آخر الأخبار

لماذا بشار الأسد؟

بكل تواضع، ومع الإقرار المسبق بفارق الموقع والتأثير والقيمة السياسية، أنا في سوريا مع الرئيس بشار الأسد.

أنا معه أولاً، لأن الولايات المتحدة وإسرائيل ضدَّه، ولأني كلما قرأت في صحيفة أميركية، أو على موقع إلكتروني عِبْري، رأياً داعياً إلى إسقاطه، لاستبدال نظامه "الدكتاتوري" بآخر "ديموقراطي"، أتذكر فوراً ما فعله التدخل الأميركي في العراق، وتعود إلى مخيلتي سريعاً، مشاهد الإجرام الإسرائيلي في حق الشعبين اللبناني والفلسطيني.

أنا معه ثانياً، لأنَّ عبد الحليم خدام ضدَّه، ولأني لا أريد استبدال النظام الذي بات يتعامل مع انسحاب جيشه من لبنان كأمر واقع، بآخر يرأسه مهندس الوصاية السابقة، وراعي الانقضاض على استقلالِ وطني، منذ سبعينيات القرن الفائت، حتى أوائل القرن الراهن.

أنا معه ثالثاً، لأني مقتنع بأن سوريا في سوريا، ولبنان في لبنان، ولأن كل ما يحكى عن تدخل سوري مستمر في الشأن اللبناني، يقابله في الوقت عينه تدخل من عشرات الدول في العالم، ولا يمكن اعتبار التدخل السوري الراهن- إذا حصل- انتهاكاً للسيادة الوطنية، فيما تقبل كل التدخلات الأخرى.

أنا معه رابعاً، لأني لا أرى أن في سوريا معارضة، بل مجموعات وأفراد معترضون، بعضهم عن نية مدنية حسنة، وأكثرهم انطلاقاً من خلفيات متطرفة، شعارها المرفوع في درعا: "العلويي ع البيوت، المسيحيي ع بيروت".

أنا معه خامساً، لأن سوريا ليست تونس أو مصر، حيث المجتمعات متجانسة طائفياً، أو حيث أكثريات كبيرة من لون مذهبي واحد. هناك تصحٌّ الثورات، ولو حصلت تطورات أمنية طفيفة. أما في سوريا، تماماً كما في لبنان والعراق مثلاً، فالثورة تصير حرباً مذهبية، والحرب المذهبية تبدأ ولا تنتهي، فتصير الحياة الوطنية مسافات زمنية فاصلة بين حرب وحرب.
أنا معه سادساً، لأن سوريا ليست ألمانيا عام 1989 حيث سقط جدار برلين، فتحققت الوحدة لأن المجتمع واحد، وسوريا ليست جنوب أفريقيا حيث سقط النظام العنصري بفضل قيادات تاريخية مثل نيلسون مانديلا. أنا معه لأن سوريا هي يوغسلافيا، حيث إسقاط النظام لا يعني إلا الحرب.

أنا معه سابعاً، لأني مع لبنان، ولأني بتُّ أفهم اليوم شعار "أمن لبنان من أمن سوريا، وأمن سوريا من أمن لبنان"، ذلك أن انهيار النظام السوري قد يعني حكماً تحول لبنان "نهر بارد" كبير، لن يحصل الجيش اللبناني على دعم غربي لإسقاطه، تماماً كما لم يحصل على الذخيرة لضرب "نهر البارد" الصغير عام 2007.

أنا معه ثامناً، لأني زرت سوريا مرات كثيرة خلال السنوات الأخيرة، وأعرف أن فيها حرية دينية مثل لبنان، وأن بناء الكنائس فيها ليس ممنوعاً مثل السعودية، ولأني رأيت فيها طريقة حياة عصرية قابلة لمزيد من النمو والتطور.

أنا معه تاسعاً، لأني أشعر أن نظامه "الدكتاتوري" أكثر حرية من بعض الأنظمة التي يدافع عنها الغرب بكل قوة، ويسمح بكل الارتكابات دفاعاً عنها، تماماً كما يفعل في البحرين، وكما فعل مع معمَّر القذافي وغيره قبل الأحداث الأخيرة. وأنا معه أيضاً، لأني لا أعرف لماذا على النظام السوري أن يسقط، فيما يصمد النظام السعودي وسائر الأنظمة الخليجية المدعومة أميركياً.
أنا معه عاشراً، لأني كنت ضدَّه سابقاً، وتحديداً قبل عام 2005، حين كان يحكم لبنان، ولأني كنت واحداً بين آلاف الذين رفضوا إلغاء لبنان وشطبه عن الخريطة السياسية، ولأني كنت مع القرار 520 عام 1982 وقانون "محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان" عام 2003، قبل صدور القرار 1559 عام 2004 وقبل اغتيال رفيق الحريري عام 2005. أنا معه أيضاً، لأني كنت "حراً سيداً مستقلاً" منذ البداية، قبل كل "اللبنانيين" الكذابين الذين ادعوا أنهم صاروا كذلك في ما بعد...

وأنا معه أخيراً، لأني أعرف أن كل الملفات اللبنانية العالقة معه، ومنها ترسيم الحدود والمفقودون هي مسؤولية لبنانية قبل أن تكون سورية، ولأني مدرك تمام الإدراك أن من طلب استبدال عبارة "العلاقات الندية" بـ "العلاقات الأخوية" في البيان الوزاري، لست أنا بل رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري...

جاد ابو جودة
(التيار الوطني الحر)