ويتم إختيار المحلفين بصورة عشوائية من الدوائر الانتخابية ، ويتم تمحيصمهم عبر عدة إختبارات ليمثلوا ضمير المجتمع والذي يحدد مصير المتهم ، فلا المدعي، ولا محامي المتهم، ولا حتى القاضي يمكنهم تحديد مصيره ، وتماما كسكان ولاية فكتوريا تتكون هئية المحلفين من عدة أشخاص ذو ديانات وأعراق مختلفة، وصادف أن كنت المسلم الوحيد وكان بيينا يهودي والعشرة الباقين من المسيحيين. وكان المتهم أحد المهاجرين وكان من المسلمين ، وكان الشكوى مقدمة من الدولة او التاج كما يسمونها (crown) واستغرق النظر في القضية ما يقارب الشهر ، وطلب منا القاضي ان نأتيه بقرار جماعي ، أي يجب ان يتفق 12 عضواء على الادانة او التبرئه ، وشاهدت بأم عيني كيف أنبرى واليهودي والمسيجي، في الدفاع عن المسلم، إعتمادا على الادلة فقط ،وكيف أتفقنا كلنا على برأته من التهم المنسوبه اليه، بعد فحص الادلة والسماع الي شهود الدفاع الذين أفادوا بانه ذو أخلاق حميدة ومحبوب من النساء وأفاد بعضهم بأن دائم المواظبة على الصلاة في المسجد .
ان العلاقة بيينا وبينهم والتي تجاوزت مراحل المستشرقيين ولا زالت تراوح جدلية إدوارد سعيد، ومساهمات الطيب صالح ، وهي في حاجة الي مزيد من التمحيص والتأطير وبحاجة الي بشر من أمثال الطيب صالح أحد فرسان الصراع الثقافي الحضاري بين الشرق والغرب والذي يتجاوز عطاءه كل ما قدمته الأمة العربية لعقود سابقة وقادمة ، فلقد إدار الطيب صالح ملحمته الباهرة بإستخدام وسائل بارعة وذكية واستطاع إيصال رسالته بوعي ومسؤولية.
و بصدور قرار المحكمة الدولية الخاص بإعتقال الرئيس السوداني عمر البشير يكون الصراع بين الاسلام السني المتشدد بنسخته الإنقاذية البراغماتية والغرب المعتنق لدين حقوق الإنسان والحريات الحديث قد وصل نقطة اللاعودة بل تجاوز مرحلة تكسير العظام وقطع الرقاب.
فاسلاميا لايجوز خضوع المسلم لمحاكم الكفار والمشركين بالرغم من تجوزيها في بعض الحالات من بعض علماء السنة والشيعة الذين أستعانوا بالجبروت والطغيان الأمريكي الرهيب لدك منازل أخوانهم السنة في بغداد والأنبار والموصل . فبحسب ما ذكر ابن القيم في أول كتاب ( الطرق الحكمية ) أن من الفقهاء من قال : لا نتحاكم إليهم ، وقال : هذا لا يمكن أن تصلح به أحوال الناس لا سيما مع كثرة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، فلك أن تتحاكم إليهم لكن لو حُكِمَ لك بغير ما أنزل الله فرده ، وأما أن تضيع حقوق الناس فلا ، لأنه ربما تكون أملاك وفيها ورثة كثيرون فلا يجوز أن نضيعها من أجل أن هذا يحكم بالقانون ، بل نتحاكم إليه فإن حكم بالحق فالحق مقبول من أي إنسان ، وإلا فلا( الشرح الممتع 4 / 24).
وكلنا يعرف موقف علماء السعودية الرسمية والذين لم يعترضوا على جواز الاستعانة بالامريكان للقضاء على صدام وفي رائهم ان البعثيين والشيوعيين أشر من الملاحدة !! وأستدلوا على ذلك ببعض الروايات عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، مثل إستعانته بعبد الله بن أريقط في سفره وهجرته إلى المدينة - وهو كافر - لما عرف أنه صالح لهذا الشيء وأن لا خطر منه في الدلالة وإعتماداً على القاعدة الفقيه (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ).
ويكفينا من السُنة وثيقة مكة والتي أبرمت في ديسمبر 1990 وأفتى فيها العلماء بجواز الاستعانة بالقوات الاجنبية الكافرة من أجل اخراج القوات العراقية المسلمة من الكويت، ويكفينا من الشيعة دخول آيات الله السيستاني والحكيم بغداد على ظهور الدبابات الأمريكية، وتضطرب الروايات الاسلامية في جواز الاستعانة بغير المسلمين وتحكمها في كثير من الاحيان الظروف السياسية .
ولكن في كثير من الأحيان تستعصي العدالة وتضيع الحقوق بسب الخنوع وقلة الحيلة ، فصدام ما كان منفصما عن حكم العراق الا بواسطة القوة العسكرية الامريكية ،والقذافي لن يترك حكم ليبيا بسلام ، وما يقارعنا الغرب به ليست المسيحية الكاثلوكية التقليدية ، فالبابا نفسه عرضة لإنتقاد جمعيات حقوق الانسان ولا حيلة له.
بل إن ما يقارعنا الغرب ويحاربنا به مجموعة من القيّم والمفاهيم تم إستحداثها وإنتاجها مجتمعيا بواسطة الحركات الثقافية والتطورات السياسية ومن خلال المدراسة الفكرية المتتابعة لعلماء الغرب الجادين المواظبين ، هذه القيم والمفاهيم يتم ترسيخها بصورة منهجية من خلال أجهزة الاعلام ذات التقنية العالية والتأثير الطاغي لتحل محل الديانات المُنزلة.
ولايعاني الغرب الامبريالي من أي معضلات أو تأنيب ضمير في سعيه المطلق لفرض قيّمه المناديه بحقوق الإنسان والديقراطية وان خدمت بعض مصالحه الاقتصادية ، فالناظر الي بؤر التوتر في كل أرجاء المعمورة يجد ان القاسم المشترك فيما بينها هو النفط ، ولكن من يعاني هم المسلمين والذين يمثلون طرفي الصراع في معظم النزاعات التي تصنع الأخبار الكارثية ، والذين يحرمّون ويحللون كما يشاءون .