رمضان آت .. في القريب العاجل .. فالشاعر يقول :- عيد بأي حال عدت يا عيد ....... وأنا أقول :- رمضان بأي حال عدت يا رمضان .. بما مضي أم لأمر فيك تجديد !!!؟؟؟
فالجميع يحاول التركيز على كيفية الامتناع عن الأكل والشرب وأداء العبادات وقليلا ما يلتفت أحد إلى ما أراده الله في المسلم حين فرض عليه هذا الشهر .
شهر رمضان .. صيام .. قليل من العمل .. حالة من الكسل .. توتر أعصاب .. عراك ومشاجرات .. سوء سلوك .. بعد الإفطار .. كثير من الترفيه .. كثير من البذخ والإسراف .. كثير من الوقت الضائع ...
الناس تحب رمضان بحكم المناخ الرمضاني الذي يحيط المسلمين في هذا الشهر، لا اقصد مسألة الخيم الرمضانية ولا ماسورة المسلسلات والبرامج الساقطة التي تنكسر في وجهنا في هذا الشهر الكريم ولكن أقصد الإفطار والعزائم ، صلاة القيام ، السهر والاجتماعات الدينية ، تغيير نمط الحياة لكي يجتمع المسلمين على أحداث واحدة واهتمامات واحدة ، ما أجمل اجتماعهم ، ما أجمل أن يقوم الجميع بنفس الروح ليحثوا بعضهم على صلاة القيام والحرص على التجمع على للإفطار، والتذكير بقراءة القرآن وختمه.....
إن رمضان في داخلنا أيام ترتبط بطقوس لطيفة خاصة ، نحب رمضان لأنه له طقوس لطيفة ، ولكن رمضان ليس طقوسا لطيفة ، إن إجتماع المسلمين على العبادات شئ رائع لكن رمضان ليس هذا الغرض منه فقط .
الصيام من المفترض فيه أنه فترة يعيش فيها الإنسان كمسلم كما أراده الله بأقصى طاقة له لمدة شهر كامل حتى يستطيع بعد إنتهاء هذا الشهر أن يستمر ولو بطاقة أقل .
ولكنه لا يستمر إنه ينقطع تماما لماذا ؟؟؟؟
لأنه يحاول أن يكبت نفسه وغرائزه بالإكراه وعينه على اليوم الذي سينتهي فيه هذا الشهر سواء كان ذلك شئ يعلنه الإنسان لنفسه أو يأخذ أشكالا أكثر خُفية ، كأن يبذل الإنسان أقصى جهده في رمضان أو العشرة أيام الأخيرة ثم يأتي في العيد وينقلب على عقبيه مشعرا نفسه أنه اجتهد في رمضان وأن عليه الترفيه عن نفسه بعده حتى يأتي العام الذي يليه ، أي أن الإنسان عليه أن يكون مسلما ملتزما شهرا واحدا في السنة والباقي في أجازة .
هذا المفهوم لا يخلق الإعتياد ولكن يخلق الكبت ثم الإنفجار .. ما يخلق الإعتياد هو أن تبدأ الشهر وتبحث فيه عن حياة تحياها وتحب أن تحياها وتحاول أن تستمر فيها ما حييت ، تبحث في هذا الشهر عن ما يجعلك ترتقي إلى مرتبة عباد الرحمن ، عن ما تقود به العالم كما قاده من قبل بل ونشروا فيه العدل والرحمة ورسموا أجمل تاريخ إنساني من كانوا مجهولين لولا هذا الدين العظيم .
تقول لنفسك لسنا مثل الصحابة كيف لنا أن ندبر كل هذا في صعوبات هذه الحياة الضغوط الإجتماعية والاقتصادية التي نعيشها ؟
الصحابة لم يفعلوا ذلك بل حاولوا وصَدَقُوا في محاولاتهم فأعطاهم الله ما هو قادر أن يعطيه لغيرهم لو أخلصوا مثلهم ، أنت لا تفعل ولكنك تثبت جديتك لله سبحانه فيهديك لأن تفعل ، إنها ثوابت كل زمن وحكمة الله في الأرض : - أَسجِد قلبك لله وأسلم وجهك له يعطيك من فضله ما يعزك به ويغنيك به عن عباده ويقر به عينيك .
هذا المعنى لا يتأتى بالكسل صباحا والإغراق في الأكل والترفيه ليلا ، ولكن يتأتى بأن تفهم جيدا معنى الشهر وتأقلم نفسك على احتياجاته وأهدافه ولو بطاقة عبادة متواضعة تستطيع أن تستمر عليها بخشوع قلب .
اجعل من رمضان شهر يغير حياتك وليس شهر تفعل فيه كالغاطس في الماء يمسك أنفاسه تحتها للحظات منتظرا الخروج إلى الهواء ليتنفس ، ومهما فعل لن يستطيع أن يبقى تحت الماء ولو طال نفسه ، ولكن كن كمن هاجر إلى بلد فاضطر أن يأقلم نفسه على الحياة فيها ، يواجه صعوبات في البداية ثم ما يلبث أن يعتادها ويصبح منها حتى يصعب عليه أن يعود إلى
بلده .
تحتاج من رمضان تغيير في نظرتك لحياتك ويمكن تسهيل ذلك عليك بأن تجيب بينك وبين نفسك عن بعض الأسئلة الهامة ومنها :- علاقاتك الشخصية مع أهلك وأصدقائك وأقاربك وزملائك في العمل اسأل نفسك هل ما بينك وبينهم يرضي الله إذا تخيلت أنه معك أثناء وجودك معهم لحظة بلحظة ، هل حواراتك مع الناس ترضيه سبحانه ، هل لأحد حق عندك تساهلت فيه ؟ هل عملك الذي تتقاضى عنه أجرا أحسنت فيه كما يريد الله أم تقول "على أد فلوسهم"؟ هل كل ما تراه عينيك حلال؟ هل تستطيع أن تقول لنفسك أنك من "الذين يعملون الصالحات"، تلك الأعمال التي يلحقها الله في كتابه الكريم بقوله :- "الذين آمنوا" كشرط لإيمانهم ؟ ما المقدار الشهري التقريبي لما تنفقه في سبيل الله من ما رزقك الله به ؟ هل أنت راض عن حياتك التي رزقك الله بها ؟ إن كنت غير راضٍ فمعنى ذلك أنك تتهم الله (وحاشاه) بالتقصير معك فهل أنت مقتنع بهذا من داخلك؟ وإن كنت تستحي أن تجيب عن هذا السؤال فهل يمكن أن تعيد النظر إلى حالك وتقول لنفسك كم عدد من لا يملك ما تملك في الصحة والعلم والظروف الاجتماعية والمادية ومجال العمل وقدرات العقلية والجسمانية ؟ ماذا فعلت لتستغل ما تملك ؟ أم أنك شغلت نفسك بافتقادك ما لا تملك ؟ هل تستطيع أن تعيد بناء شكل حياتك على أساس استغلال ما تملك ؟ هل يمكنك الآن الشعور بنعمة الله عليك وترضى ؟
إذا استطعت أن تتعامل مع هذه الأسئلة بشكل سوي يرضي الله فأنت على الطريق الصحيح ....
وإلى نقطة أخرى :-
هدف رمضان لا يتأتى مثلا بـالسباق النووي لختم القرآن ...
بل يتأتى بأن تحاول أن تفهم ماذا تعني الآيات وأن تتفاعل معها ، لأن الله يحدثك بها ومن سوء الأدب مع الله أن يحدثك بآيات لا تعبأ أن تفهم معناها ، إن كان لك أجر وأنت تقرأ دون فهم فهذا ليس تشجيعا لك على الإكتفاء بالقراءة الصماء ولكن تشجيعا لك على أن لا تحبط وأنت تحاول أن تسير على نهجه ، وكيف تسير على نهج ما لا تفهمه ، ولا تقل صعبا ، لأن فهمك للقرآن أسهل عليك من أن تتعلم لغة أجنبية ، فلماذا يسهل عليك إذا سمعت كلمة أجنبية ، ربما غير موجهة لك ، تحرص على أن تبحث عن معناها ، وحين يحدثك القرآن العربي تقول صعبا .
القرآن هو منهج حياتك الذي تستطيع أن تعرف من خلاله جميع حلول العقبات التي ستتواجد حتما في مشوارك للتغيير فاسعى لفهم ما لا تفهمه عند قراءتك .
عزائم رمضان
كنت انتقد هذه العزائم على أساس أنها نوع من إهدار الوقت والإسراف في الموارد ، فقال لي صديقي أنني مخطئ في ذلك لأن هذه العزائم صلة رحم وإفطار صائمين وهذا فيه ثواب كبير، فهل حقا هذا ما يحدث فعليا في هذه العزائم ، صلة رحم وافطار صائمين ، أم أنه امتداد لفكرة أن رمضان طاقات معطلة ووقت وموارد مهدرة . أنا لا أتكلم عن الإمتناع عن العزائم ولكن اعادة النظر في كيفية تطبيقها ، فبنظرة واقعية على ما يحدث على أرض الواقع تجد الآتي :-
في عزائم إفطار رمضان ما هو كم الأكل الذي يتم رميه أو يترك ليفسد؟ فبحكم أن ذلك العزائم لصائمين ترى الأسرة المضيفة أن الأكل يجب أن يكون كثير وفائض وذو أصناف متنوعة لأنه إن لم يكن كذلك سيقال "إنهم بخلاء" أو "لا يحسنوا الضيافة" أو "مستواهم الاجتماعي أقل"، وهنا فضلنا رمي الأكل على أن يقال كذا، وطبعا يجب رد هذه العزائم وطبعا يجب الرد بنفس المستوى أو أفضل حتى تظهر المقامات، وهنا أين نعم الله من هذه السباقات وأين الهدف السامي الذي ذكر في أول هذا المقطع .
هل مستوى الحوارات يرتقي للفائدة العامة الأمر بأي معروف (ليس ديني فقط) أو النهي عن أي منكر؟
ثم نأتي لمسألة الوقت ، والعزائم التي تبدأ من الإفطار إلى ما بعد منتصف الليل أحيانا ، فإذا كان هذا هو الحال معظم أيام رمضان فأين حسن استغلال الوقت الذي هو ركيزة أساسية من عقيدة الإنسان المسلم .