إزاء التغيرات الجديدة التي صنعتها الثورة في تونس -و التي لم تكن تغيرات ناتجة عنها بقدر ما اُنحصر دور الثورة في إبراز تغيرات كانت في حالة مخاض على السطح و إعادة ترتيب أولويات البلاد- يمكن المقارنة بين نظامين اُقتصاديين سادا المرحلة السابقة منذ بداية الاستقلال حتى الثورة أما النظام الأول فقد قام بتكريس القطاع العام لا في مفهومه الاشتراكي الضيق بل بمفهوم يتعلق ببناء الدولة بعد الاستعمار و المحافظة على مواردها و حماية حقوق الشعب الأساسية في الغذاء و التعليم و التداوي و النقل عبر مؤسسات تحقق حدّا أدنى من "إيتيقية الدولة" أما في المرحلة الثانية و التي سبقها اختناق سياسي و مرور من حقبة سياسية إلى أخرى فقد عرف فيها الاقتصاد ما يُسمّى بالرأسمالية الإقطاعية إذ وقع تهميش القطاع العام بكل وجوهه و تبدلت الخارطة الاقتصادية لفائدة فئة محدودة جدا تتحكم في كل الموارد المادية و البشرية و بيدها فقط خياطة ثوب الاقتصاد الوطني.
و يشكل النظام الاشتراكي المنفتح لا المتشدد نزوع المجتمعات المنظمة و الديمقراطية التي تحترم مواطنة الإنسان و تحرص على حد أدنى من العدل بين الأفراد بحيث لا تتاجر بحاجيات الشعب الأساسية و لا تسعى إلى خلق حاجيات جديدة غير ضرورية بهدف الربح الأعلى و التحالف مع رأسمالية عالمية قادرة على صياغة قيم أخلاقية و فكرية جديدة هي إفراز للإقتصاد المُحرَّر الفوضوي الذي يرى في الإنسان سوقا للطلب المتزايد دون أن يُلقيَ بصرَه إلى الملامح الجديدة لهذا الكائن الذي صار في حدّ ذاته إنتاجا للسوق الاحتكارية اللاأخلاقية.
و لا يمكن اعتبار النظام الاشتراكي عدوّا بنيَويا للنظام الرأسمالي و إن اُختلفا في عديد الوجوه لأن الملكية الفردية خادمة بالضرورة للملكية الجماعية شرط أن يفكر المالك في مصلحته في علاقة جدلية بين جلب المصالح و درء المفاسد فعلى الدولة بما هي سلطة إشراف أن تصنع الموازنة لخدمة المجموعة و الفرد فتفيد الملكية الفردية الملكية الجماعية و تفيد الملكية الجماعية الملكية الفردية و لا يحدث هذا إلا إذا كانت الدولة مستقلة لا تتحكم في قرارها مجموعات ضغط داخلية أو خارجية و لا يعني هذا أن الدولة كائن أثيري ملائكي بل إن الدولة في تعدديتها قادرة على أن تخدم كل الأطراف دون أن يطغى طرف على طرف كما أن دور المؤسسات القانونية و السياسية أساسي لترجيح كفة الميزان نحو التوازن و التعادلية و حماية المواطنة. فهامش تدخل الرأسمالي في الاقتصاد يجب أن لا يمس أدوات الإنتاج الأساسية لئلا يتجنى على المجموعة التي لا يمكن أن تكون مكونة من أفراد أسوياء و أقوياء مائة بالمائة و قادرين على الإنتاج حتى آخر يوم في حياتهم و هذا ما تتطلبه الرأسمالية فكل من لا يمثل وقودا لقطار الرأسمالية هو بالضرورة عبء عليها.
إن الدولة هي المسؤولة عن أيّ خطاب يوجّه المجموعة سواء كان هذا الخطاب اُشتراكيا أو رأسماليا، علمانيا أو دينيا، محددا أو ضبابيا و ثقافة المواطنة لا تصاغ عبر شعارات فضفاضة يكون الشعب أذكى من أن يصدّقها لأنه لا يصدق من يصوغها و لا تقدم كعبارات جاهزة يصعب التدليل عليها في المجتمع و إرساؤها كممارسة.
إن ثقافة المواطنة سيرورة تُصنع في رحم المجتمع الواحد، تجربة تصوغها كل الأطراف في تاريخها المشترك معا و تزيدها المعاناة المشتركة ذكاء و اُلتحاما فالأطراف التي تناضل معا -و لو على جبهات مختلفة- لا بد أن تلتقي في جني ثمار الديمقراطية و التمتع بخيرات الوطن المادية و الثقافية فالإنسان لا يحتاج أن يُعلـَّم الأنانية بل الإيثارَ و لا يحتاج أن يُعلـَّم العمل الفردي بل العمل الجماعي و لا يحتاج أن يُعلـَّم النفور من الآخر بل الاعتراف بشبيهه في المواطنة و الإنسانية. و إذا كانت الاختلافات النظرية بين القطاعين العام و الخاص تسفر عن أهمية كل منهما على حدة و خدمة القطاع الأول للإنسان و للقيم الإنسانية أكثر بكثير من القطاع الثاني الذي يحول الإنسان إلى آلة تنكر إنسانيتها في سبيل الكسب الذاتي و خدمة النظام الرأسمالي فإن العلاقات في مستوى الواقع تفضح تحيزا اجتماعيا للنظام الرأسمالي على حساب القطاع العام دون إنكار الاستقرار الذي يوفره القطاع العام و الذي يستفيد منه الأفراد بموازاة مع القطاع الخاص فالرأسمالية الوطنية أو العالمية تستقطب الخبرات الوطنية التي ليست سوى نتاج للقطاع العام و عوض أن يستفيد منها القطاع العام تستغلها شركات القطاع الخاص مقابل أجور عالية مما يسبب إهدارا للقطاع العام في مستوى التعليم و في مستوى التشغيل و إذا قررت بعض الأطراف العاملة بالقطاع العام أن تستفيد من القطاع الخاص (في إطار علاقة شغلية غير قانونية) فإن ذلك يكون على حساب مردودها في القطاع العام هذا إذا لم يتطور الأمر إلى تسريب المعلومات و اختلاس المواد و خسارة العملاء و عدم احترام المواصفات و هذا ما يعتبر فسادا في القطاع العام و يسيل الكثير من الحبر دون البحث في حلول جذرية له و الحلول في نظري نوعان:
- حلول تتعلق بالتنشئة على الوطنية و المواطنة و احترام الآخر و التعبئة في اتجاه العمل و التنمية و حب الأرض.
و حلول إجرائية تتعلق ب:
- تحفيز العمال في القطاع العام على حساب من يقدمون مردودا عاديا.
- إعادة تأهيل مديري القطاع العام في سبيل إدارة جديدة تأخذ من إيجابيات الإدارة في القطاع الخاص.
- صياغة إجراءات اقتصادية لتشجيع الكفاءات العلمية الكبيرة لمنعها من الهجرة للبلدان الأجنبية.
- المراهنة على الجودة لا على الربح لأن الجودة تضمن الربح لكن الربح لا يضمن الجودة.
- كسر المقارنة مع الدول القوية لأنها لم تبن تقدمها على إمكانياتها الخاصة و مواردها البشرية بل على مجلوبات الاستعمار المادية و البشرية و الفكرية و ما توفر لها لا يمكن ان يتوفر للدول النامية و لهذا فالمقارنة مغلوطة.
- فرض ضرائب مناسبة على الشركات الخاصة الكبرى عموما و الأجنبية خصوصا لدعم القطاع العام و استعادة كفاءاته من القطاع الخاص.
- تشكيل لجان مراقبة صارمة على الرشوة و السرقات و الإهدارات الخاصة بالمواد و التوقيت الفعلي للعمل و المواصفات و الآلات المملوكة للشركات العمومية.
-استجلاب أصحاب الخبرات في الإدارة و في الاختصاص الواحد لا الموثوقين سياسيا و إيجاد تطبيقات مناسبة للحلول التي يقترحونها في المجال.
-ارتباط القطاع العام بالدولة الدكتاتورية يجعله يتأثر سلبا في إدارته و علاقاته مما ينتج عن ذلك ضيق الأفق و غياب المبادرة و توتر العلاقات لأن السلطة في القطاع العام تستمد مقوماتها من صورة الدكتاتور و هذا لا يخدم الإدارة و لا الموارد و لا الشعب.
- تأهيل الفرد و تنشئته على أن الدولة ليست أمه أو أباه و أن عليه أن يكون منتجا في مجاله و ألا يكون عبءا إضافيا و ذلك بتعليمه المبادرة في سن صغيرة و تأهيل المدرسة لتكون صورة من الدولة الحديثة فتقيم دورات تدريبية لإنتاج قصص و كتب بمساهمة رمزية من أولياء التلاميذ / إنتاج ألعاب من الخشب و بيعها في المحيط المدرسي / إنتاج مسرحيات أو عروض فنية في مستوى المدارس وتسويقها في شكل توأمات مع مؤسسات تعليمية أخرى / تشجيع المبادرات العلمية في المدارس فالقطاع العام يضطلع بمسؤوليات كبيرة اقتصادية و ثقافية و ليس غرض مناصري القطاع العام إلغاء الملكية الخاصة و إنما خلق علاقات إنتاجية جديدة تكون لمصلحة الفرد و المجتمع و هذا يعني أن يشارك كل أفراد المجتمع في ما هو عام بداية من العائلة إلى المدرسة إلى المؤسسة التشغيلية فتكون هناك ثقافة مدنية تسمح لكل مكونات المجتمع المدني المشاركة في الحراك الاجتماعي لأن لكل شخص في المجتمع شيئا ما ليقدمه حسب إمكانياته العقلية و المادية و التواصلية و هذا يستوعب كبار السن و أصحاب الإعاقة الذهنية و الجسدية و الأطفال في سن الدراسة مما يتطلب حراكا من القاعدة لا من القمة و انحسارًا لدور الدولة المراقِب مقابل دور مدني يُفعّل المبادرات الفردية و الجماعية. و إذا كان حجم العمالة يزداد بنسب كبيرة لا تواكبها فرص العمل المطروحة في السوق مما يجعل بعض الأشخاص يتلقون مقابلا على عمل لا يؤدّونهُ أو يؤدّونهُ جزئيا فهذا يعود على خصائص الإقتصاد في الدول النامية و عدم انفتاح القطاع العام على أنشطة اقتصادية موسمية تحل المشكلة و لو جزئيا إضافة إلى أن الدولة صارت تتصرف كشريك رأسمالي في أغلب الدول النامية مما يجعلها عاجزة عن فرض شروطها على القطاع الخاص من جهة إدماج أصحاب الكفاءات و ما يتطلبونه من أجور مرتفعة مقابل الأجراء الذين لا يملكون مواصفات علمية.
و قد أثبتت الثورة التونسية أن الدكتاتورية لا تدوم و سواء كانت الدكتاتورية مشخصنة أو عمالية أو ثيوقراطية فهي تظل نظاما مغلقا ينتهي بخنق أدعيائه قبل غيرهم على أن سعي الدولة نحو انفتاح اقتصادي ضروري على الدول الأخرى يظلّ في حد ذاته مشروطا بوزن الدولة المقترِضة فاُقتراض رؤوس الأموال الأجنبية و تأمين فوائد قارة لأصحابها يتطلب قرارا سياديا للدولة المقترضة فإما أن يصب القرض في احتياجات الدولة الحقيقية و يكون بما هو عبء على الشعب لأجيال متلاحقة قد حل جزءا من المشكلة الوطنية و إما أن يزيد الطين بلة فتشترط الدول المُقرِضة أن يقع صرف القروض في مشاريع مربحة تحددها هي سلفا و بالتالي يكون القرض مضاعفا و المشكلة مضاعفة على الدول المقترضة تستفيد منها قلة رأسمالية و يشقى بها شعب كامل تُقتَطـَعُ من تنميته و تطوره و سيادته وإزاء تخلف الاقتصاد الناتج عن تخلف التعليم و أزمة القيم التي زادتها استقالة العائلة تضخما و ضعف الوزن الدولي كبلد واحد، ككتلة مغاربية، ككتلة عربية نامية تجد الدولة نفسها منصرفة عن أولوياتها الحقيقية لخدمة أولويات الرأسمالية العالمية في قطاعات كالسياحة الطبية و الثقافية و الفلاحة البيولوجية و الصناعات الدقيقة و التجارة المضخمة.
نزعم أن البلاد التونسية في تجربتها القانونية و الاجتماعية المتفردة و إن كانت تمثل وجها من وجوه الاقتصاد النامي إلا أنها استطاعت بفضل مواردها البشرية أن تجد بدائل تستفيد من النظامين معا رغم ما اعتراها من نكوصات و هكذا حافظت على طبقة متوسطة واسعة الامتداد. و لكن إذا فكرنا في البلاد العربية ككتلة مترابطة المصالح ضمن عقلية قومية تقدمية نجد أن الكتلة الرأسمالية العربية تخرب الاقتصاد العربي ككل لفائدة مصلحة فردية تتعلق بأصحاب رأس المال أو لمصلحة خارجية تستفيد من تبعية الكتلة العربية و رأس المال العربي للنظام الرأسمالي العالمي و التبعية هي التي تجعل من اٌُقتصادنا اقتصادا متخلفا لا عن الاقتصاد العالمي بل متخلفا عن إمكانياته و موارده البشرية و المادية و عن المعدل الذي يمكنه بلوغه لو تبادل الخبرات و المواد و اليد العاملة على مستوى عربي-عربي و بما أن رأس المال لا وطن له و لا أخلاق فهو يمكن أن يهاجر من بلداننا بهدف الربح أو يهاجر إلينا دون أن يفيدنا بل يزيدنا مديونية و عجزا برفع الأسعار و انتزاع الأرباح و خلق تضخم لا يتعافى منه اقتصادنا إلا بتخطيط على المدى الطويل و تظل مؤسساتنا الرأسمالية تابعة للمؤسسة الرأسمالية النواة في البلاد الأقوى تحت مسميات الليبرالية و التحرر الاقتصادي و لا يمكن الخروج من عنق الزجاجة إلا بإرادة جماعية تلتف حولها النخب السياسية و الاقتصادية و الفكرية في اطار وعي وطني بخيار الاستقلالية الذي قد يكون المرور إليه عسيرا و لكن الانخراط فيه لن ينتشلنا من التبعية الاقتصادية فقط بل سيجعلنا أسياد مصيرنا و أصحاب القرار على مواردنا و حياتنا و مناهجنا التعليمية و شخصيتنا الوطنية و القومية و كيف يمكن أن يزعم أي رأسمالي عربي يتعامل مع الرأسمالية العالمية أنه لا يضخّ أمواله للأخطبوط الصهيوني في العالم و يخدم أهدافه و يمد في أنفاسه و يشحذ مخالبه؟
هل الوعي العربي متأخر جدا عن واقعه و عن إمكانياته أم أن العمل الوحدوي يتطلب تربية قيادية غير متوفرة في عالمنا العربي؟ ما الذي يجعل العمل الوحدوي لا يبلغ أهدافه؟ هل يعود هذا إلى أن بلدانا غير ديمقراطية لا تحترم مواطنيها و لا تثق في شبيهاتها من الدول العربية و تفضل التعامل مع الغرب اتقاءً لشرّهِ و استجلابا للمصلحة منه أم أن مناهج التعليم في حد ذاتها لا تدرج مادة التاريخ العربي المشترك و لا تشعر الأجيال الوليدة بضرورة بناء مستقبل مشترك أم أن تاريخ بلدان المغرب العربي مختلف نوعا ما عن تاريخ بلاد الشرق و كما تتهم الدول الشرقية دول المغرب بالولاء للغرب تتهم دول المغرب الشرق بالتطرف الديني و الولاء للكتلة الشرقية.
لقد مثل المتحف الرئاسي العربي نواتات رأسمالية تدور في فلكها مؤسسات صغرى محلية تستنزف أموال الشعب و آماله في الكرامة و الاستقلالية و تحول دون تطور القطاع العام ككسب وطني و تقطع أي طريق أمام وقف الاهدارات على المستوى الاقتصادي العربي بتحمل كل قطر لمشاكله الاقتصادية بمفرده و التي كان يمكن تلافيها بإيجاد حلول مشتركة و الحول بالتالي دون التبعية لحلول خارجية أجنبية.
إن الرأسمالية المحلية التي تنمو على حساب الوطن الواحد لا تكتفي بالإثراء على حساب الصراعات الطبقية الموجودة في المجتمع و دعمها بل ا ن امتلاكها للثروات يجعلها مالكة للخطاب السائد في المجتمع و الذي تروّجه عبر وسائل الإعلام المسماة "الوطنية" من تلفزة و إذاعة و مجلات و جرائد و التي ليست سوى أداة في يد الطبقة الحاكمة المتكونة من لصوص يستولون على أموال الشعب و على طريقته في التفكير و العيش و التي تكرس خطاب التجزئة تحت شعار "فرّق تسُد" لا خطاب الوحدة و إن في مستواها الوطني دون الوصول إلى مستواها القومي الشامل و هي بتوجهها للأقلية كسوق رابحة تستهلك الرفاهية و الترفيه تصنع لدى الأغلبية العاجزة عن مجاراة الحُمّى المادية -المتمثلة في الثياب الفاخرة و المباني الفخمة و السيارات الفاخرة و الأرصدة الخيالية و الملاهي الجهنمية- حالة من التذبذب الأخلاقي الناتج عن عدم استيعاب الفجوة الطبقية الحاصلة في المواطنة و في الإنسانية خاصة حين يلتقي النقيضان في نفس مقاعد الدراسة أو حين يضطر الفقير إلى تقديم طلب شغل فيحصل عليه من لا يحتاجه فيما يرتد الفقير إلى وضع أسوأ من النقمة و الانتقام و قد يحصل على العمل ثم يُنقل من النشاط إلى الاحتياط مما يلهب الصراعات الطبقية و يتحول العنف الاجتماعي إلى رد فعل طبيعي على الظلم.
إن عالمية الرأسمالية تعني بالضرورة عالمية الجوع أي ازدياد نسب الجوع في العالم كله و في الوقت الذي تستهلك فيه الأقلية أكثر المنتجات رهافة و فخامة و دقة نجد الأغلبية تموت من الجوع و الأوبئة و تقدم بَناتِها سلعة لهذا الأخطبوط الرأسمالي لأنه يفضل قوة عمل مؤنثة تنفع كواجهة، لا تتمتع بالكفاءة اللازمة و يمكن أن تسرق لبّها حقيبة يد أنيقة أو زجاجة عطر فاخرة أو عشاء حالم في مطعم.
إن هؤلاء الرأسماليين أنفسهم هم الذين يفسدون حتى المناخ بالتلوث و السباق المحموم نحو الإثراء بلا أخلاق و لا تستطيع الأغلبية النامية في العالم إلا أن تكون حطب أحلامهم.
إن كل ملا يقال في المواطنة و الوطنية و الإنسانية لا يعدو أن يكون شعارات يتشدق بها السياسيون و تصدقها الأغلبية إما طمعا في الحلم أو لأنه لا حل لديها لقلب علاقات الإنتاج لصالحها فلا نخب وطنية قيادية تخدمها و لا دور الجمعيات الإنسانية كاف أو مقبول للتدخل في الشؤون الوطنية و لهذا التغيير لا يكون إلا شعبيا، عن طريق شعب مثقف يعرف حقوقه و واجباته لأنه لا يكفي أن يكون الحق في صفك بل يجب أن تملك القدرة للدفاع عنه كما أن العمل السياسي يكشف أن الاشتراكية و الرأسمالية أيقونات نظرية لا بد أن تجد التجارب العربية في ربيعها الثوري بدائل حقيقية لها تنبع من واقعها الخالص و من طموحاتها المخصوصة في علاقات إنتاج غير خاضعة لتبعية ثقافية و اقتصادية بعينها.