الامبراطورية الاميركية توجد في فترة تراجع. هذه حقيقة محزنة، ولا سيما لنا كاسرائيليين، ولكن لا مفر منها. عندما ستفتتح الاسواق هذا الصباح، يحتمل أن يجد هذا الواقع المقلق تعبيرا خطيرا له؛ ويجدر بنا جميعا أن نأمل أن لا. ولكن حتى لو مُنع انهيار آخر، فالصورة الكبرى هي نهاية عصر. في الولايات المتحدة واحد من كل ستة اشخاص يستعين اليوم بقسائم الغذاء كي يعيش. سوق السكن عانى من هبوط بمعدل 30 في المئة، هو الأخطر منذ السقوط الاكبر وعمليا الأخطر. علامة التقدير التي يعطيها اتحاد المهندسين الاميركي للبنى التحتية في الدولة الهائلة هذه، والتي اخترعت البنية التحتية عمليا، هي D، في سلم حتى F. الولايات المتحدة توجد في مديونية لأكثر من 14 تريليون دولار وفقط في العقد الاخير راكمت نحو 9 تريليون دولار. اميركا لا تزال تتمتع بالاقتصاد الاكبر في العالم وتركز فيها مشاريع وابداعات لا مثيل لها، ولكن الصناعة منذ زمن بعيد تركت الى اميركا الجديدة، آسيا. تراجع الامبراطورية ليس فقط اقتصاديا بل وماديا حقا. تواجدها في العراق يضعف منذ الآن وفي افغانستان ايضا تسير نحو نهاية واقعها.
يوم الجمعة جاءت الاهانة الاخيرة، تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة. الآن، تقول وكالة ستاندرد آند فورس بأنه من الافضل شراء شهادات دين لسنغافورة، لختنشتاين أو حتى بريطانيا، التي لا تنجح في انقاذ نفسها والعودة الى نمو سليم. اميركا الفخورة، زعيمة العالم الحر والسوق العالمية، تعاني من كلمات قاسية وبالأساس من تقدير بأن تصنيفها الائتماني كفيل حتى بمزيد من الهبوط. كل دولة ليست الولايات المتحدة كانت ستعيش ازمة حادة في أعقاب تخفيض انتقادي بهذا القدر لتصنيفها؛ اميركا لا يزال يمكنها أن تقترض بنسبة فائدة معقولة بسبب انعدام المنافسة في سوق شهادات الدين الاميركية. في عالم غير آمن، فان اميركا غير الآمنة لا تزال خيارا طيبا.
تخفيض التصنيف يرمز، أساسا، الى عدم قدرة الساحة السياسية الاميركية التسامي على الصغائر والسخافات كي تتصدى للازمة التي تهز العالم واميركا نفسها. مثل القوى التاريخية الكبرى في الماضي، فان السخافة هي النبوءة الاولى للانهيار. قراءة دقيقة للفتوى التي نشرتها وكالة الائتمان تُبين قلق المستثمرين الحقيقي - الاحساس بأن السياسيين الاميركيين فقدوا احساسهم بالمنطق السليم.
المسؤولية كلها هي على المسؤول الاعلى، الرئيس اوباما. ولكن الذنب هو، يكاد يكون كله، ذنب الجمهوريين. ببساطة لا يُصدق كيف يتنافس المتنافسون الجمهوريون فيما بينهم على شجب اوباما على أنه في اثناء ولايته خُفض التصنيف الائتماني. ولا يُصدق على نحو خاص اذا أخذنا بالاعتبار أن وكالة التصنيف الائتماني تنتقد انتقادا مباشرا حزبهم، الجمهوريين. مُحرضون من نشطاء حفلة الشاي، رفض اعضاء مجلس النواب الجمهوريين بشدة صفقة شاملة اقترحها الرئيس الاميركي تضمنت تقليصا دراماتيكيا في الخدمات الحكومية ورفعا للضرائب على الاغنياء. فقد أعلنوا قائلين انهم لن يسمحوا بأي حال برفع الضرائب، حتى ولا بسنت واحد.
دولة عجزها المالي يتسع، ديونها للعالم آخذة في الازدياد، وحزب الاغلبية في الكونغرس غير مستعد لفرض الضريبة على أصحاب الملايين فيها. ولا يمكن لنا أن ننسى من هو المسؤول عن هذا العجز. أكثر من 14 تريليون دولار راكمت الولايات المتحدة الاميركية منذ الحرب العالمية الثانية؛ جورج بوش الشاب مسؤول عن أكثر من 6 تريليون. 44 في المئة من كل الدين الاميركي. كلينتون، لغرض المقارنة، صنع تريليون ونيف فقط، أما اوباما فخلق 2.4 تريليون - منها نحو تريليون في خطة تحفيز الاقتصاد الاميركي. حكومة بوش هي التي خلقت هذا الدين الهائل، وخلفاء بوش في الحزب الجمهوري يتجرأون على اتهام الادارة الحالية بأنها «حكومة واسعة»، والتهديد بحرق النادي. المشكلة هي أن ناديهم هو نادينا، نادينا جميعا - ليس فقط في اسرائيل، بل وفي العالم بأسره. اميركا، مثلما قالت ذات مرة مادلين اولبرايت، هي الأمة التي لا يمكن استبدالها. علينا جميعا أن نأمل بأن تراجعها سيتوقف، ونهوضها سيكون قريبا.
نداف ايال
"معاريف"