لنعرف النهاية علينا العودة دائماً إلى البداية.. ولكي نفهم جنون حمص في القرن الواحد والعشرين يجب أن نعود إلى نجدٍ وأعرابها في القرن الثامن عشر، وتحديداً إلى الدرعية حيث كان ابن سعود يحلم بالسيطرة على العالم الإسلامي، غير أن نواة جيشه المحدود كانت أصغر من حلمه بكثير، إضافة لافتقاره إلى عقيدة ملهمة لهذا الجيش في ظل تلاشي عصبية القبائل والعشائر وتفرقها واختلاطها في مدن نجد.. وغير بعيد عنه كان أيضاً في مدينة «العُيينة» شخص آخر يحذو حذوه ويعمل على تأسيس عقيدة جديدة يغزو بها العالم الإسلامي واسمه محمد بن عبد الوهاب (1703 -1791م)، وهو شيخ حنبلي من عشيرة الوهيبي من بني تميم. وقد شكل ابن عبد الوهاب مذهبه معتمداً على الجانب الجهادي المتشدد عند ابن تيمية الحنبلي مرتكزاً في مسيرته على ساقين أساسيتين، أولاهما الحديث المشكوك بصحته حول الفرقة الناجية من النار، والساق الثانية تستند على حديث «خير القبور الدوارس» ، وبامتزاج الحديثين بدأ ابن عبد الوهاب أولى خطوات المذهب الوهابي معتبراً جماعته هم الفرقة الناجية والآخرون كفار لأنه لا يذهب إلى النار إلا الكفار، والكفار هم الذين يزورون القبور والأضرحة ويتوسلون بها إلى الله تعالى، وهذا دليل على إشراكهم بالله، والمشرك شرعاً يقتل .. وهكذا التقى ابن سعود بابن عبد الوهاب الذي أتى الدرعية هاربا من قومه بعد أن ضاقوا ذرعاً بخروجه وبدعه واجتهاداته العنفية ضد المسلمين. وعلى رأس منتقديه ورافضيه كان والده عبد الوهاب وأخوه سليمان؛ فبعدما وصل ابن عبد الوهاب إلى الدرعية (حوالي 1744م) دخلت زوجة ابن سعود وأخوها في مذهب الوهابي ثم أقنعت زوجها بأهميته حين قالت له: «هذا رجل ساقه الله إليك وهو غنيمة فاغتنمه ما خصك الله به» فتلقفه ابن سعود وعقد معه اتفاقاً مازال سارياً بين أسرتيهما حتى الساعة: يتعهد ابن سعود بنشر الوهابية بينما يقوم الثاني بدور مفتي جيش آل سعود وموجهه المعنوي.. وهكذا أعاد الوهيبي تشريع قانون الغزو والسلب والنهب البدوي، وتقاطر الأعراب إلى الدرعية من أنحاء نجد: يغيرون ويقتلون وينهبون (المشركين) ويعطون لابن سعود الخمس ويتوازعون باقي الغنيمة فيما بينهم.. حتى صارت الدرعية بمثابة أرض الهجرة، وابن عبد الوهاب بمنزلة النبي الجد، والوهابيين هم المؤمنون والمشركين من تبقى من المسلمين، حتى قويت شوكة ابن سعود واتسعت طاقة الجهاد بين الوهابيين، فوجهها إلى المدن المحيطة، وبدأ بالطائف، فقتل أهلها ونهب أموالها وسبى نساءها وأطفالها وأحرق أضرحتها ودمر شواهد مقابرها، ثم غزا كربلاء فمكة فالمدينة، فدمر أضرحة الصحابة وبيوتهم باعتبارها أصناماً، ولم ينجُ منهم حتى قبر الرسول الأكرم، وقد هموا بالكعبة أيضاً باعتبارها الصنم الأكبر، ولولا أن الرسول أبقى عليها لهدموها (اتقاء للشرك بالله).. ومع تنامي غنائم الوهابيين من أموال المسلمين وسع ابن سعود جيشه بعدما اشترى ولاء القبائل وخوفها، فتوجه بهم شمالاً حتى مشارف فلسطين وبلاد الشام - كما أسلفنا- فحاصر دمشق ووصل إلى حمص عام 1804م وهاجم محمل الحج الشامي، فاستنجد الشوام بالباب العالي حيث وجه السلطان عدة كتب إلى محمد علي باشا والي مصر الذي أرسل جيشه بقيادة ابنه إبراهيم باشا لتأديب ابن سعود ثم دارت رحى حرب السنوات السبع وأنهك الجيش المصري قبل أن يتمكن إبراهيم باشا من تدمير الدرعية. وهكذا ربح السلطان العثماني مرتين، بكسر شوكة الوهابيين وإنهاك جيش محمد علي وضمان عدم مساس خراج نجد وبلاد الشام الذي استهلكته ذؤبان الوهابية، غير أنه لم يستطع استئصال شأفة المذهب الوهابي من نفوس البدو الذين ناسبتهم هويته (الجهادية) وأعطت لتعطشهم للغزو والدم والمال مشروعية سماوية..
وحسب اجتهادي وتتبعي، لم يبتدع ابن عبد الوهاب مذهبه الذي جاء به بالكامل، كما أنه وابن سعود من قبائل العرب وليسوا من أصول يهودية، كما يتهمهم كارهو الوهابية.. فبالعودة إلى الإسلام المحمدي نلاحظ أن الإسلام احتوى على تيارين متناقضين: تيار إسبارطي (عسكري جهادي) وتيار أثيني (فقهي اجتهادي) وقد عمقت الانشقاقات السياسية الخلاف بين التيارين حيث مازالا يتصارعان داخل العالم الإسلامي وحتى داخل المذهب الواحد، وهكذا تفرقت الأمة وابتعد المسلمون عن الإسلام ورسالته الروحية، حتى ليبدو مصيرهم اليوم كمصير اليونان بالأمس، بعدما أقدمت مدينة إسبارطة العسكرية على تدمير أثينا عاصمة العالم القديم الثقافية، وهكذا تجمدت رسالة اليونان إلى العالم قروناً مديدة إلى أن جاء الأوروبيون فاستعادوها وأسسوا عليها نهضتهم وثورتهم التي أورثت العالم مفاهيم الحرية والديمقراطية التي نتقاتل على اسمها الآن دون أن ندرك معناها...
وبالعودة إلى الوهابية (الإسبارطية) نرى أنها انتعشت من جديد بعد سقوط الخلافة العثمانية التي تشارك الوهابيون مع البريطانيين في هزيمتها.. ولكن لماذا شارك البريطانيون الوهابيين قبل غيرهم من العرب في حربهم ضد العثمانيين؟ يذكر محمد حسنين هيكل في مقالة له بجريدة السفير بتاريخ 30/6/2001 أنه اطلع بالصدفة على رسائل الرحالة والجاسوس البريطاني (محمد جون فيلبي) وكانت معروضة في مزاد بثوذبي، ومما ورد فيها: «طبقاً للقرآن فلا ينبغي أن يكون هناك قتال بين أخيار المسلمين -أي الوهابيين- وبين المسيحيين لأنهم أهل كتاب والتسامح معهم توجيه من الله، أما قتال المسلمين الأخيار وجهادهم فلا يكون إلا مع المشركين والكفار، وأول المشركين والكفار هم العثمانيون - وأيضاً الأشراف الهاشميون- وباختصار كل المحمديين ما عدا الوهابيين) ويضيف فيلبي: (ليس من شأننا تصحيح الخطأ في هذا الموضوع، بل على العكس علينا تعميق كراهية ابن سعود لكل المسلمين من غير الوهابيين، فكلما زادت هذه الكراهية للجميع كان ذلك متوافقاً مع مصالحنا)».
وبعد اكتشاف بحر النفط السعودي، وعلى غرار صندوق الدعم اليهودي، خصص آل سعود قسماً من عائداته لنشر الوهابية في العالم باعتبارها الجيش المتقدم الذي يحمي استمرار سلطتهم ويجعلهم أقل ضعفاً أمام السيد الأمريكي الذي ورث مكانة السيد البريطاني في البلاد التي أخذت اسم ابن سعود.. وحسب آخر تصريح سعودي عن الدعم المالي لنشر الوهابية هو خمسة مليارات دولار سنوياً..
بدأت المرحلة الثانية من التبشير الوهابي خارج أراضي المملكة السعودية في ستينيات القرن الماضي، انطلاقاً من أرض الصومال، باعتبار أن أهلها مازالوا على الفطرة ( كالمسلمين الأوائل ).. إذ من المعروف أن الإسلام وصل الصومال قبل المدينة المنورة، وكانت تسمى أرض الحبشة، حيث أرسل الرسول الكريم أصحابه إليها اتقاء لأذى قريش.. وقد انتشر الإسلام في الصومال عن قناعة دون حاجة لاستخدام السيف، فكان إسلاماً مستقراً خالياً من الصراعات المذهبية حتى عام 1964م حين وصلت إلى مقديشو أول بعثة وهابية بهدف دراسة أوضاع المسلمين في الصومال خاصة وأفريقيا عامة وذلك برئاسة مساعد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي .. وعلى ضوء تقرير هذه اللجنة رصدت حكومة فيصل بن عبد العزيز أموالاً لابتعاث الدعاة والمرشدين الوهابيين إلى إفريقيا، وإنشاء معاهد في بوغندا وكينيا والصومال، وأسند الأمر إلى دار الإفتاء الوهابي في السعودية.. وتكررت البعثات الوهابية في عام 1968م حيث تجول دعاتها في العديد من البلدان. ففي هذا العالم أسست الرابطة معهد التضامن الإسلامي في مقديشو الذي خرّج أعداداً كثيرة من الدعاة وطلبة العلم (طالبان)، وتم إيفاد المتشددين منهم إلى الجامعات الإسلامية في السعودية ليعودوا إلى بلادهم بالرسالة (الوهابية الصحيحة) لدحر التيارات الصوفية التي ينتمي إليها الصوماليون.. وقد تنامى نفوذ الطالبان إلى درجة أن دولة محمد سياد بري العلمانية المتحالفة مع الاتحاد السوفيتي قد اضطرت إلى ممالأتهم وطرد المستشارين العسكريين وإلغاء اتفاقية الدفاع المشترك مع السوفيات.. وهكذا راحت الحركة تتمدد مقابل انكماش الحكومة العلمانية، وتحت شعار تأميم المدارس الأجنبية، بدأت حركة واسعة في تشييد المعاهد الدينية الوهابية انطلاقاً من مسجد ومعهد ومكتبة التضامن عام 1973م. وعلى الرغم من أن وزير الأوقاف كان يغلق بعض هذه المعاهد بتهمة أنها تدرس ديناً جديداً غريباً على الإسلام الشافعي المعتدل في الصومال، كما كان ينعت الدعاة المتطرفين بالتخلف والرجعية ويسجنهم ويمنع التفسير على منهج الوهابية، إلا أن المال السعودي كان أقوى، فسقطت الحكومة الماركسية التي أنهكها الفساد والمحسوبيات، وانتعشت الوهابية وراحت تتغلغل في البدو النائي عن المدن الكبيرة (كما يحصل في ريف حوران وبادية حمص ) وبدأت حملة تهديم المشاهد والقبور على يد (شباب الصحوة) الذين راحوا يحتلون مساجد الصوفية بالقوة، ( مثلما يفعل الوهابيون بتونس اليوم ) كما أغلقوا المدارس( التي تدرس المناهج الغربية الفاسدة) وتخرب عقول أبناء المسلمين وفطرتهم (كما حصل في حمص مع بداية العام الدراسي).. حتى غدت حركة الاتحاد الإسلامي أقوى حركات الوهابية، التي عُرف عنها تركيزها على الشباب والناشئة. ولم يمر وقت طويل حتى تمكنت من (تبليغ الدعوة) في كامل أرض الصومال بشكل علني بعدما كانت سرية، خصوصاً بعدما انقلبت إلى حركة عسكرية تدرب طلابها على القتال واستخدام السلاح، حيث ساعدتهم ظروف الحرب الأهلية الصومالية في الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة الثقيلة، فركزت وجودها في ثلاث مدن رئيسية (كما في سورية) وهي مدينة مركة على ساحل المحيط الهندي، ومدينة لوق غنانة جنوب غرب على حدود أثيوبيا، وميناء بوصاصو على البحر الأحمر. كما افتتحت معسكرات فرعية في مناطق كثيرة من الصومال.. وفي عام 1996م غيرت الحركة خططتها وتحالفت مع حركة سلفية أخرى غير مسلحة لديها نشاط تجاري ناجح تحت اسم (الاعتصام الإسلامي) فكان تحالفاً اقتصادياً حيث شاركوهم في أعمال التجارة وكونوا مافيا عسكرية- اقتصادية كان من ثمارها افتتاح المزيد من المعاهد والجامعات الوهابية التي تستقطب أولاد الأسر الهاربة نحو العاصمة، وكانت بداية تشكل (طالبان جديدة) نتج عنها (المحاكم الإسلامية) وهي محاكم ذات منهج سلفي متشدد تطبق أحكامها بقوة الجناح العسكري (حركة شباب) التي ما لبثت أن انشقت عنها بعد انضمام المحاكم إلى تحالف المعارضة الصومالية. . تضم حركة شباب أكثر من 7000 عضو يتلقون تدريباتهم في إريتريا (يتمرنون على حرب العصابات واستخدام المتفجرات) وتمول الحركة نشاطاتها ـ إلى جانب الدعم السعودي ـ من خلال أعمال القرصنة على سواحل الصومال، كما تضم مقاتلين أجانب يقومون بعمليات انتحارية باعتبارها أقصر طريق إلى الجنة ..
ومازالت الحرب الأهلية الصومالية قائمة حتى الساعة منذ سقوط حكومة سياد بري الذي جاء إلى الحكم إثر انقلاب عسكري، وحاول التشبه بأتاتورك تركيا، فاتجه نحو تحديث الصومال وأمم البنوك والشركات وأمر بكتابة اللغة الصومالية بالحرف اللاتيني بدلاً من الحرف العربي، كما نص قرار مجلس الثورة على مساواة المرأة بالرجل حتى في الميراث، وعندما احتج رجال الدين أعدم بعضهم وسجن آخرين.. لكن هزيمته أمام القوات الأثيوبية عام 1978م أضعفت قوته ومنذ 1981 افتتحت عشيرة اسحق ( بعد جمعة العشائر) الهجوم على جيشه ومؤسساته في الشمال بدعم وتسليح من أثيوبيا. ثم ومنذ عام 1989 استضافت إثيوبيا المؤتمر الصومالي الموحد وضم بعض قبائل وعشائر الصومال (كما المجلس الوطني السوري في تركيا) وراح يشن هجماته ضد الصومال انطلاقا من الأرض الإثيوبية ، وبعد عامين سقطت حومة بري ودخلت البلاد في الحرب الأهلية - كما أسلفنا- ولم تنته الحرب بعد على الرغم من مؤتمرات المصالحة: في إثيوبيا 1993 وفي نيروبي 1996وآخرها في بيداوا 2006 وأخذت ولايات الصومال بالتفكك والانفصال منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 19 في 9/12/1992 باستخدام القوة العسكرية في الصومال لنزع الأسلحة من الفصائل الصومالية وفتح طريق للإغاثة تحت اسم (استعادة الأمل)، إذ تم تجريد الفصائل من الأسلحة الثقيلة، لكن، ومنذ (استعادة الأمل) إلى اليوم فإن الأمل والأمن مفقودان بعدما توقفت عمليات الإغاثة والحوار السياسي حتى غدت الصومال أفقر دولة في العالم، فنسبة وفيات الرضع والأمهات 225 وفاة لكل 1000 ولادة، وأصبح 17% من أطفال الصومال مهددين بسوء التغذية، ونسبة التحاق الأولاد بالمدارس 13% والبنات 7% بينما 87% من السكان مهددين بالملاريا بسبب أن 70% من أرض الصومال مياهها غير صالحة للشرب، وأخيراً فإن النزاعات شردت 400 ألف شخص؛ لكن الحركة الوهابية بخير، طالما السعودية تعمل على دعمها بالسلاح والكتب الوهابية (المنقذة من الضلال)..
طبعاً دمشق ليست مقديشو وسوريا ليست كالصومال، لكننا نتتبع خارطة طريق الوهابية في المنطقة العربية قبل الوصول إلى وهابية أمريكا.. فدمشق مختلفة عن كل مدن العالم، بالإضافة إلى أنها أقدمها، والسر يكمن في أن مدن العالم، تقيم سوقها بعد تأسيسها، إلا دمشق فهي سوق أقيمت حوله مدينة.. وكلما مرّ في واحتها حاج أو تاجر أو مسافر أو غازٍ أو جندي أو مهاجر يطيب له هواءها وماءها فيترك بعضاً منه أو يبقى كله فيها، فيتزوج وينشر ذريته التي شكلت مجموع الدمشقيين الآن؛ فغالبية حارات دمشق، من حي الميدان حتى حارة المغاربة في العفيف، معروفٌ من أي بلادٍ جاء أهلها، وقد التفوا جميعاً حول السوق كما يلتف الفراش حول الضوء.. وكل سوق دمشقي تستند أقدامه على بيت للعبادة، منذ الفترة الهيلينية حيث كان يقوم معبد جوبيتر مكان الجامع الأموي الآن، ثم الفترة الرومانية التي أقام أهلها كنيستهم فوق أساسات جوبيتر، ثم جاء العهد الإسلامي ليقيم المسجد الأموي فوق الجميع: سوق ومسجد وثقافة متراكمة نتاج اقتصاد لايعرف الخسارة لغرفة تجارة دمشق المتحالفة أبداً مع رجال الدين، والتي طوعت الغزاة والطامحين الذين مروا تحت قوسها مستسلمين، منذ أيام اليونان وحتى أيام البعث الإشتراكي الذي لم يستطع هو الآخر التمرد على قوانينها، وكلنا نذكر كلمة الرئيس حافظ الأسد بعد انتصاره على عصابات الإخونجية، عندما وقف فوق منبر غرفة التجارة وقال: من منبري هذا أحيي غرفة تجارة دمشق.. ودمشق التي تشبعت بالفلسفة اليونانية ووسمت أهلها بثقافتها المدنية كانت قد مهدت للمياه المسيحية أن تنتقل من نبعها في بيت المقدس إلى بحيرتها الهيلينية، حيث أعطت للمسيحية شكلها المدني وقوتها الاقتصادية التي مكنتها من غزو العالم. ولولا دخول المسيحية دمشق لما وصلت روما شمالاً والسودان جنوباً (الذي بشر بالمسيحية في السودان سوري) وعند مجيء الإسلام من الجنوب البدوي المقلقل ، أعطته دمشق استقرارا ًوهوية مدنية بعدما صب مياهه في الإناء المسيحي اليوناني ليأخذ شكل دولة، ولولا ذلك لما نجح الإسلام بالانتشار في أنحاء الأرض، بعدما حمله جيش الشام وتجارها وفقهاؤها نحو أرض مصر جنوباً وحتى الصين شمالاً.. فدمشق هي الإناء السحري الذي يحوّل الماء إلى شراب بطعوم مختلفة دون أن تدرك سرّه، كرحم المرأة الذي لم نستجلي سرّه بعد وإن كنا قد كشفنا قوانينه الفيزيولوجية..
لهذا فإن المدّ الوهابي المدعوم بالريال السعودي لم يستطع اختراق المجتمع الدمشقي، فتوجه نحو ريف دمشق كما نحو بادية حمص، حيث الناس أكثر فقراً وأقل تعليماَ وثقافة.. ومن هنا نجد أن جُلَّ الحراك الإرهابي المسلح كان في ريف دمشق وبين عشائر البدو التي قطنت حمص، وإذا عدنا إلى أعمال جهاديي الوهابية المرعبين عبر تاريخيهم القصير، يمكننا أن نفهم سبي النساء وتقطيع أوصال الأسرى ونهب الممتلكات العامة والخاصة، كما لا يمكن أن يفعله أو فعلته أي ثورة في تاريخ البشر.. ولن تستطيع قوة الجيش وحده أن تنهي إرهابهم لذلك يجب العمل على تجفيف منابع الوهابية ومحاصرة أتباعها في سوريا كما حوصرت جماعة الإخونجيين من قبل.
يتبع..
(الجمل)