الثوري, الإرهابي, المتطرف وصفات أخرى أطلقت على كارلوس الذي جاب العالم منطلقا من بلده فنزويلا ليستقر مع الثورة الفلسطينية ويعلن إسلامه على أيدي مقاتليها... من سجنه الفرنسي يكشف كارلوس في هذا الحوار العديد من الخفايا ويؤشر العوامل التي دفعته إلا الإبحار في هذا البحر الذي لا تعرف أمواجه الهدوء
هل مارست أعمالا مؤقتة في شبابك, حين كنت طالبا ?
لا أذكر أنني مارست أعمالا محددة, ما عدا تعويضي لمكان صديق فنزويلي كعامل مؤقت, لمدة أسبوع فقط, في مستودع الثياب بأحد نوادي الجاز في لندن, كما عوضت أيضا مكان صديق فنزويلي آخر, لمدة نصف عام, كمدرس للغة القشتالية في معهد لتأهيل السكرتيرات مخصص ل- بنات الذوات في لندن أيضا .
أي تأثير تركه مدرس اللغة القشتالية الشاب لدى تلميذاته من بنات الذوات ?
لا أدري بالضبط, كانت هؤلاء التلميذات في مثل سني تقريبا , وكن على تربية حسنة, وأحتفظ بذكرى طيبة عنهن, ما عدا واحدة كانت مزعجة ومثيرة للمشاكل, وأذكر أن إحدى هؤلاء التلميذات أصبحت قريبة مني, وصارت تأتي لحضور الحفلات في بيت والدتي.
متى بدأت تميل إلى الماركسية?
منذ انضمامي, في شهر يناير كانون الثاني ,1964 إلى الشبيبة الشيوعية الفنزويلية التي كانت آنذاك تنظيما سريا .
هل تأثرت قناعاتك الماركسية سلبا أو إيجابا , بعد وصولك إلى موسكو للدراسة?
أعتقد أنه كان تأثيرا إيجابيا في النهاية, بمعنى أن الخيبة التي سببها لي النظام السوفياتي المنحط والمتهالك, دفعت بي نحو مزيد من الراديكالية في التزامي الثوري.
حب واستخبارات
ما هي أبرز ذكرياتك عن فترة الدراسة في موسكو?
أبرز المحطات كانت قصة الحب الجارفة التي جمعتني بوالدة ابني, وحادثة طردي من الشبيبة الشيوعية الفنزويلية , في شهر نوفمبر تشرين الثاني ,1969 ثم طردي من الجامعة في موسكو, بسبب رفضي العودة إلى هذا التنظيم, وهناك أيضا واقعة محاولة تجنيدي من قبل ال- كي. جي. بي .
حدثنا عن قصة الحب هذه التي جمعتك بمن تسميها والدة ابنك , من أية جنسية كانت? وكم دامت قصة الحب بينكما?
كانت كوبية, وأما عن قصة حبنا, فإنها مستمرة منذ 32 سنة.
هل و لد ابنكما في موسكو? أم بعد أن غادرتما?
لقد و لد ابني في هافانا.
لماذا طردت من تنظيم الشبيبة الشيوعية الفنزويلية ?
بتهمة الانفصالية, حيث اتهمت بأنني من مؤيدي الاستمرار في العمل المسلح إلى جانب الكوماندور دوغلاس برافو.
حدثنا عن تلك الواقعة المجهولة المتعلقة بمحاولة تجنيدك من قبل جهاز ال- كي.جي.بي .. في أية سنة كان ذلك? وكيف وقع اختيارهم عليك? وهل تذكر اسم ا لضابط الذي حاول تجنيدك?
حدث ذلك في شهر يوليو تموز ,1970 حين طلب مني الممثل السري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن أذهب للقاء أحد نواب رئيس الجامعة, بناء على طلبه, كان رجلا بالغ التهذيب, لكنني لا أذكر اسمه, وقد افتتح المقابلة بسؤالي في أسلوب ودي: لماذا تريد مغادرة الجامعة ? فرددت: إنني لم أرغب في المغادرة, بل طردت أنا وأخي لينين و 15 طالبا فنزويليا آخرين . وهنا فاجأني بالقول: إن هذه ليست مشكلة, وهناك وسيلة تمكنكم من البقاء , وهو لم ينطق باسم كي.جي.بي صراحة, لكنه كان يوحي به طيلة المقابلة, وشرحت له أنني ماركسي, لكنني أؤمن بأن الكلام لم يعد كافيا , ولا بد لي من ترجمته إلى أفعال, وقبل أن نفترق سألني: كم عمرك الآن ? فأجبت: أقل من عشرين سنة . وعندئذ أنهى المقابلة, قائلا : إنك تعرف عنوان الجامعة, ونحن نقبل هنا الطلبة إلى غاية سن الخامسة والثلاثين, عليك فقط أن تكتب إلى إدارة الجامعة متى تشاء, ونحن نتكفل بأن نرسل لك فيزا وبطاقة طائرة, حيثما كنت موجودا , ولم تدم المقابلة كلها أكثر من 5 دقائق, ولم تخرج لحظة واحدة عن حدود التهذيب الجم واللهجة الأبوية المغرية, وقد تم إبلاغي بالرسالة في وضوح شديد, ولكن في إطار ودي, ومن دون أي تعنيف, وخرجت من المقابلة معجبا , بذكاء ال- كي.جي.بي. .
كيف كانت ردة فعل ال- كي.جي.بي حيال عدم تجاوبك مع هذا العرض الذي قدم لك? وهل أسهم ذلك الرفض في تعجيل طردك من الاتحاد السوفياتي?
لم يصدر قرار مباشر بطردي من الاتحاد السوفياتي, بل طردت فقط من جامعة باتريس لومومبا للأخوة بين الشعوب في موسكو, وذلك يلغي ضمنيا ترخيص الإقامة لي كطالب, فكان لا بد لي من المغادرة.
مافيا يهودية
بمن احتككت أثناء دراستك بجامعة لومومبا في موسكو?
تعرفت على طلبة من مختلف دول العالم, وعلى مواطنين سوفيات من مختلف الأصول والمستويات الاجتماعية, كما كانت لي علاقة بمجموعة من الشيوعيين الإسبان المتقدمين في السن, وتعرفت عن قرب على مناضلين ينتمون إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, كما أنني احتككت في تلك الفترة أيضا ب- المافيا اليهودية في موسكو.
ما هي قصة هذه المافيا اليهودية ? ممن تتكون? وما طبيعة نشاطاتها?
بعد حصوله على الدكتوراه, حرص أحد أصدقائي من الطلبة, وكان متقدما في السن بعض الشيء, على أن يعرفني, قبيل مغادرته البلاد, على شخص يعرفه من أقطاب مافيا الذهب في الاتحاد السوفياتي, وكان ذلك تعبيرا منه عن عمق الصداقة بيننا, لأنه لم يبح بهذا السر لأحد غيري, وقد نصحني ذلك الصديق بأن أوثق علاقتي بذلك الشخص الذي كان يهوديا عجوزا من أبرز قادة المافيا ذات الأغلبية اليهودية.
ولم تكن لتلك المافيا أية علاقة بالجامعة التي كنا ندرس بها, وكان نشاطها الرئيسي المتاجرة سرا في العملات والذهب, كان سعر الصرف الرسمي للدولار في الاتحاد السوفياتي يساوي 67 كوبيكا للدولار الواحد, بينما في السوق السوداء كان الدولار يعادل 4 إلى 7 روبلات, أما سعر صفائح الذهب بالروبل, فكان يعادل في السوق السوداء بموسكو 12 مرة ضعف سعرها بالدولار في جنيف.
مما يعني أن سعر الدولار كان يعادل 12 روبلا في سوق الذهب السرية بموسكو, أما في طشقند , فقد كانت الأسعار تصل إلى ضعف ذلك, وهذه السوق السرية كانت تحت الهيمنة الكاملة ل- المافيا اليهودية .
هل كان لاحتكاكك بهذه المافيا اليهودية تأثير ما في بلورة قناعاتك السياسية والتزامك بالقضية الفلسطينية لاحقا ?
لم يكن احتكاكي بتلك المافيا ذا سمة سياسية, لكنني اكتشفت لاحقا أنهم كانوا صهاينة.
على من تعرفت في موسكو من قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين?
أقدمهم كان رفعت أبو العون, الذي كان متزوجا من ابنة أخت زوجة أندريه غروميكو, وكان أحد زملائي في نفس الصف الدراسي مناضلا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كان طالبا جادا ونجيبا ومناضلا مخلصا. وفي ما بعد واصل نضاله السري في شعبة الأرض المحتلة , وهو أحد الأبطال المجهولين للمقاومة الفلسطينية, وما يزال يفضل أن يبقى في الظل, وأما عن أغلبية الطلبة الفلسطينيين في موسكو, فقد كانوا ينتمون إلى حركة فتح .
تحدثت أيضا عن علاقة ربطتك في الجامعة بموسكو مع مجموعة من الشيوعيين الإسبان المتقدمين في السن, من هم هؤلاء? وما قصتهم?
كانوا مسؤولين عن التأهيل السياسي باللغة القشتالية.
وأغلبهم من قدامى الجمهوريين الإسبان, وكانوا منخرطين في الأحزاب الشيوعية السوفياتية والإسبانية, وبعضهم كانوا ينتمون للأحزاب الماركسية المحلية في بعض مقاطعات الجمهورية الإسبانية آنذاك, وكنا نحب كثيرا هؤلاء الثوار الشيوخ لما كانوا يتصفون به من لطف, ولكونهم من بقايا فترة الحربين العالميتين.
ماذا كنت تدرس بالضبط في موسكو?
الكيمياء.
وهل كانت دراستك للكيمياء, مفيدة, لك لاحقا في مهنتك ك- ثوري محترف ?
إن دراسة الكيمياء مفيدة جدا بالنسبة لمن يريد أن يصبح خبيرا في المتفجرات.
أين ذهبت بعد طردك من موسكو?
بعد طردي من جامعة لومومبا, في شهر يونيو حزيران ,1970 بناء على طلب من المكتب السياسي ل- الشبيبة الشيوعية الفنزويلية برفقة 16 طالبا آخرين, سافرت إلى بيروت في شهر يوليو تموز , في طريقي نحو الأردن حيث تحدد التحاقي التاريخي بالنضال من أجل القضية الفلسطينية, وانضمامي إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
هل حدث أن عدت إلى موسكو لاحقا , بعد طردك من الجامعة وفي أي مناسبات كان ذلك?
مررت بموسكو عدة مرات, في شكل ترانزيت , خلال رحلاتي بين أفريقيا وآسيا وأوروبا الشرقية.
كيف كان رجال ال- كي.جي.بي ينظرون إلى مسألة مرورك بموسكو, بفعل الخلاف القديم الناجم عن عدم تجاوبك مع عرضهم لتجنيدك?
لم يحدث لي أبدا أي خلاف مع رجال ال- كي.جي.بي أو ال- جي.أر.يو كان موقفي دوما هو تفادي الدخول معهم في أية نزاعات.
وفي الوقت ذاته الدفاع بحزم عن استقلاليتنا. وكان حراس الحدود السوفيات يظهرون بشكل بالغ تضامنهم الأممي معنا, بينما تصرفات رجال كي.جي.بي كانت أكثر تحفظا وريبة أحيانا . ولو أنني التقيت بالبعض منهم ممن كانوا من أشد مؤيدي كارلوس , وكانوا لا يخفون ذلك في أحاديثهم معي, حين نكون بعيدين عن ميكروفونات التنصت. لكن من المؤكد أن يوري أندروبوف الذي كان وفيا للأفرينتي بيريا لم يكن يحمل لي أية مودة, وكنت بدوري أبادله الشعور ذاته.