الانتقال إلى الجزيرة
تواصل المذيعة اللبنانية السابقة في قناة الجزيرة لينا زهر الدين سرد تجربتها في كتابها "الجزيرة ليست نهاية المشوار"، وتقول أنه ومنذ دخلت القناة القطرية انهمكت في اختبارات وتمارين "صعبة"، وتم اختيارها سريعاً لتقديم النشرات، وأدرجت على جدول المذيعات مذيعة أخبار رئيسة، مما أزعج بعض المذيعات القدامى.
وتضيف أنها اخترقت بذلك تقليداً متبعاً في أن الظهور لأي مذيع جديد يكون في النشرات الليلية أو النهارية الموجزة، إلى حين تمكنه من أدواته، ومن ثم يتدرج وصولاً إلى النشرات الرئيسية، مثل "حصاد اليوم"، والتي عمن يقدمها "كأنه ملك الكون"، حيث ينظر لها على أنها الأهم من قبل الإدارة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى نشرتي "الجزيرة منتصف اليوم" و"الجزيرة هذا الصباح". وتنتقد لينا ما يحدث الآن من أن نشرات الأخبار باتت تقدم من قبل أي "قارئ" بغض النظر عن أدائه.
وتمضي زهر الدين تقول إن المذيعين في فترة رئيس التحرير السابق إبراهيم هلال كانوا يناقشون محاور الأسئلة المُعدة مسبقاً للضيوف قبل نصف ساعة من موعد النشرة، يليها اجتماع للوقوف على الأخطاء. إلا أن هلال كان لها بالمرصاد ويوجه لها انتقادات وملاحظات ليظهر للآخرين أن من فتح لها الأبواب ليست بمنأى عن نقده، كما أن نائبه لم يفوت فرصة للتشويش على عملها.
ولما تكررت الانتقادات بشكل لا يحتمل تقدمت باستقالتها ولم يكن قد مضى على وجودها في الجزيرة خمسة أشهر. وتشير إلى أن تقدمها بالاستقالة وقتها كان وسيلة ضغط ليس أكثر، إلا أن هيفاء شوكت، سكرتيرة المدير العام الأسبق للقناة محمد جاسم العلي، طلبت منها سحب الاستقالة، لأنه معجب بأدائها، وبالفعل تراجعت عنها.
وصول وضاح خنفر
خلال فترة حرب العراق في 2003 كان خنفر "المراسل المغمور" في ذلك الوقت، قد انتدب لتغطيتها في الجزء الشمالي من العراق، بعد أن أحضر من جنوب إفريقيا "حيث كان مراسلاً هامشياً يقتات على خبر من هنا ومعلومة من هناك"، وقد رأت الإدارة أنه أثبت جدارته في نقل تفاصيل الحرب فعينته مديراً لمكاتبها في بغداد، فكان أن قام ببعض التعديلات في صفوف الموظفين رغم أن مكتب الجزيرة في العراق كان مدعاة إعجاب من إدارة القناة.
في تلك الأثناء سرت أنباء داخل القناة أن مدير القناة محمد جاسم العلي الأسمر "أخطأ في مكان ما" وأن "تطييره" من منصبه بات أمراً ملحاً. وتم الاستغناء عنه وعُين في مكانه المذيع عدنان الشريف. لم يمكث أكثر من سبعة أشهر، ارتكب خلالها العديد من الأخطاء فتمت تنحيته.
وتقول زهر الدين إن أحد الزملاء، وهو مدير سابق لأحد مكاتب الجزيرة في الخارج، لم تذكر اسمه، تولى مهمة إقناع المسؤولين أن خنفر يصلح لهذه المهمة. وتضيف: "كانت صدمة للجميع، كيف أن مراسلاً ليس لديه الخبرة الكافية، ولم يمضِ على وجوده في الجزيرة أكثر من عام يقفز من أولى درجات السلم إلى أعلاها على الإطلاق مرة واحدة؟".
وتوضح أن البعض اعتبر الأمر مجرد "دعابة". وتتساءل لينا في كتابها: "كيف يُؤتى بوضاح خنفر مديراً لقناة بحجم الجزيرة، وهو لا يتمتع بأي مهارة إدارية تحريرية؟ وكل ما في الأمر أنه كان مراسلاً ميدانياً جيداً لا أكثر ولا أقل!". وبدأ المسؤولون في مواقع قيادية في القناة يراجعون حساباتهم، خصوصاً منتجي نشرات الأخبار الذين عادة ما يُوجهون المراسلين لعمل تقرير معين، وفي بعض الأحيان بصيغة الأمر. وبدأ التخوف من احتمال استخدام خنفر موقعه الجديد للانتقام منهم. وفي صبيحة اليوم التالي تم استدعاء أعضاء الإدارة التحريرية إلى اجتماع في مكتب المدير خنفر، ولفت نظر أحد منتجي النشرات أن خنفر لم يقم من كرسيه ليصافح هؤلاء الزملاء.
عشق السلطة
وتقول زهر الدين إن خنفر، الفلسطيني الجنسية، "قامة فارغة وشخصية تعشق السلطة، ومن الصعب التعايش معها، على الرغم من اللباقة التي يصطنعها للتعامل مع الآخرين لتلميع صورته. خطابي بامتياز، محب للظهور، ومغرور إلى أقصى الدرجات، يُسهب في الحديث عن إنجازاته وقدراته لدرجة أنه استطاع أن يقنع الآخرين، وخصوصاً المسؤولين، بأنه المنقذ القادر على قيادة مؤسسة ضخمة مثل الجزيرة، وإدارتها دون صعوبات أو مشاكل".
وتضيف أن المزاجية والاعتبارات الشخصية هي التي حكمت علاقة خنفر مع العاملين، فكان يتعامل مع الزملاء، وخصوصاً المذيعين، بأن يقلل من أهميتهم، ووصل به الأمر إلى إلغاء الاجتماعات معهم انطلاقاً من خسارته لموقع النجومية والظهور على الهواء لصالح المذيعين، فسلط عليهم "الصادق الأمين"، كما يحلو له أن يُطلق على رئيس التحرير الأسبق أيمن جاب الله.
وتمضي تقول إن أول قرارات خنفر كانت إقصاء هيفاء شوكت، سكرتيرة المدير وكاتمة أسراره، حيث نقلها إلى مشروع الجزيرة الوثائقية، الذي كان في مراحله الأساسية، ومن ثم إنهاء خدماتها وطردتها. ثم استحدث وحدة إدارية اسمها "مكتب المدير العالم" ونقل إليها بعض الموظفين من الشؤون الإدارية، بعدها قام بإجراء بعض التنقلات في صفوف هؤلاء لاحقاً ليحل محلهم أشخاص ذوو انتماءات عقائدية لم تكن واضحة في البداية.
وتتابع: "ثم انتقل إلى تفتيت خليلة النحل، غرفة الأخبار"، وأول ما قام به التضييق على مدير الأخبار إبراهيم هلال، مما اضطره إلى تقديم استقالته والالتحاق بتلفزيون بي بي سي مطلع 2004، وقام بتوزيع مهامه على المنتجين الذين بدأوا بدورهم تنازع الصلاحيات. واستفاد خنفر من ضعف سعيد الشولي، الذي منح منصباً شرفياً، وهو نائب مدير الأخبار، ليعزز من صلاحياته على حساب الآخرين.
بعد سنوات عدة أصدر خنفر قراراً بإنهاء خدمات الشولي، قبل أن يتراجع عنه ويعهد إليه بوظيفة هامشية. وتقول زهر الدين إن أول ورطة زح وضاح سعيداً بها هي جعله المرجع الأول والأخير في ملفات مصنفة على أنها "حساسة جداً"، مثل ملف السعودية. بعدها بأشهر تم إعادة أحمد الشيخ للقناة وتعيينه مديراً للأخبار. شعر الشولي بالمهانة ورأي أنه الأحق بالمنصب، فاستحدث خنفر مسمى جديداً هو "مدير تحرير البرامج"، وعهد إليه بالمسؤولية عنه.
صفقة جاب الله خنفر
يطير خنفر إلى الإمارات ويأتي رفقته أيمن جاب الله، الذي كان حينها يعمل في قناة "العربية" المنافسة لقناة الجزيرة، ويعينه نائباً لمدير الأخبار وبصلاحيات واسعة جداً، توسعت لاحقاً حتى تم تحييد الشيخ عملياً وبشكل نهائي، على الرغم من بقائه في منصبه.
بعد الانتقال إلى مقر الجزيرة الجديد في 2005، تم تفتيت سلطة الشيخ، بأن عين خنفر مشرفيْن اثنين للأخبار وبصلاحيات تتعلق بمعظم الشؤون التحريرية اليومية، وطلب منهما الرجوع إلى "الصادق الأمين" بكل ما يتعلق بتسييرهما دفة الأخبار في القناة، "علماً أن كثيرين كانوا يعتبرون أن الخلفية المهنية لجاب الله كانت ضعيفة جداً، ولم يكن قادراً على صياغة تقرير أو إنتاج أي مادة صحفية مهمة"، والكلام لمؤلفة الكتاب.
منذ تلك اللحظة بدأت نوايا خنفر الحقيقية في الظهور، فبمعونة ومساندة جاب الله بدأت حملة تعيينات في القناة شملت من وصفوا بـ"المتشددين"، مع تعزيز التيار الإسلامي الذي كان موجوداً أصلاً ولو بشكل مستتر.
ولتحويل الأنظار عما كان يجري، عَمدَ خنفر إلى إعطاء صلاحيات أكبر لمشرفيْ الأخبار اللذين ينتميان للتيار المعتدل، "حتى لا نقول العلماني" كما تقول زهر الدين، وجعلهما يدخلان في صراع دائم مع الشيخ، فيما جاب الله وخنفر ينفردان غالباً في مكتب المدير ليتخذا القرارات الاستراتيجية.
وتقول زهر الدين كان جاب الله يصول ويجول في غرفة الأخبار دون الرجوع للشيخ، فيعين ويقيل وينقل، حتى أنه يتدخل لدى مسؤولي غرفة الأخبار للطلب منهم أن يتدخلوا لدى هذه المذيعة أو تلك في ما يتعلق بلباسها، ومن هنا بدأ التدخل الذي تصفه بـ"الوقح" في شؤونهن. وتصف ما جرى مع قدوم جاب الله بأنه "يشبه الانقلاب في غرفة الأخبار"، وسادت بلبلة شملت جميع الموظفين نتيجة هذه التغيرات الجذرية.
وتشير زهر الدين قائلة: لم يكن جاب الله الذي عين نائباً لمير التحرير هو ذاته الذي خبرته في سابقاً، فقد تغير شكلاً ومضموناً، ولم يعد يُعر اهتماماً لمظهره، فأطلق لحيته، وبدا كما لو أنه في أواخر الخمسينات من عمره، علماً أنه لم يكن يتجاوز الأربعين".
عرض وتقديم: موسى محمود الجمل
دبي
30 يوليو 2011
في المقال الثالث والأخير نتعرف على مشكلة اللباس "غير المناسب"، وتماثيل الشمع، والفرق بين "العصر الخنفري" وعهد جاسم العلي، وكلام أكثر عمقاً عن الاستقالات.