آخر الأخبار

(( الإنسان والعقل ))

-

- - - - - - - - - - - - - - - - - -
المقدمة:
أربع كلمات لا بد من وعيها, وهي عنوان هذه الحلقة:
1- الإنسان -2- العقل -3- الأرض -4- العالم المتغير والإرهاب.
الإنسان: ويا لها من كلمة عظيمة، كل ما نراه ونملكه بين أيدينا من أدوات ونستخدم في عملية الإنتاج وفي تأمين الراحة لنا هي من إبداع عقل الإنسان وصنع عضلاته. لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم من وجهة نظر الفلسفة الروحية. ولتطور المادة لنفسها بفعل تفاعلاتها الكيماوية ليصل شكل الإنسان إلى ما عليه نحن اليوم من وجهة نظر الفلسفة المادية. فسواء أكانت الحقيقة في وجهة نظر الفلسفة الروحية أو المادية في خلق الإنسان، المهم نحن الآن نحمل صفة الإنسان، ونحن البشر سادة الأرض ولهذا الكوكب الجميل الرائع، ونحن البشر نعد أنفسنا من صنف الكائنات الحية الراقية. يعيش على سطح كوكب الأرض كائنان حيّان: هما الإنسان والحيوان وهما مشتركان فيزيولوجياً ولكنهما يفترقان عقلياً. والحيوان أيضاً له عقل ولكن عقل الحيوان لا يملك آلية الوعي. وعقل الإنسان يملك آلية الوعي. إذاً الإنسان يختلف عن الحيوان بعقله الواعي ، كونه يتصرف مع الواقع الاجتماعي المادي والطبيعي وفق قيم أخلاقية ومثل عليا. والحيوان كونه لا يملك عقلاً واعياً، وبالتالي لا وجود لتصرفه مع الواقع الاجتماعي المادي والطبيعي وفق قيم. فهو يتصرف مع الواقع وفق غرائزه.
هناك إشكالية تاريخية في موضوع القيم والمثل العليا بين التيارين الفلسفيين الروحي والمادي. هذه الإشكالية عندما تتحول إلى المجال السياسي تخلق صراعاً دموياً كان ولا يزال. فلكلٍ من أصحاب الفلسفتين وجهة نظرها في موضوع القيم والمثل العليا التي يجب أن تسود في المجتمع والسياسة والثقافة التي يتغذى بها الناس. وكل تيار يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة، ويعتقد في تحقيق قيمها ومثلها العليا فيها خيراً لبني البشر في هذه الدنيا. فالتيار الروحي يعتبر أن هذه القيم والمثل العليا أنزلت ولمرة واحدة وإلى الأبد للبشر بواسطة الأنبياء في كتب أربعة وهي الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن وهنا التيار الروحي يلغي الشرط التاريخي والعلمي والتطور التاريخي. فسواء أعشنا في عهد حليب الناقة وخبز الجلة والركب على الحمار والفيل أم عشنا في عهد الذرة والإلكترون والخلوي فالقيم والمثل العليا لا تتغير.
أما التيار الفلسفي المادي العلمي يعتبر الشرط التاريخي شرط أساسي في إعطاء القيمة لهذه القيم والمثل العليا سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو أخلاقية أو حقوقية أو عقائدية الخ... كل شيء قابل للتطور والتغيير ليس هناك شيء مقدس لا مادي ولا روحي. ومن هنا بدأت الإشكالية والصراع الدموي الذي نراه ونلمسه اليوم على الساحة العالمية والذي نتجت عنها ظاهرة الإرهاب. هذه الظاهرة الخطيرة التي بدأت تحصد أرواح بني البشر الأبرياء. والتي أساسها خلاف أيديولوجي واختلاف فلسفي لم تحسم في الشرق وفق منهج الحوار الحر فتحولت إلى صراع دموي. عند التحول إلى السياسة. ومع اختفاء الحوار الحر في مجتمعات الشرق الأوسط بعقول حرة ونتيجة للكبت السياسي والعقائدي الذي يتعرض له العقل في الشرق والذي يعيش بين نارين نار جهنم في الآخرة ونار المخابرات في هذه الدنيا. وحرمان العقل من تقرير مصيره وباختيار حر عن قناعة. كان هذا الانفجار الذي نلمسه ونلمس نتائجه الخطيرة على الناس الأبرياء، بدأت تتوسع لتشمل كل المجتمعات في الشرق والغرب. إن اختفاء الحوار الحر للعقل الحر خلق عزلة بين بني البشر في مجتمعات الشرق هذه العزلة جعلت كل إنسان يتمسك برأيه على أنه الحقيقة المطلقة. وكل مخالف لرأيه على أنه كافر من وجهة نظر الروحاني وخائناً وعميلاً للإمبريالية والصهيونية من وجهة نظر القومي العشائري ومستغلاً برجوازياً من وجهة نظر الماركسي. إن هذه الحرب المعلنة للتصنيف والتشهير بالآخر. وزع الإنسان في الشرق بين كافر وخائن وبرجوازي مستغل ولم يبق إنسان شريف في هذه الأوطان يحب وطنه ويحب شعبه. وهذا الوضع قد جعل قبول الآخر المختلف معه سواء أكان دينياً أو قومياً أو طبقياً أو ليبرالياً أمراً مستحيلاً. ولدى انتقال هذه الأيديولوجيات إلى طرح نفسها كمشروع سياسي للمطالبة بالسلطة لم يكن أمام تلك الأيديولوجيات سوى العنف سواء أكان في مرحلة الصراع من أجل الحصول على السلطة أم في مرحلة الاحتفاظ بالسلطة. وفي كلتا الحالتين إن مبدأ تصفية الآخر بالعنف هو المنهج الوحيد الملائم أمام تلك الأيديولوجيات. ولهذا تحظى منطقة الشرق الأوسط بأقوى الأجهزة الأمنية في العالم. والإنسان في الشرق الأوسط يحترق بنارين منذ قرن كامل نار عقائدية وهي نار جهنم التي يبشر بها الناس وتخويفهم بها كل يوم خمس مرات. ونار مادية وهي نار المخابرات فوق رؤوسهم مع كل لحظة تمر في حياتهم. إن هاتين النارين جردتا الإنسان من كل قيمه الإنسانية ومثله العليا المبنية على قناعة العقل الإنساني وحرية الاختيار. وتحول الإنسان في الشرق الأوسط إلى حيوان غرائزي واستفاقت فيه كل الغرائز الحيوانية الوحشية والتي بدأنا نسمع أفعالها ونتائجها على شاشات التلفزة ساعة بساعة.
إن من يقرأ الآيات الكريمة الواردة في القرآن الكريم وما يدعو إليها من قيم ومثل عليا وما يجري في الواقع العملي من الممارسات باسم الإسلام وبعد مرور ألف وأربعمائة عام منذ ظهور الإسلام في الشرق الأوسط . وألفي عام من ظهور المسيحية وكل المبادئ والقيم والمثل العليا في الأديان السماوية تدعو إلى المحبة والاحترام المتبادل والحفاظ على الحياة واحترام حقوق الآخر وهذا ما يتمسك به عامة الشعب. ولكن المشكلة تبدأ عندما تتحول هذه القيم والمثل العليا إلى السياسة فالسياسة تفسد كل هذه القيم والمثل العليا ويبدأ بخار المال في إفساد كل العقول ويتم نسيان كل هذه القيم والمثل العليا وحالما يستولي أصحاب إحدى الأيديولوجيات الدينية أو القومية أو الاشتراكية هذه الإيديولوجيات المطلقة التي تنكر الآخر يبدأ بخار المال بتخدير عقول أصحابها وينسون كل القيم والمثل العليا التي كانوا ينادون بها أثناء فترة المعارضة ولا يتبقى سوى بخار المال يخدر عقولهم. فأمام شهوة المال وامتلاك القصور والمزارع والسيارات الفاخرة والنساء الجميلات تنتهي سلطة القيم والمثل العليا لتبدأ سلطة بخار المال. فيظهر أصحاب هذه الأيديولوجيات بتسميات مختلفة فالتيار الديني يسمي نفسه بأمير المؤمنين والتيار الأيديولوجي القومي يسمي نفسه بالأب القائد والتيار الأيديولوجي الاشتراكي يسمي نفسه بأبو الفقراء. فتقوم سلطتهم بآليتين:
1- المثقفون الانتهازيون لإقناع الناس بسلطة الأمير أو الأب القائد أو أب الفقراء.
2- بواسطة أجهزة أمنية مخابراتية بكافة فروعها وأفرادها وكيانها.
إن مهمة المثقفين الانتهازيين هي تخدير عقول الناس ليجعلهم فاقدي الوعي ويجعلهم يحلمون بتحقيق تلك القيم والمثل العليا التي يحتويها جوهر الدين والقومية والاشتراكية. ويقبلون بالسلطة السياسية عليهم. ولكن في الحقيقة إن تلك القيم والمثل العليا التي يقرأها الناس في الكتب الدينية والقومية والاشتراكية لا تصمد أمام بخار المال. إن غريزة الملكية في الإنسان تحتل المرتبة الثانية بعد غريزة الحياة ولا يمكن ضبط هذه الغريزة إلا بواسطة نظام سياسي ديمقراطي. إن كل الممارسات التاريخية السياسية لهذه الأيديولوجيات الثلاث الدينية والقومية والاشتراكية لم تمارس على أساس تحقيق تلك القيم والمثل الأيديولوجية على الإطلاق. لم يكن هناك سوى بخار المال الذي يصيب عقول أصحاب السلطة وبهذا المال يعيشون ليالي الملاح وفي قصورهم آلاف من الخدم والحشم يخدمهم وآلاف من المخابرات تحميهم وآلاف من النساء الجميلات بين يديهم. أما ما كان ينشره المثقفون الانتهازيون المشتركون مع أصحاب السلطة في جريمة اغتصاب المال العام سواء أكانوا متدينين مشايخ وملالي وأئمة أو علمانيين قوميين واشتراكيين فلم تكن سوى نفاق في نفاق. إن الصراع الحقيقي الذي كان يجري وراء جعجعة هذا الكلام هو الصراع على نهب المال العام باسم الدين أو القومية أو الاشتراكية. أما مهمة المخابرات فتكمن في إجبار الناس على الطاعة بالعصا. فالذين لم يتمكن المثقفون الانتهازيون من تخدير عقولهم ويتمردون يأتي دور المخابرات بتسليط نارهم على من لم يطع. وبين نار المثقفين (الثقافي والعقائدي) ونار المخابرات المادي عاش جسد وعقل الإنسان محطماً ومخدراً فقد إنسانيته وكرامته وسلبت حريته وتحول إلى إنسان إرهابي. وسيستمر بخار المال ليسيطر على عقول رجال السلطة سواء أكانوا متدينين أم علمانيين ولا مكان لحكم القيم والمثل العليا في الكتب الدينية أو الدنيوية بين الناس.
لقد تحول إنساننا إلى حيوان غرائزي ولم يعد في مجتمعاتنا أثراً للقيم والمثل الإنسانية النبيلة التي نادت بها الكتب السماوية وجوهر القومية والاشتراكية ولم يسيطر على عقول الناس سوى بخار المال. ترى ما الذي جعل الإنسان أن ينزل إلى درجة الحيوان وأن يتجرد من كافة قيمه الإنسانية ليرتكب هذه الأعمال الوحشية التي نراها ونسمعها على شاشات التلفزة من قتل للأبرياء باسم المقاومة؟ هذا ما سنبينه في رأينا لطريق الحل ومشروع الحل.
لقد كتبنا عن الإنسان والعقل والآن نريد أن نبين أهمية الأرض بالنسبة للإنسان.
إن أهمية الأرض تأتي من أهمية حياة الإنسان، فالإنسان كائن حي ولكي يستمر في الحياة لا بد من أن يأكل ويلبس ويسكن ويقتني حاجيات. كل هذه المتطلبات الحيوية بالنسبة للإنسان الحي لا تهبط من السماء بل يجب إنتاجها من الأرض.
إن عملية الإنتاج تحتاج إلى عنصرين هامين هما:
1- العقل الغني. -2- والأرض الغنية.
العقل الغني يعني الغني بالعلم. والأرض الغنية تعني الغنية بالثروة. إن العقل الغني بالعلم يأتي بالدرجة الأولى لأنه مهما تكن الأرض غنية بثرواتها إذا لم يكن هناك عقل غني بالعلم ستبقى كل ثروات الأرض مدفونة وستكون هذه الثروات بدون فائدة للإنسان. وسيعيش الإنسان على هذه الأرض بما تجود عليه الطبيعة. ولكن المشكلة لا تنتهي بامتلاك العقل الغني بالعلم والأرض الغنية بالثروات وكلا العاملين نملكهما نحن في الشرق الأوسط. والمشكلة تكمن في خلق مناخ خاص كي يستطيع هذا العقل الغني بالعلم لأن ينتقل إلى مرحلة الإبداع. هذا المناخ هو الذي نفتقده في الوطن العربي نحن البشر الذين نسكن هنا . نتيجة لوقوع العقل المبدع الغني بالعلم بين نارين: نار العقيدة - نار جهنم، ونار المخابرات المسلطة على عقول الناس من الأيديولوجية الدينية والقومية والاشتراكية. فتوقف العقل الإبداعي عن الإنتاج. والذي بقي منه حياً هرب من الشرق الأوسط بحثاً عن مكان آمن لينجو بحياته. لقد ذهبوا ولن يعودوا ما دام هناك النارين مشتعلتين لقد خسر نتيجة هذه النارين إنساننا الحياة في الدنيا والآخرة. فلا هو عاش في هذه الدنيا عزيزاً وكريماً ومرفهاً ولا نعرف من يغادر إلى الدار الآخرة ماذا سيكون نصيبه هناك أنار جهنم أم برد وسلام الجنة والفوز بالحوريات؟. فمنذ مئات آلاف السنين منذ أن ظهر الإنسان على سطح هذا الكوكب لم يعد أحد من الذين غادروا إلى الدار الآخرة ليخبرنا بالخبر اليقين عن مكانهم في جهنم أم في الجنة. ولحين حدوث المعجزة وعودة أحدهم لا نملك سوى رفع أيدينا إلى السماء وندعو الله سبحانه فهو صاحب الحساب في دار الآخرة لأن يكون نصيبنا في الجنة لأننا في هذه الدنيا وأطفالنا قد ذقنا من نار جهنم ومن نار مشايخنا وملالينا وأئمتنا ونار المخابرات القومية والاشتراكية!