آخر الأخبار

الشجاع الأقرع

هلك المتنطّعون ، قالها ثلاثا.*
حديث شريف

حدث قبل مدة أن اضطررت إلى إحضار مطبوعة مرسلة لي من إحدى المحافظات عن طريق إحدى شركات النقل العاملة في سورية. وهي شركة جيدة في دقة مواعيد حافلاتها وانتظام البريد المرسل بوساطتها. إلا أن لها صيت التعصب الطائفي، ويشعر المرء وهو يستقل إحدى حافلاتها أنه يجلس في حضرة دينية وذلك بسبب من الأدعية والأناشيد الدينية المسجلة المرافقة للراكب كل طريق السفر، ناهيك عن سيماء وجوه ركابها الذين يرمقونك بنظرات غير منشرحة فيما لو كنت -لحظك العاثر- راكب من جنس أنثى تسافر سفورا وبدون محرم. كل هذا جيد ومقبول ومحترم طالما أن الأمان هو الشعار العريض لهذه الشركة. لكن ما حدث في مكتبها حيث ذهبت لإحضار مطبوعتي جعل قلبي يرتبك وهلة، بعد أن قرأت ورقة تروج لأفكار لم تكن المرة الأولى التي أسمع بها، إلا أن وجودها معلقة في صدر مكتب نقليات للعموم يقرأوها الآتي والغادي، دفعني للخروج مسرعة، خائفة من، وعلى مستقبل بلادي الضبابي.
جاء في الورقة التي سجلت محتوياتها بسرعة، بعد أن اعتقد الموظف المسؤول أنني معجبة هائمة بما جاء فيها، وكاد لولا الازدحام أن يذهب لتصوير نسخة لي كهدية مجانية منه. أنه ورد في بعض الكتب أن من يتهاون في الصلاة له /15/ عقوبة، ست منها في الدنيا وثلاث عند الموت وثلاث في القبر وثلاث عند الآخرة. أول عقوبات الدنيا هو نزع البركة من عمره، ومحي سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل يؤديه لا يؤجره الله عليه ولا يرفع له دعاء في دعاء الصالحين وليس له حظ في دعاء الصالحين وتخرج روحه بغير ايمان. وعند موته سيقضي ذليلا، جائعا، وعطشان، ولو سقي من بحار الدنيا ما روي.
أما في القبر فيضيق الله عليه حتى تختنق أضلاعه، ويوقد عليه ليتقلب على الجمر ليلا نهارا , ويسلط عليه في قبره ثعبان اسمه (الشجاع الأقرع) يضربه على تضييع الصلوات ويستغرق في تعذيبه بمقدار أوقات الصلاة. وحين تحين القيامة، وإذا انشقت السماء، يأتيه ملك وبيده سلسلة ذراعها 70 سبعون ذراعا فيعلقها في عنقه ثم يدخلها فيه ويخرجها من (...) وهو ينادي هذا جزاء من يضيع فرائض الله. وأخيرا لا ينظر الله إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم.
لملل عتيق ولا جدوى، لن أحاجج هنا الرقيب الفكري الذي يقصي ما تمليه عليه قريحة خطوطه الحمراء من عبارات أو أعمال إبداعية كاملة، ويترك أفكارا وبدعا كهذه تسرح وتمرح في الشارع وعلى عينك يا تاجر. لكني أتمنى أن أحاجج أي مؤمن حقيقي، يمكن أن يصدّق حقا وبقلب ورع صاف أن مثل هذه الأفكار تعود بمرجعيتها للدين الإسلامي؟!.. فأية كتب هذه التي وردت فيها هذه الأفكار، ولماذا لا تذكر عنواينها وأسماء مؤلفيها؟.. والأهم، هل هناك مرجع للروح والعقل والوجدان ومعرفة الله والإسلام سوى القرآن الكريم والحديث الشريف؟..
ثم من ذا الذي مات ودخل القبر ثم عاد حيا ليحدثنا عن مقارعته الدرامية الهوليوودية البطولية للثعبان الشجاع الأقرع، وقدوم الملك ذو السلسلة بسبعين ذراعا التي يعلقها في العنق ثم يخرجها من (...) إلى ما هنالك من عقوبات مرعبة رسمتها مخيلة خصبة في ساديتها، كارهة للدين وممعنة في تشويه صورته.. عن فقر روحي وعن قصد.
من حقي أن أغار على الإسلام في بلدي الذي نشأت فيه تحت ظلال انفتاح طائفي حضاري مشرق، وشاركت رفاق ورفيقات العمر صلواتهم، وشاركوني صلواتي. كل منا كان يصلي بطقوسه الخاصة لله وحده، ووحده الحب والورع، لا الترهيب والفزع، كانا يدعواننا للصلاة بحرية والتماهي مع نور الخالق الذي يسكن فؤاد المؤمن ويمنحه السكينة والرحمة والسلام.
أعلم أن تشويه الأديان السماوية بالخرافات والبدع والترهيب منتشر في معظم دول العالم، لكن اقترابه من سورية له وقع أكثر إيلاما في النفس، لأن فهمي للسوريين لا يختلف عن فهم السوريين للأديان وسلوكياتهم المترجمة عن هذا الفهم. سلوكيات تجلت تاريخيا، بأنها الأكثر وعيا وتحضرا ودفئا ورحابة.
لم أخبركم أنني قررت مقاطعة حافلات تلك الشركة، لسبب بسيط هو أن شركة يروج موظف فيها لأفكار كهذه، قد يتطوع في يوم من الأيام شجاع أقرع ويقود حافلة من حافلاتها ليقلني أو يقل أحدنا (سكارسا) إلى المجهول.
*****
(* - المتنطعون: المتشددون والمغالون في الدين)
26/10/2005
موقع مدينة جبلة بالتعاون مع نساء سورية