منذ مدة ، وأنا أسأل ابني البكر عن الشبكة العنكبوتية لمواقع الانترنيت ، ليس سؤالي من باب المعرفةً الاكثر عمقا بقدر ما هي معرفة من يقف وراء الشبكة العنكبوتية وكيف يستطيع أن يتحكم بمصير دول وعالم بأكمله . وما مقالي الصغير سوى لمحة مبسطة عن الامور وكيفية سيرها .
بعد مدة طويلة نسبيا من الحرب الباردة جاءت حرب الكويت 1991 فأعطت لأميركا نهاية فترة الانحدار، ولا ننسى احد صقور المحافظين عندما قال موجها كلامه للرئيس العراقي صدام حسين بعد غزوه للكويت "شكرا لانك ايقظت المارد الاميركي"، وخرجت من حرب الكويت اقرب ما تكون الى "قوة كاملة" اي قوة لها رصيد كبير في مختلف مصادر النفوذ والهيمنة، وهي بحاجة الى حلبة لعرض قواها، وكانت احداث 11 ايلول 2001 الصاعق الذي يدخلها في حروب تقوم هي باختيارها، ولا يهم من هي الضحية المهم هو حلبة لعرض القوة .
ما فعله بوش ليس جديدا على اميركا، ففكرة السيطرة على العالم بدأت منذ الرئيس الاسبق ويلسون عندما اقترح ثلاثة افكار اساسية : الرقابة على التسلح والديمقراطية العالمية وتحرير المبادلات التجارية، وقد بدأ بتحقيق أفكاره (المؤدية الى السيطرة على العالم) باقالة فيكتوريانو هويرتا، رئيس المكسيك، باسم نشر الديمقراطية وضرورة تعليم جمهوريات اميركا الجنوبية كيف تنتخب اشخاصا جيدين رغم أن خلف الرئيس المكسيكي كان طاغية، ولكن المهم هو اظهار القوة وعرضها .
إن الرغبة في صياغة خطوط جديدة في العالم كانت بالفعل قد بدأت منذ الفترة الولسونية ولكن ضمن قفاز حريري، إلا انها بدأت تظهر بوضوح بعد أحداث 11 ايلول حيث قال وزير الدفاع الاميركي الأسبق دونالد رامسلفيد "تماما مثل الحرب العالمية الثانية، اوجد الحادي عشر من ايلول فرصة ذهبية لإعادة صياغة العالم" وفي جملة واحدة قال رامسلفيد كل شيء .
بعد هذه الصياغات المتعددة بين حرب النجوم الى الحروب الاستباقية أو الوقائية المبنية على فكرة أنه لا يجب تقييم الحروب اعتمادا على ما تحققه بقدر ما تتيح تجنبه، فالى تغيير الانظمة، توجهت اميركا الى الفضاء، ولا أقول الفضاء بحيث يفكر القارىء بحرب النجوم أو الصواريخ العابرة للقارات أو المركبات الفضائية التي تغزو الكواكب، بل سأتكلم عن الشبكة العنكبوتية الي نتعامل معها يوميا .
لنُعرِّف ما تعنيه السيطرة في القاموس الاميركي، انها تعني ان تستخدم الولايات المتحدة المجال الجوي والبحري بصورة اسبقية واولوية على الآخرين، وأن تستطيع منعهم من استخدامها، وعليهم أن يقبلوا بذلك، أما الآخرون فسوف يخسرون إن حاولوا منع الاميركيين من ذلك .
ومن أجل السيطرة على المجالين الجوي والبحري، بدأت اميركا بدراسة مهمة لزرع شبكة من الاقمار الاصطناعية، ودراسة مقابلة لها حول فرضية "بيرل هاربور فضائية" وهذا يعني دراسة فرضية هجوم مباغت على الاقمار الصناعية الاميركية الموجودة في الفضاء، وكان المسؤول عن لجنة الدراسة هذه، السيد رامسفيلد قبل أن يتم تعيينه وزيرا للدفاع، وقد دعت هذه اللجنة الى عسكرة للفضاء مزودة بامكانية نشر القوة من الفضاء وفيه وعبره.
إن الفضاء يعتبر اليوم ملكية عامة للبشرية. وهناك معاهدتان تؤكدان السهر على ذلك من قبل الجميع: معاهدة 1967 عن الفضاء الخارجي التي تمنع ان تُنشر فيه اسلحة الدمار الشامل، ومعاهدة عام 1972 المسماة ABM، التي تحظر بين اشياء اخرى التعرض للاقمار الصناعية. ولكن ادارة الرئيس بوش الابن انسحبت من المعاهدتين لتفتح الطريق امام تنفيذ توصيات لجنة رامسفيلد، أو في اضعف الايمان ، إعادة اطلاق حرب النجوم .
يضاف على ذلك سيادة اميركا على نظام التحديد الشامل GPS، فلقد تبين أن هذا النظام الثمين من الناحية العسكرية لزيادة دقة الصواريخ الذكية، هو مفيد ايضا من ناحية الاستخدامات المدنية حيث ترتبط فيه الملاحة البحرية والفضائية، إضافة الى الربح المادي الذي يؤمنه (رقم يتجاوز 20 مليار دولار) . أما من ناحية السيطرة الاميركية على شبكة الانترنيت من خلال ICANN وهي الوكالة المختصة بتوزيع التسميات على الشبكة، فقد كان الخوف واضحا خلال قمة المعلومات سنتي 2004 و 2005 في جنيف وتونس كم أن الخوف من اقدام اميركا على معاقبة المستخدمين كبير لأنها عمليا الوحيدة القادرة على ذلك.
هل بعد هذا سنبقى ننخدع بالسياسة الاميركية ذات الهدف الواضح وهو السيطرة على العالم، "كما في السماء كذلك على الارض" .