لو كانت اسرائيل أكثر ثقة بعدالتها؛ ولو كانت اسرائيل ذات نظام أكثر انفتاحا - لأحيوا اليوم في كل المدارس في اسرائيل، اليهودية والعربية، ذكرى يوم النكبة. كان يمكن بعد بضعة ايام من احتفالاتنا بيوم الاستقلال التي تحدثنا فيها عن البطولة وعن الانجازات التي تستحق الفخر بها، أن نجيز اليوم درسا في المواطنة، درسا في المواطنة من نوع آخر، يعرض ايضا قصة الطرف الثاني المنكرة والمكبوتة. وما كانت لتسقط شعرة واحدة من شعر رؤوسنا لو فعلنا ذلك اليوم. أصبح من الممكن بعد 63 سنة والدولة قوية نامية أن نبدأ برواية الحقيقة كلها لا جزئها البطولي الذي تريح روايته فقط.
كان يمكن في هذا اليوم أن نقول لطلابنا انه يحيا الى جانبنا شعب يعتبر يوم فرحنا بالنسبة اليه يوم كارثته بسبب ذنبه وذنبنا. ويمكن ان نقول لطلاب اسرائيل انه قد جرت في حرب 1948، كما في كل حرب، غير قليل من المظالم وجرائم الحرب. ويمكن التحدث عن اعمال الطرد والمذابح - اجل وقعت مذابح واسألوا شيوخ 1948 - والتحدث عن المدن التي "طُهرت" والقرى التي أُخربت، وعن آلاف السكان الذين وُعدوا بالعودة خلال ايام وهو وعد لم يتحقق، وعن "المتسللين" البؤساء الذين حاولوا العودة الى بيوتهم وأملاكهم كي يُخلصوا من هناك بقايا حياتهم وقتلهم الجيش الاسرائيلي أو طردهم. يمكن فضلا عن أن ندع الفلسطينيين الاسرائيليين يتذكرون يوم تراثهم ويُعبرون عن ألمهم القومي والشخصي، وهو شأن يجب ان يكون مفهوما من تلقاء ذاته، أن ندرس ايضا عندنا نحن اليهود الرواية الاخرى.
يمكن تسويغ كل ما فعلته اسرائيل في 1948، وتمكن ايضا إثارة اسئلة صعبة - لكن يجب أن نعرف (كل شيء). يجب ان نعرف انه كانت هنا 418 قرية مُحيت عن وجه الارض، ويجب أن نذكر أنه كان أكثر من 600 ألف من أبناء البلاد هربوا أو طُردوا بغير عودة عن بيوتهم وأن أكثرهم يعيشون حتى هذا اليوم هم وذرياتهم - في ظروف بائسة يحملون مفاتيح بيوتهم الضائعة. ويجوز ويجب أن نروي لطلابنا انه يوجد لهذا القمر المضيء الذي يُسمى نهضة اسرائيل جانب مظلم ايضا. يجب أن ندرس هذا كي نعرف تاريخنا وكي نتفهم أشواق الفلسطينيين وإن لم توجد نية للاستجابة لها. بل يمكن أن نسمي هذا "إعرف عدوك"، لكن يجب أن نعرف.
يجب ان نعلم أنه تحت كل حرجة (حرش) تقريبا للكيرن كييمت تكمن خرائب حرصت اسرائيل على محوها لئلا تصبح أدلة عليها ومواقع تراث اخرى. ويجوز ان نعلم انه تحت "متنزه كندا" الزاهر تكمن أنقاض ثلاث قرى أخربتها اسرائيل ايضا بعد حرب الايام الستة وحملت سكانها في حافلات وطردتهم. ويجوز ان نوجه أنظارنا الى أنقاض البيوت التي بقيت على جوانب الطرق التي نصرف عنها وجوهنا وأن نتذكر أنه كانت فيها ذات مرة حياة. بل يجوز أن ننصب لافتات ذكرى، في ارض شواهد الذكرى تذكارا للقرى التي لم تعد موجودة ايضا. ويجوز ان نسأل كيف لم تبق على طول السهل الساحلي بين يافا وغزة قرية واحدة. ويجب ايضا ان نسأل لماذا أُحيط المسجد في قلب بلدة زخاريا بجدار وعليه اللافتة المثيرة: "حذارِ، مبنى خطر". كلا، ليس خطرا، هذا المبنى المقدس لهم. ويجوز ايضا ان نسأل أين يعيش اليوم أبناء زكريا التي قامت على أنقاضها زخاريا (الجواب: في مخيم اللاجئين البائس الدهيشة). ليس هذا بالضرورة كفرا بالأصل وليس بالضرورة خيانة للفكرة الصهيونية. هذه استقامة تاريخية وفكرية قد تكون شجاعة لكن الواقع يقتضيها.
في يوم النكبة هذا كان يمكن البدء برواية الحقيقة كلها. اذا كنا فخورين جدا بها فما الداعي الى اخفائها. واذا كنا نخجل منها فقد آن أوان الكشف عنها ومواجهتها. في اليوم الذي يتعلم فيه طلاب اسرائيل فقط عن النكبة سنعرف ان الارض لم تعد تحترق تحت أقدامنا وأن المشروع الصهيوني قد تم".
جدعون ليفي
"هآرتس"