آخر الأخبار

الأسد أصاب قادة الوحدة "ملاط" بالاكتئاب

نتالي بيريتز هارئيل - بار ايلان نير حسون ويوآف شتيرن

صحافيا تحقيقات متخصصان بالعمليات الحربية وشريكان في العمل وقل ما يعمل كل منهما بمفرده، وعلى الرغم من أنهما لا يشاركان في تغطية أي معارك عسكرية في هذه الفترة إلا إنهما شديدا الانشغال ، وأما السبب فبحسب نير حسون :

" الجيش الاسرائيلي يشارك في الحرب ضد سورية!!"

عن أي حرب تتحدث " سألته " هل ستندلع الحرب مع سورية ؟

بالطبع ردة فعلي المتسرعة لم تعجب أستاذي الجامعي يوآف شتيرن الذي مارست معه العمل الصحافي لمدة ثلاثة أشهر كانت هي الفترة التي تدربت فيها على يده ، ولأني خبيرة بتقاسيم وجهه ذو الملامح البولندية الجادة أعدت صياغة السؤال على الفور :

" أين هي ساحة الحرب ضد سورية"

شرح لي يوآف بعد أن أعطيته وقود الثقة بان كلامه معي ليس مضيعة للوقت فقال :

هناك حرب نفسية وإعلامية تشارك فيها إسرائيل ضد سورية، وحدة الحرب النفسية في الجيش الإسرائيلي المعروفة بالاسم لها باسم مركز العمليات النفسية اوالوحدة " ملاط " استعانت بالدكتور يانيف لافيتان

للمشاركة في الجهود ضد الرئيس السوري بشار الأسد. دكتور يانيف صديق قديم للصحافيان وهو يساعد الرجلان في كتابة تقرير يفترض بان تنشره هآرتس في اليوم التالي لسقوط النظام السوري للاحتفال مع الرأي العام بالجهود الاسرائيلية التي أدت ، إضافة إلى جهود دول صديقة ، إلى تحقيق حلم إسرائيلي قديم بالتخلص من بشار الأسد وقيام سلطة بديلة يفترض الإسرائيليون أنها ستكون موالية للسعوديين مكانه، وبالتالي موالية للغرب، يانيف مستعد لاستضافتنا في مكتبه في مقر وحدة الحرب النفسية في الجيش الإسرائيلي المعروفة اختصاراً باسم " ملاط ".

الاسم الانكليزي

Centre for Consciousness Operations

الاسم العبري

המרכז למבצעי תודעה

الوحدة تشارك في جميع الأعمال الحربية التي يخوضها جيش الدفاع وهي تتبع قيادياً لقيادة العمليات في رئاسة الأركان ولكنها إدارياً جزء من الأعمال التي تخضع لسلطة مدير جهاز المخابرات " أمان".

الوحدة "ملاط" كما يعرف الجميع خضعت عام ألفين لبعض الترتيبات التي قضت بتحويل عملها من الجيش إلى المراكز البحثية الخاصة التابعة للجامعات الإسرائيلية ولكن في العام 2005 أعاد جهاز أمان السيطرة على أعمالها وحصل على موافقة قيادة الأركان لتأمين سبعين عالماً متخصصاً في علم النفس ممن يتقنون العربية باحتراف ويقود هؤلاء في العادة ضابط استخبارات يبقى اسمه سريا إلى حين تخليه عن المنصب، وعادة لا تزيد رتبته عن عقيد على أن يكون ممن لهم خبرة عملية في الاستخبارات العملانية ما يعني انه يجب أن يكون من الضباط الذين عملوا لفترة طويلة خلف خطوط الأعداء في الدول العربية.

الوحدة إذا منشغلة في هذه الفترة والتحضيرات للاحتفالات بالنصر على بشار الأسد وإسقاط نظامه جارية على قدم وساق منذ أسقطت التظاهرات الجماهيرية نظام حسني مبارك في مصر، وهي الضربة التي استوعبتها إسرائيل بمساعدة أميركية من خلال سيطرة الجيش المصري على مقادير الأمور وهو الوضع الذي سيتم الحفاظ عليه مهما تغيرت الحكومات والأوضاع المصرية وفقاً لترتيب أميركي مصري مشترك.

إذا وبعد تأمين الخاصرة المصرية كان لا بد من استغلال الفرصة .

هكذا ما انطلقت الدعوات إلى التظاهر في سورية (من مكان قد لا تكون الاستخبارات الأميركية أو حليفاتها العربيات بعيدة عنه) حتى ضاعفت "ملاط" عدد العلماء العاملين معها من سبعين إلى مئة وسبعة وأربعين عالماً وأما الزيادة في العدد فلم تكن عشوائية، فمن استدعوا للخدمة المؤقت في الوحدة هم أكثر مواطني إسرائيل خبرة بسورية وبرئيسها وعلى رأسهم القائد السابق لـ.."أمان" الأسطوري عاموس ملكا (عاش في سورية لسنوات خلال السبعينات وكان يحمل جواز سفر أردني).

ما الذي تقوم به الوحدة في سورية؟

يبتسم يانيف ويشرح قائلاً:

لدينا القدرة على الوصول إلى كافة المصادر المخابراتية التي تحصل عليها مختلف فروع الأجهزة والوزارات والهيئات الدبلوماسية الإسرائيلية حول سورية، كما أن التعاون والتواصل المباشر عبر وسائل اتصالات خاصة مع وحدات عملية تعمل من خلف ساتر أمني في سورية أو على حدودها في العراق وفي لبنان أو في الأردن، يعطينا فرصة الحصول على المعلومات الفورية من ساحة المعركة التي تمتد على كافة الأراضي السورية، ويتضمن العمل الذي تقوم به "ملاط ".

إرسال رسائل "اس ام اس" إلى المواطنين السوريين.

حشد المؤيدين لصفحات الفايسبوك الخاصة بالثورة السورية .

فبركة الإشاعات ونشرها عبر الإعلام العربي والسوري أو عبر الأشخاص.

نشر أخبار البروباغندا الموجهة إلى الشعب السوري من منافذ عربية صديقة.

نشر مقالات وتقارير إخبارية مصممة خصيصاً لضرب معنويات القيادة السياسية والعسكرية والأمنية في سورية.

وأخيرا القسم الأهم والذي يرأسه عاموس ملكا والمتخصص بملاحقة أنباء وتصاريح وتحركات الرئيس السوري بشار الأسد وأقرب المقربين لديه.

وأما هدف هذا القسم فهو التأثير على قرارات الأسد من خلال وسائل الإعلام الدولية والعربية والمحلية ومن خلال الاستفادة من دبلوماسيين أصدقاء في دمشق يملكون قدرة التواصل المباشر مع شخصيات تصل أرائها إلى الرئيس السوري مثل الصحافيين الكبار و رؤساء التحرير أو حتى مسؤولي الخارجية السورية .

عاموس وفريقه يحرصون على توجيه الإعلام الصديق حول العالم وعلى قدر الإمكانيات المتاحة لتوجيه رسائل خاصة يتوقع الخبراء في ملاط أن يكون تأثيرها مباشر على قرارات الأسد .

فعلى سبيل المثال، جرى نشر مقال قبل أيام في صحيفة "لوموند" الفرنسية من قبل صحفي صديق لـ"إسرائيل" ولكن المقال نفسه وضعت اسطره بعناية في "ملاط " وتحت إشراف عاموس ملكا، وفي ذلك المقال يتحدث الكاتب المفترض عن الشخصيات المقربة جداً من الأسد بصيغة التساؤل عمن يحكم سورية، استهداف تلك الشخصيات بهذه الصيغة التساؤولية في المقال هدفه النيل من تلك الشخصيات ودفع الأسد إلى التخلي عنها لإثبات عكس ما يقوله المقال في عيون الرأي العام، ومن الشخصيات التي ذكرها المقال في "لوموند"، شقيق الأسد الجنرال ماهر وقريبه حافظ مخلوف الذي يعمل في الاقتصاد والأعمال وشقيق الأخير رامي وهو ضابط امن تربى علي يد باسل الأسد الشقيق الراحل للرئيس السوري، ويقول يانيف بأن هذا المقال يملك قدرة تدمير تعادل عشرة أطنان من المتفجرات المحشوة باليورانيوم المنضب، ولكن مع بشار الأسد كان بلا تأثير!!.

ويشرح يانيف فيقول :

في حرب الخليج الأولى كان الرئيس جورج بوش الأب يرفع إصبعه في وجه الشاشة ويقول لصدام حسين بصيغة الأمر المباشرة

"أريدك أن ترحل عن الكويت و الآن" وكانت تلك الكلمات كافية لدفع صدام حسين إلى التمسك بالكويت على الرغم من أنه كان في تلك الفترة قد أبلغ وسطاء فرنسيين بأنه سيسحب جيشه من الكويت لتفادي حرب مع الأميركيين.

وما كان يتوقعه ملكاً هو أن تؤدي جهوده إلى التأثير على قرارات بشار الأسد ودفعه إلى الانهيار نفسيا والتصرف بعصبية بعد دفعه أولاً إلى تفتيت عصب القوة التي يحكم بها السيطرة على الأوضاع وهي سمعته الحسنة كمصلح بين السوريين. وفي هذا المجال يشير يانيف إلى مخطط مالكا الهادف إلى استخدام أصدقاء من الحكام العرب لتسديد النصح الملغوم إلى الأسد للتنازل هنا أو هناك أمام التظاهرات، كما إن الحكام العرب أنفسهم هم من يأمل ملكا عبر الحكومة الإسرائيلية التي تملك صداقات مع اغلبهم كان يأمل بدفع بعض المسؤولين السوريين السابقين والمقيمين في الخارج لإعلان انشقاقهم عن النظام إعلامياً.

كيف حاول الوحدة ملاط شن حرب نفسية على الشعب السوري عامة وعلى الرئيس السوري خاصة؟

أولا: تسريب خطط العمل إلى المتظاهرين والتي تتصاعد بالتدريج بعد كل تنازل يقدمه الأسد، فما أن يحصل المتظاهرين على تنازل حتى يصعدوا من تظاهراتهم أكثر وهكذا أيضاً التصعيد بالهتاف، من الهتاف بالإصلاح إلى الهتاف لاحقاً ضد أسماء مقربة من الرئيس ثم بعد إقالة أولئك المسؤولين أو طردهم أو اعتقالهم تبدأ الهتافات المنادية بإسقاط النظام بعد أن يكون الرئيس قد جرد نفسه من كل المساعدين الأوفياء والمخلصين.

ثانيا: تكثيف بث الأخبار التحريضية من خلال وسائل إعلامية ذات مصداقية ولا يعرف عنها بأنها عدوة للنظام السوري

ثالثا: تسريب نصائح ملغومة ومعلومات مضللة (عن تدخل دولي محتمل أو عن تمرد واسع متوقع هنا أو هناك في المدن السورية) من خلال أصدقاء سوريين لدبلوماسيين أجانب يعملون في دمشق هم أيضاً (الدبلوماسيين الأجانب) أصدقاء لـ"إسرائيل"، هؤلاء الدبلوماسيون حين يلتقون شخصاً يعرفون بأنه قد يستطيع إيصال فكرة معينة إلى الأسد مباشرة أو بواسطة أي من المقربين منه فإنهم يسربون ما تسربه لهم "ملاط" من خلال وسائل إسرائيلية أو صديقة خاصة، ونقل تلك المعلومات أو النصائح يسري كما يسري الفايروس في شبكات الانترنت، صعوداً من شخص إلى شخص حتى الانتهاء على طاولة الأسد. وكان يأمل الإسرائيليون من خلال هذا الأسلوب الوصول إلى التكامل مع ما تنشره ملاط في الإعلام العربي والغربي .

رابعاً: تكثيف نشر الأخبار التصاعدية عن القتلى والمجازر وتحميل أقرب المقربين من الرئيس السوري المسؤولية عن دم القتلى وذلك لبث الحقد في نفوس الشعب ضد الأسد شخصياً من خلال تحميله وزر أعمال رجاله المقربين وتخويف المسؤولين الأمنيين والعسكريين وهم عصب النظام ودفعهم إلى التراخي بحجة الخوف من العقاب الذي سيوجه شخصياً إليهم على يد القضاء الدولي بعد سقوط النظام ، والحديث أيضاً عن الفساد ودفع المتظاهرين إلى التركيز على أصهار أو أعمام أو أخوال أو أقارب الرئيس وزوجته (...) ويفخر يانيف بالقول بان عاموس ملكا هو من يقف خلف نشر مقال في صحيفة أميركية تناول ما نشرنا انه بذخ مبالغ به من قبل زوجة الأسد في الثياب .

خامسا: اختراق الشبكات الهاتفية وإرسال الرسائل البريدية والاس ام اس إلى المواطنين السوريين.

سادسا: استنباط شعارات وهتافات تنفع في التناغم مع مشاعر المواطنين السوريين.

سابعا: وضع خرائط عمل للمتظاهرين المبتدأين عن كيفية تنشيط المجتمع المدني

ثامنا: نشر خرائط للمدن بأبنيتها وشوارعها لدفع الشعب السوري إلى التعلم منها كيفية خلق تظاهرات مليونية مفاجأة للنظام.

تاسعا: نشر بيانات معدة سلفاً على الانترنت وما على الناشطين السوريين إلا طبعها منزلياً وتوزيعها .

ما هي نتائج هذا العمل المستمر منذ الأول من شباط فبراير حتى اليوم يقول الدكتور يانيف لفيتان: نتائج الحملة على الرأي العام السوري رائعة وتجاوب الإعلام العربي معنا أكثر من رائع خاصة وإننا حصلنا على دعم غير مباشر من حكام عرب أعطوا كلمة السر لرجالهم في الثقافة والأديان لشن حملة شعواء عربياً على نظام الأسد ولكن الكارثة التي حلت بعمل ملاط تمثلت في فشل ذريع منيت به وسائل الجنرال عاموس ملكاً وخططه ضد بشار الأسد !!.

ملكا من خلال الأخبار التي ينشرها في الإعلام العالمي والعربي عن الرئيس السوري حاول منذ الأول من شباط الماضي دراسة أساليبه وتطويرها للحصول على النتيجة المبتغاة ولكنه كما يؤكد يانيف "مصاب هو فريقه بالإحباط الشديد" فبشار الأسد لم يتأثر بكل ما أشعناه عنه وعن المحيطين به وهو لم يقع في الفخ الذي كنا نأمل أن يقع فيه من خلال دفعه إلى التخلي عن أقرب المقربين منه وهو الأمر الذي كنا نأمل أن يؤدي في النهاية إلى تحميله هو مسؤولية ما نتهمهم به، فطرد هذا أو ذاك من مساعديه تحت ضغط الإعلام الدولي أو تحت ضغط الشارع سيجعل منه في نظر الشعب السوري مسؤولاً عن أعمال أولئك المبعدون والدليل المطلوب إعطائه مصداقية في نظر الرأي العام هو التالي:

إذا كان الواقع هو بان الأسد ابعد أولئك الأشخاص تحت الضغط فهذا يعني أولاً :

الإقرار بأنهم مذنبون .

وثانيا بأنه كان راضياً بأفعالهم .

الجنرال عاموس ملكا ونقلا عما رواه لنا الدكتور "يانيف لفيتان" لم يفشل في التأثير على الأسد الثابت والهادئ والذي لم يكلف نفسه حتى عناء الظهور علنا لتهدأة المتظاهرين بدا أن ثقته الكبيرة بنفسه انسحبت على معظم مسؤولي النظام السوري، فبعد شهر وعشرون يوماً من بدء الحروب الشعواء النفسية والإعلامية على سورية لم يستطع ملكا ومساعديه من السوريين والحكام العرب التأثير ولو على سفير واحد من سفراء سورية السابقين في الخارج لدفع إلى الانشقاق .

والحل ؟ نسأل يانيف فيجيب :

الحل هو القبول بالواقع الذي يقول بان علينا مواجهة الأوضاع السورية كما هي مع وجود رئيس نعرف الآن أكثر من أي وقت مضى بان محصن ضد كل أنواع التأثيرات النفسية والإعلامية وشخصيته الواثقة سلاح لم نجد حتى اليوم ما يقابله عندنا.

(مقدمة بحث نشرته نتالي بيريتز هارئيل في صحيفة جامعة حيفا)
(فيلكا)