يحاول الكاتب السوري المعروف حنا مينة تصوير حالة المناضلين العرب القدامى الذين تمسكوا بمبادئهم ورفضوا التخلي عنها رغم التغييرات الجذرية التي طرأت على مفاهيم البطولة والوطنية، وما اعتراهم من تعب وإحباط من خلال إسقاط حالتهم على الصياد دغمش في روايته الجديدة الذئب الأسود .
ويدافع الكاتب السوري في روايته عن هؤلاء المناضلين المتعبين رافضا إدانتهم أو إهمالهم، وداعيا إلى تفهم أحوالهم والإفادة من تجاربهم.
ولجأ مينة في روايته لاصطناع أجواء الملاحم والأساطير القديمة مركزا على مفاهيم ووقائع جديدة في الصراع بين الخير والشر، وقد جسد الفساد بدور الذئب الأسود وذريته الآخذة بالتكاثر، وكما هو الواقع في الكثير من دول العالم العربي، فإن انتصار الخير على الشر ليس أمرا سهلا، بل هو أقرب إلى صراع أبدي، وإلى نمط حياة ينتقل من الأجداد إلى الآبناء والأحفاد دون نهاية واضحة.
ويبدأ مينة روايته بتصوير بطله دغمش الصياد المتعب يجلس في فيء صنوبرة هرمة، وهنا يردد الكاتب قول المسيح أيها المتعبون تعالوا إلي وأنا أريحكم ، ثم يضيف كلاما كأنه يقصد به جامعة الغابات العربية عوضا عن الدول.
فيقول متعب دغمش إلا أنه مصمم، لا بد من قتل الذئب الأسود الذي يعيث فسادا بل هو الفساد انتشر واستشرى وصارت له جراء سود لا يعرف عددها موجودة على نحو كثير أو قليل في الغابات الاثنتين والعشرين التي مر فيها، بحث بدأب لا يعرف الكلل عن عدوه وعدو الناس خارجا من بحثه بيقين إنها تتوالد في القصور وتغير على الأكواخ ناهبة بجشع لا يعرف الشبع حتى كسرات الخبز التي يقتات بها الفقراء، وقد التقى في كل غابة صيادا يبحث مثله عن هذا الذئب ليقتله وبعد ذلك تجري تصفية الجراء واحدا بعد الآخر .
ومع أن العمر قد تقدم بدغمش، فإنه لازال يمتلك عزيمة الشباب وقوتهم، وصمم نهائيا على قتل الذئب الأسود وتصفية الجراء مع الأيام، وكان عزاؤه وأمله أيضا في الصيادين أمثاله الذين يكافحون الذئاب السوداء كل في غابته, مما يجعل المهمة لا ينقصها سوى الوحدة كما قال له يوما صياد هرم.
ويحدد هذا الصياد لدغمش الطريق إذا ما أراد القضاء على الذئب الأسود، بدءا من الوحدة ثم استنفار سكان الأكواخ، واللجوء للعمل السري لا خوفا، بل تقية، إذ لا يمكن الكشف عن الغاية إلا بعد الاستعداد الكافي وإلا انقلب الوضع على المناضلين .