسيحي واحد؟ وسألت بدوري الراهبة المسؤولة وبعد دقائق وجدنا مريضاً واحداً في العناية المشددة.
انسان - لكي لا أؤطر دينياً - يقتل اناساً آمنين في الاسكندرية، وأنسان - قبل أن يكون مفتياً - يبحث عن المرضى ليحاول مواساتهم، ولو بابتسامة، فكم هو الفارق كبيرٌ بين الصورتين.
يبحثون عن المسيحيين في الاسكندرية ليقتلوهم ويخلقون بهذا جواً من التوتر بين المواطنين، ويبحث مفتي سورية في مستشفى القديس لويس الذي تديره الراهبات المسيحيات، اقول يبحث عن مريض مسيحي ليواسيه، ويبتسم عندما اقول له ان المرضى في هذا المستشفى الكبير كلهم اليوم من المسلمين.
أعلم تماماً أن من قام بهذا العمل الجبان في الاسكندرية لا يمت الى مصر، نور الحضارة ورقي التاريخ والشعب الذي يبني، بل هو ينتمي الى ظلام التخلف وانحدار القيم.
من قام بهذا العمل في الاسكندرية، مدعياً الاسلام - والاسلام منه براء - الم يسمع حديث الرسول (ص) "اوصيكم بالاقباط خيرا" و "اوصيكم باهل مصر خيراً"
واخجلا ايها الرسول العربي، فأنا المسيحي عقيدة، أخجل مما يفعله من تركت لهم أمانة الحفاظ على "اهل مصر" وعلى من أوصيتهم "بالاقباط خيراً".
أيها الرسول العربي، أذكر أنا العربي المسيحي الدعاء الى الله "اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا"، وما فعلوه تجاهك وتجاه ذمتك، ونسوا قولك "من آذى ذمياً فقد آذاني، ومن آذاني حاججته يوم القيامة".
نسوا كيف تفقدت جارك اليهودي، ووقفت لجنازة مسيحي وقلت للناس معك "أوليس نسمة".
أهؤلاء هم من أودعتهم الأمانة على الأرض والعرض، لا والله إنهم غرباء عن دينك وأخلاقك، أنسوا كيف غضبت لقريش وقلت "أنا من قريش" ونحن المسيحييون كنا وما زلنا نقول أننا عرب قبل أية صبغة سياسية أخرى.
عندما حاول الفرنسيون في فترة الاستعمار الفرنسي لسورية، اللعب على وتر الطائفية فقالوا لايسيدور فتال، مطران الروم الكاثوليك بحلب آنذاك، أنهم سيضعون حماية امام الكنائس تحسباً لأعمال شغب وحرق، أجابهم قائلاً انه سيطلب من اخوته المسلمين حماية الكنائس ولن يتوجه الى القوات الفرنسية لتحميه.
وبعد عودته الى حلب خطب ابراهيم هنانو في الجامع الاموي الكبير وقال: "النصارى في بلادنا هم إخواننا في العروبة والوطنية لهم ما لنا و عليهم ما علينا، أنا اربأ بهم أن يعتبروا أنفسهم أقلية فهم أكثرية مثلنا، و كلنا نعيش في ضمان مشترك لا نحتاج معه إلى حماية أجنبية كما يدعي المستعمرون".
صور عدة تملأ الذاكرة في سورية، نأمل أن يتعلمها أولئك الذين يدعون الاسلام "ولما يدخل الايمان في قلوبهم" ويكفرون ويقتلون فـ "هلا شققت عن صدره".
كل هذه المؤتمرات التي نقيمها ونضع الزهور ونقدم الخطباء ونرصد لها الأموال والاعلام ونكتب لها اليافطات الكبيرة، لن تقوم مقام زيارة وابتسامة صادقة واحدة لمريض مسلم او مسيحي في مستشفى في ارض الوطن، لأن "تبسمك في وجه اخيك المؤمن صدقة".
(عالم بلا حدود)