آخر الأخبار

الموت لأمريكا

صحيح أن أمريكا لم تكن في حاجة إلى بروباجاندا تجمل وجهها الانتهازي البشع، ولم يكن لها جحافل من الإعلاميين الذين يسبحون بدعمها في محطات التمرد الكوبية، إلا أنها استطاعت أن تركب موجة الثورة هناك دفاعا عن حق الشعب الكوبي في تقرير مصيره .
وهكذا ذهبت إسبانيا إلى حرب التحرير مرغمة لتدافع عن مستعمراتها الآيلة للسقوط في حجر أمريكا الفضفاض لتخسر منافذها على الكاريبي واحدة تلو الأخرى وتتحول من دولة إمبراطورية إلى دولة لا حول لها ولا مستعمرات. صحيح أن أحدا من المؤرخين لم يقف على حقيقة أسباب غرق البارجة الأمريكية مين والتي اتخذتها أمريكا ذريعة للانقضاض على المنافذ الاسبانية الاستراتيجية، والاستيلاء على مزارع السكر الكوبية التي استثمرت فيها خمسين مليون دولار من أموال دافعي الضرائب من الأمريكيين، إلا أن الكونجرس أعطى ماكينلي فورا إشارة الزحف نحو الخطوط الأسبانية الحمراء.

لكن الرجل الذي خاض بجيشه الحر في أوحال الكاريبي لم يستطع أن يقمع ثورات المتمردين على الصولجان الأمريكي هناك إلا بعد سنوات عجاف من القمع. أما الفلبين التي سقطت في عصمته بعد حربه مع الأسبان لم تكن لقمة سائغة في فمه، ولم يهدأ ترابها تحت أقدام الغزاة الجدد إلا بعد آلاف القرابين من المارينز، وعشرات التنازلات من أصحاب القبعات الغزاة.

ولكي يكسب ود أهل الفلبين وتعاطفهم، كان على ماكينلي أن يقوم بتطعيم أطفالهم ورصف شوارعهم وترميم جسورهم. لكن الفلبينيين الأحرار الذين يعرفون حيل رعاة البقر جيدا لم تنطل عليهم مروءته، وظلوا ثابتين على مواقفهم ومواقعهم حتى اضطر الأمريكيون إلى منحهم الاستقلال. وعندها قال الزعيم الفلبيني الثوري مانويل كوزين ساخرا: اللعنة على الأمريكان، ليتهم اضطهدونا أكثر.
لكن طول أمد القهر الأمريكي لا يعني بالضرورة عائد حرية أكبر أيها الكوزين الطيب، فهناك شعوب ترعرعت في كنف قهر الكاوبويز وامتهنت أسوأ ما تكون المهانة دون أن تجد حريتها أو استقلالها في نهاية النفق. وفي شرقنا الأوسطي شعوب تحفظ كل الأغاني الثورية، وتمتلك مئات الفضائيات التي تسبح بلعن الأمريكيين ليل نهار، لكنها لم تربح قطعة من كرامة أو شبرا من عزة منذ وطئت المصالح الأمريكية أراضيهم.

في بلادنا يُحرق العلم الأمريكي كل يوم آلاف المرات، وتبول على نجومه البيضاء إبلنا الوطنية، ويُلعن سياسيو أمريكا ورؤساؤها على قوارع الطرق وكل المقاهي وفي الحوانيت والمنتديات السياسية والثقافية والفكرية. وفي كل المساجد والكنائس والبيع والصلوات، تُلعن أمريكا ويُلعن حلفاؤها. ولا يخلو ابتهال إعلاميو قنواتنا الفضائية المارقة من سب وطعن وهمز ولمز في الجناب الأمريكي المتآمر دوما على شعوبنا الطيبة.

وفي بلادنا المغفور لها بإذن الله، لا يعلو حاكم ولا سياسي ولا يسقط إلا بعد التبرؤ من دنس التبعية لأمريكا وحزبها. وفي بلادنا لا يمر ربيع ولا خريف إلا بإذن من الباب الأمريكي العالي، ولا تبدأ ثورة ولا خلع ولا تنحية إلا بعلم والينا الأمريكي المعظم. وفي منتجعاتنا السياسية، لا يكف الانقلابيون ولا الشرعيون عن الطعن في نزاهة المعارضين لهم باتهامهم بالسقوط في حضن أمريكا الدافئ وممارسة الرذيلة السياسية على قارعة الثورات.
يشهد الله أيها الكوزين الثائر، أننا لم نطل يوما على الكاريبي وأننا لم نتعرض لبوارج أمريكا التي تحيط بنا من المحيط إلى المحيط، وأننا لا نقاتل إلا أنفسنا، ولا نثور إلا على الرأي الآخر، وأننا ظُلمنا من أمريكا كما لم يُظلم أحد من العالمين، ورغم هذا، لا تشد وفودنا السياسية رحالها إلا للبيت الأبيض ولا يُستشار في تنصيب ولاتنا سكان البيت الأبيض. وإليهم يرجع ذوو الرأي والفكر والسياسة والشريعة، حتى رجال ديننا لا يستنجدون من فوق المنابر في خطبهم العصماء إلا بهم. ورغم هذا، لم تكافئنا أمريكا يوما بقطعة أرض حرة أو دولة ذات سيادة أو تعلن استقلال قصر جمهوري أو ملكي أو سلطاني عن التبعية لها.

فلتحمد الله أيها الكاريبي المناضل أنك من بلاد تتمرد دون توقيعات، وتثور دون ولاءات، وتخلع حين تخلع غير عابئة بالقابعين أولي الإربة خلف الحدود. لتحمد الله أيها الثوري أنكم في بلاد لا توجه ثورتها ضد مساجدها وكنائسها وقنواتها الإعلامية، وأنكم تفرقون في دعائكم يوم ترفعون أكفكم نحو السماء بين المحتل والمعارض، وبين الغزاة وأصحاب المذاهب الوطنية المغايرة. واشكر الرب أنك لا تجازَى على رأيك بالتكفير أو الإبعاد أو التعرية أو السحل، وأن إسرائيل لم تكن من سكان الكاريبي أو إحدى مستعمراته.