آخر الأخبار

مونوكي ,عاصمة لدولة أفريقية جديدة

"مونوكي"، منطقة تقع على أطراف مدينة جوبا التي ستصبح قريبا عاصمة لدولة وليدة جديدة هي جمهورية جنوب السودان ليزداد عدد الدول الإفريقية المستقلة مع ظهورها إلى 54.
وينحدر أغلب سكان مونوكي من قبيلة "باري" التي تعتبر القبيلة الرئيسية في مدينة جوباومظهر الشوارع في مونوكي شبيه بمظاهر غيرها في جوبا والمدن الأخرى في جنوب السودان، إذ تكتظ مبان بالية ذات طابق واحد شيدت على شكل فوضوي غير مرتب على جوانب طرق برية وعرة.

يمكن القول إن "خيرات الحضارة الحديثة" ليست في متناول أهالي مونوكي حيث لا توجد طرقات معبدة وشبكات للكهرباء والغاز ومرافق للمياه ومجاري الصرف الصحي. ويطهي الناس طعامهم هناك على المواقد باستخدام الحطب. ويعيش المونوكيون عيشة شبه قروية، إذ يذهبون إلى الفراش مع حلول الظلام ويستيقظون باكرا جدا.

وبعد انتهاء العمل يستمع سكان المنطقة أحيانا إلى برامج إذاعية بواسطة أجهزة صغيرة تعمل على البطاريات بينما تعتبر مشاهدة التلفزيون بالنسبة لهم من نسج أحلام لم تتحقق بعد.

يذكر أن التيار الكهربائي لا يأتي بانتظام إلا إلى الأحياء الواقعة في وسط مدينة جوبا حيث توجد مبان حكومية وفنادق ومستشفيات. أما معظم الأحياء السكنية في العاصمة المقبلة لجنوب السودان، فإن الكهرباء في متناول من يكسب كثيرا من المال فقط، لأن لترا واحدا من البنزين لتشغيل المولد المتنقل للتيار الكهربائي ثمنه 20 دولارا!

وفي أثناء زيارتي إلى مونوكي تحدثت الى عدد من سكانها حول الأسباب الكامنة وراء عدم تمكن أهالي شمال السودان وجنوبه من الاستمرار في التعايش في إطار دولة واحدة وعما ينتظرهم هم الجنوبيين في التاسع من تموز (يوليو) يوم إعلان الاستقلال وبعده. ولاحظت من خلال أحاديثي معهم أنهم متحمسون جدا وينتظرون بفارغ الصبر إعلان الاستقلال.

قالت لي السيدة بثينة، وهي ترعى عائلة كبيرة بعد وفاة زوجها، إن الحياة صعبة جدا بالنسبة للناس البسطاء في جنوب السودان، خاصة وهناك ارتفاع متواصل في أسعار المواد الاستهلاكية وعدم وجود أبسط الخدمات، ولكنها وأفراد عائلتها وأقاربها مع الانفصال والعيش حياة مستقلة لأن الشيء الأهم بالنسبة لهم أن يكونوا أحرارا وذوي حقوق متساوية في دولة جنوب السودان المستقلة.

وشاطرتها رأيها لوسي، وهي صحفية من إذاعة جنوب السودان كانت قد عملت لفترة طويلة مذيعة ومديرة برامج في هيئة الإذاعة في الخرطوم قبل أن تقرر العودة إلى وطنها في الجنوب مؤخرا.

وقالت إن الخلافات الدينية لم تكن سببا رئيسيا لتصويت الجنوبيين بشبه الإجماع لصالح الاستقلال في استفتاء عام جرى في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، بقدر ما كان السبب الحقيقي عائدا إلى سياسة السلطات المركزية تجاه المواطنين الجنوبيين.

وأضافت أنه لو كان موقف السلطات السودانية عادلا ومنصفا تجاه جميع السودانيين بدون استثناء وكانت هذه السلطات وفية بوعودها تجاه تنفيذ برامج طموحة لتنمية جنوب السودان لما عقد سكانه العزم على الانفصال الذي سيحصل في نهاية المطاف.

وتابعت قائلة: "لا يشعر الجنوبيون عموما وحتى أولائك الذين كانوا يدرسون أو يعملون في الشمال ويقضون وقتا طويلا هناك وأقاموا علاقة قربى مع أهالي الشمال بأي أسف من أن الحدود الدولية الرسمية ستمتد قريبا بين شطري البلد الواحد سابقا. ومع ذلك نتمنى أن تبقى العلاقات الإنسانية الودية وحتى العائلية طيبة في المستقبل بين الشماليين والجنوبيين".

وتنظر لوسي وغيرها من المواطنين الجنوبيين الذين قابلتهم في جوبا بنظرة متفائلة إلى مستقبل جمهوريتهم الفتية بعد إعلان استقلالها، وهم يراهنون على أن هذه الدولة الجديدة الغنية بالثروات التي تفوق مساحتها مساحة فرنسا ستدبر أمرها، نظرا لقلة عدد سكانها النسبي ويتطلع الكثيرون منهم إلى الانفصال بآمال كبيرة لسبب آخر أيضا هو عزمهم على مساءلة السلطات المحلية في عدد من النقاط. فبعد إعلان الاستقلال ينوي هؤلاء الاستفسار حول أسباب استمرار حالة البؤس الدائمة التي يعيشها سكان جنوب السكان رغم حصول ميزانية المنطقة على إيرادات ضخمة من مبيعات النفط ومساعدات دولية مالية سخية.

وتقول السيدة ماري، وهي موظفة في إحدى الوزارات التابعة لحكومة جنوب السودان، إن سمعة الرئيس سلفا كير، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، قد تدهورت في الآونة الأخيرة بسبب عدم تحسن ظروف السكان المعيشية واشتداد الأساليب الدكتاتورية في أداء السلطة. وأوضحت أن المرء يجد صعوبة بالغة عند البحث عن وظيفة في الدولة أو فرصة لإطلاق مشروع تجاري في حال عدم انتمائه إلى قبيلة الدناقة الحاكمة.

وأوضحت أن العلاقات بين القبائل تعتبر من أكثر مشاكل جنوب السودان حدة في الوقت الراهن، وهي ترى أن منح كل القبائل بدون استثناء إمكانيات متساوية في المشاركة في إدارة دفة الحكم والحياة الاقتصادية تعد الطريق السليم لتخليص الجمهورية الفتية من خطر التعرض لموجة الثورات العربية.
(أنباء موسكو)