من المعروف أن العلويين هم من اشد البشر قدرة على تحمل مشاق الحياة: هذا معروف و موثق لدى الكتاب و المؤرخين،فتاريخهم هو سجل لصراع مرير ضد قسوة الطبيعة والحكّام,على الأقل منذ أن قام الرحالة ابن بطوطة بزيارة بلدانهم و اطلع على قسوة عيشهم و شهد بحقهم شهادة صدق -و ابن بطوطة لم يدرك المعنى العميق لشهادته، لكن العقلاء يدركون...
لكن هذا كوم، و أن يأتينا خونجي فيكتب على هذا الرابط:
اقتباس:
وارجو منك ان تزودني باسماء واوصاف المتضررين من العلويين من هذا النظام (...) لانني لم اسمع من غيرك ان هناك علويين متضررين يا حرام
فعندها لا نستطيع إلا أن نستأنس بقول أحمد:
"ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن * يسيء لي فيه نغل و هو محمود!"
و لكننا لن نكتفي بذلك، بل سنشرح لهذا الخونجي ما كان جاهلا و نأتيه بالأخبار مما لم يزود، كما يقول الغلام القتيل!
ذلك أن أشد ما يستثير سخرية العلوي، و هو الواقع بين نارين، نار النظام المستبد و نار الشعب الجاهل، هو أن يرى هذا الشعب يتهجم عليه لأنه علوي، و مجددا يستشهد العلوي بقول أحمد:
"ماذا لقيت من الدنيا و أعجبه * أني بما أنا شاك منه محسود!"
فهذا المقال هو مقدمة، تتبعه مقالات أخرى، إن تفضل الزملاء المشرفون على هذا الموقع و نشروه...
أول ما سنقدمه لهذا الخونجي، و هو عتل بعد ذلك زنيم، هي شهادة مواطن سوري "نشأ في بيئة إسلامية متدينة" -كما يكتب عن منطقة واحدة فقط وهي (بسنادا)، و نجدها على هذا الرابط.
اقتباس:
بسنادا: كلكة لتقطير السجناء السياسيين
لأنني نشأت في بيئة إسلامية متدينة لم أعرف المشروبات الروحية لحد دخولي الجامعة. أثناء الدراسة الجامعية تعرفت على أجواء اليساريين والماركسيين كما تعرفت على المشروبات وبدأت أتذوقها وأصبح لدي مجموعة من الأصدقاء من مناطق مشهورة بالعرق مثل محردة والوادي وأصبحت ألبي دعوة الأصدقاء للشرب بكل غبطة لأنني لا أستطيع الشرب في البيت احتراماً لمشاعر والدي الحاج المسن.
منذ أشهر بدأ لعابي يسيل عند قراءتي عن الكلكة وعرق التين الذي لم أجربه بعد ضمن كتابات الكاتب جهاد نصرة فقلت في نفسي إن سمحت لي الظروف سأذهب لأري الكلكة وكيف يقطر بها المشروب الرائع وساتذوق عرق التين للمرة الأولى.
عرفت أن المنطقة تسمى بسنادا بالقرب من اللاذقية فبدأت بالبحث والتقصي عمن يوصلني إلى بسنادا، وأخيراً وجدت من يعرف المنطقة جيداً وله أصدقاء في بسنادا. ولكنه خيب أملي فكلما طلبت منه اصطحابي إلى بسنادا ماطل، فقررت أن أذهب من رأسي بدون حاجته.
وصلت إلى بسنادا وانطباعي الأول أنها منطقة فقيرة جداً. ببعض الحرج بدأت أسأل كل من صادفته عن مكان الكلكة والجواب الذي ردده كل شخص: ((لا أعرف)) ولهذا سألت كل من صادفته بعد ذلك عن مكان الكاتب الأستاذ جهاد نصرة وكان جواب الكل ((لا أعرف))، جده أبو وحيد والجواب((لا أعرف)) ثم بدأت بالشك أنني لست في المكان المقصود فسألت من التقيتهم بعدها: ((ألا يدعى هذا المكان بسنادا؟)) فكان الجواب ((نعم)). تلك التجربة خيبت أملي في سكان بسنادا.
رجعت من تلك المنطقة محبطاً ورويت ما حصل معي للأخ الذي يعرف أصدقاء في بسنادا فشعر بالخجل أنه لم يلبي طلبي مما تسبب في تلك التجربة دون الإهتداء إلى ما أريد. بعد أسبوع أخبرني ذلك الأخ أنه رتب مع صديق له في بسنادا وحدد موعد ليريني الكلكة.
في الموعد المحدد ذهبنا إلى اللاذقية وهناك انضم إلينا شخص ثالث عرفني عليه صاحبي أنه من بسنادا وعرفه علي أنني ((الصديق الذي حدثتك عنه يتحمس لرؤية الكلكة ولشرب عرق التين ولم يوفق في الزيارة الماضية)). ذهبنا ثلاثتنا إلى بسنادا وهناك ونحن نتمشى بدأ يعرفني عن قرب على المنطقة.
بدأ بالقول بصوت منخفض هذا البيت الذي تراه على يسارك هو بيت طبيب العظمية السجين السابق علم الدين الكردي، سجن لعلاقاته مع منظمات حقوق الإنسان، وإن مشينا بهذا الشارع حوالي مئة متر نصل إلى بيت المرحوم الشهيد محمد عبود الذي قتل تحت التعذيب في السجن متهماً بتوزيع منشو ر لرابطة العمل الشيوعي، مشينا حوالي مئة متر نحو اليمين فقال صاحبنا وهذا بيت الدكتور عارف دليلة أحد سجناء الرأي وأخته الدكتورة سلمى دليلة التي سجنت من قبل بتهمة التدخل بالسياسة، بعد حوالي ثلاثين متراً قال وهنا بيت الدكتور جمال رنجوس السجين السابق لمجرد الإشتباه بعلاقات مع اليساريين وكذلك أخيه السيد حسن رنجوس سجن لنفس السبب. ثم انعطفنا في مسيرنا نحو اليسار حوالي مئتي متر ونحن ندردش عن المنطقة فعلقت بقولي معاناة هنا أيضاً! ظننت أنه فقط في منطقتنا حيث يتهم الناس بالعلاقات مع الإخوان أما هنا التهمة حتماً ((يساري)) فابتسم صاحبنا قائلاً: ((لا تزعل صاحب محل السندويش الذي على يسارك اسمه حسن زيني أبو ماهر محروم من كافة الحقوق سجن وعذب بطريقة وحشية بتهمة تهريب أسلحة للأخوان المسلمين)).
وجدت ما سمعته غريباً. تابعنا مشينا وأنا ألتفت يمنة ويسرة فيتعزز لدي الانطباع الأول الذي خرجت به في زيارتي السابقة عن أن المنطقة فقيرة فبحت بما يجول في نفسي معتذراً أنني لم أقصد جرح مشاعر أحد بتفكيري هذا فابتسم دليلنا ومضيفنا وعلق ((لا داعي للاعتذار. إن دل فقرنا على شيء فإنه يدل على أن أيادينا نظيفة وهذا ثراءؤا الحقيقي الذي نعتز به)).
تابع صاحبنا شرحه معرفاً أننا لو مشينا نحو اليمين في هذا الشارع الفرعي الضيق المنحدر فسنصل إلى بيت السجين السياسي السابق المهندس على جبيلي ولو تابعنا قليلاً نحو اليسار فسنصل إلى بيت مخضرم السجون السياسية أحمد دريوس ولو تابعنا أكثر ومشينا حوالي عشر دقائق فسنصل إلى بيت الحزن الذي يضم السجين السابق المهندس حليم رومية وأخيه المهندس جهاد رومية.
لكننا تابعنا في الشارع الرئيسي منحدرين فأشار مضيفنا بطرف عينيه نحو اليمين قائلاً هذا بيت السجين السياسي السابق الأستاذ ابراهيم محمد غانم وخلف هذه الدكان المغلقة بيت الأستاذ جهاد نصرة وكما ترى لا يوجد كلكة ولا أبو وحيد ولاأم علي ولا عدسو ولا من يحزنون فالكلكة كانت في الأربعينات من القرن العشرين وأبو وحيد وعدسو وأمون ومن يكتب عنهم أبو نديم (أو أبومكسيم أي جهاد نصرة) هم في غير دنيانا، الحي الباقي الوحيد التي يكتب عنها جهاد نصرة هي شجرة السرو الكبيرة أمامنا.
تابعنا مشينا باتجاه تلك الشجرة وبجانبها عين ماء من أيام الرومان، تابع صاحبنا الحديث بهمس: وهذا البيت الذي على يمينك بيت السجين السابق علي ناعسة الذي سجن أكثر من مرة كرهينة لأقاربه المطلوبين، وهذا البيت المهجور هو بيت السجين الحالي الأستاذ أكثم نعيسة الناطق باسم لجان الدفاع عن حقوق الإنسان، ووراءه بيت السجين السابق علي نعيسة والسجين السابق الدكتور يوسف نعيسة، وخلفه بيت السجين الأشهر من أن يُعرّف الأستاذ عادل نعيسة الذي سجن لفترة قياسية لم يصلها أحد في بسنادا بعد وبيت السجين السابق الدكتور جهاد نعيسة فسألته عن التهمة قال 23 شباط والأخير تجمع ديمقراطي فقلت إذن نشاط المنطقة في القضايا السياسية والوطنية بدأ مع البعث! قاطعني مضيفنا قائلاً وراءك على اليمين قليلاً بيت شهيد فلسطين جميل علاء الدين وليس بعيداً من هنا بيت أحمد الخنسة شهيد فلسطين الآخر واهتمام بسنادا بالقضايا الوطنية والقومية قديم جداً. ثم تابع: خلف هذا البيت تجد بيت السجين السياسي السابق حسن نعيسة، والسجين السياسي السابق صلاح نعيسة الذي كان أحد أبرز القادة العسكريين في دخول الجيش إلى الأردن لحماية الفلسطينيين في أيلول عام 1970، فقلت كلهم طبيعي من 23 شباط فقال لي هذا ليس بالضرورة يا أستاذ فمثلاً ابنة الأخير المهندسة سوسن صلاح نعيسة سجنت بتهمة الانتماء إلى الحزب الشيوعي المكتب السياسي.
قلت لمضيفنا ما كنت أصدق لو قال لي أحد ما تذكره عن منطقتكم فأجاب: وأكثر من ذلك يا أستاذ والحقد على هذه المنطقة قديم قدم هذه السلطة. وتابعنا السير وتابع مضيفنا الشرح قائلاً إن مشينا نحو اليمين فسنصل إلى بيت السجين السابق الأستاذ نصر ديوب، ولكننا تابعنا صعوداً حيث يوجد درجات كثيرة، فابتسم دليلنا وأشار بعينيه نحو اليسار قائلاً وهذا بيت السجين السياسي السابق فاتح جاموس، تابعنا صعوداً وبعد قليل من انتهاء الدرج الإسمنتي قال: وهذا على اليمين بيت السجين السياسي السابق الدكتور محمد علي غانم وعلى اليسار بيت السجين السياسي السابق الأستاذ غسان غانم والأستاذ نزار غانم، والبيت الملاصق هو بيت السجين السياسي الذي خرج مريضاً من السجن السيد وجيه غانم الذي عذب بطريقة وحشية لا توصف، ثم مشينا قليلاً فتابع صاحبنا: وعلى اليمين المدخل إلى بيت السجين السياسي السابق رزق الله جاموس...
قبل أن يتابع كلامه قاطعته قائلاً: من بعد أذنك أنا جئت إلى بسنادا ظناً أن بها كلكة تقطير عرق وإذ بها كلكة تقطير سجناء، ولا أراك إلا تذكر أسماء المساجين! هل بهذه البساطة يحصل اعتقال الناس ألم يحاول هؤلاء الهرب أو التخفي. فقال كل اسم ذكرته له قصة مليئة بالأحزان والعذاب له ولمن حوله، كم منهم مات أهله وهو في السجن وهذا ليس كل شيئ فالقصص كثيرة جداً عن المعاناة هنا ولن أسبب لك الصداع بالكلام المفصل عن أخذ الناس وتفتيش بيوتهم ومصادرة مكتباتهم، وكيف كانت السلطة ترسل المخبرين من مناطق أخرى ليستأجروا بيوت هنا لمراقبة ما يجري فقلت في نفسي الآن أدرك لماذا كان جواب الناس لي هنا في زيارتي الأولى ((لا أعرف)) .
تابعنا السير وأنا أسمع الغرائب من القصص عما لحق بأهل المنطقة من أذى. وأخيراً أتينا إلى بيت مضيفنا ومشاعر مختلطة في ذهني عن كل شيء. قدم مضيفنا الغداء وكان هناك عرق لكن عرق إنتاج معمل السويداء وابتسم مكرراً أنه لا يوجد عرق تين هنا فقد أصابه اليباس منذ زمن بعيد وإلا كنا قدمنا لك عرق تين، لا أعرف إن كان من حقي الكلام عن الأستاذ جهاد نصره ولكن برأيي أن ما يكتبه يوضح مدى خيبته مثلنا جميعاً.
سألته إن كان بإمكاني التعرف على الأستاذ جهاد نصره فقال: أرجو ألا تفهمني خطأ ((لا أعرف)) الأستاذ جهاد عن قرب. أخيراً سألت مضيفنا: أريد ذكر أسماء سجناء هذه المنطقة دون أن أذكر اسمه أو اسم الشخص الذي اصطحبني إليه إن كان يمانع. فقال: لا أستطيع أن أقول لك نعم أو لا، القصص هذه معروفة والأسماء حقيقية ولم نخترعها أو نخترع حكاية سجنها وليست سراً.
فطلبت منه تدقيق الأسماء فقط وصحة توزع سكنها.
رئيف زهدي العجلاني
و ستكون لي عودة... بل عودات!