كان أولى هذه الخطوات ، اعتقال القاضيين محمود سليمان رئيس محكمة النقض ونائبه القاضي علي الآغا . ونذكر حينها أننا دافعنا عن قيام السلطات باعتقال هذين القاضيين وانتقدنا كل من أدان هذا الاعتقال من منظمات أو أفراد . وكانت حجتنا أنه ينبغي علينا الوقوف إلى جانب السلطة في حملتها لمكافحة الفساد في المؤسسة القضائية وأن نشد أزرها ونساعدها .
ثم كانت الخطوة الثانية والمتمثلة برفع الحصانة عن القضاة لمدة أربع وعشرين ساعة ، تمَّ خلالها عزل واحد وثمانين قاض من مختلف المحافظات السورية بموجب المرسوم التشريعي رقم 96 لعام 2005 . وسارعنا حينذاك إلى انتقاد هذه الخطوة لمخالفتها لنص الدستور ولمساسها باستقلال القضاء . لكن انتقادنا كان في إطار من التحفظ ، إذ لم نستبعد أن تؤدي خطوة عزل القضاة إلى بعض الإيجابيات كتحسين الأداء القضائي وخلق رادع في نفوس القضاة .
لكننا اليوم وبعد قيامنا بدراسة متأنية لمجمل الإجراءات التي اتخذتها السلطات السورية في سبيل إصلاح القضاء . توصلنا إلى نتائج سلبية للغاية بل يمكن القول أننا أصبحنا على قناعة تامة بأن هذه الإجراءات أضرت بالقضاء والقضاة أكثر مما أفادت - هذا إذا كانت قد أفادت شيئاً - .
فاعتقال القاضيين محمود سليمان وعلي الآغا ، قوبل بانتقادات شديدة تناولت توقيت الاعتقال لماذا تم بعد تقاعدهما ؟ ولماذا اقتصر الاعتقال على هذين القاضيين فقط ولم يمتد ليشمل باقي قضاة الهيئة التي أصدرت القرار القضائي في قضية سادكوب وهم سبعة قضاة ؟ ولماذا الاستعانة بقوى الأمن السياسي لتنفيذ هذا الاعتقال ؟ وما هو دور وزير العدل في اعتقال هذين القاضيين وعدم اعتقال باقي قضاة الهيئة وهل له مصلحة في ذلك ؟ جميع هذه الانتقادات استطاعت أن تشيع جواً من التعاطف مع القاضيين المعتقلين لدى الكثير من المحامين والقضاة في مقابل الشك والريبة بوزير العدل الذي لاحظنا أنه تحدث عن اعتقال هذين القاضيين أكثر مما تحدث عن تقرير ميليس وتهديده لأمن وطننا ومصيره .
أما مرسوم عزل القضاة الذي اقترحه وزير العدل ، فقد أثبتت الأيام أنه لم يحدث أي أثر إيجابي على صعيد تطهير الجسم القضائي من الخلايا السرطانية الفاسدة المتغلغلة فيه . لأن مرسوم العزل صدر دون تبيان الأسباب ، وبالتالي لم يعد من الأكيد أن سبب العزل هو فساد هؤلاء القضاة . لكن وعلى فرض أن سبب العزل هو الفساد فهل يتوقع وزير العدل منا أن نصدقه لمجرد أنه قال أن القاضي الفلاني فاسد ، دون أن يقدم لنا دليلاً قاطعاً على فساده ! وهل بهذه الطريقة كان وزير العدل يفصل دعاويه عندما كان قاضياً جالساً وراء قوس العدالة ؟
والسؤال الأهم : هل القضاة الذين عزلوا هم الفاسدون حقاً ؟ وما سواهم فهو شريف ؟
إذا جاوبنا وزير العدل بأن هناك فاسدون آخرون فقد أثبت الظلم على نفسه لأنه حكم على أشخاص اتهموا نفس التهمة بأحكام مختلفة فعزل بعضهم وترك الآخرين . وإذا جاوبنا بأن العزل شمل جميع الفاسدين وأن من بقي هو شريف حتماً ، فإن الواقع يناقض ما يقوله وزير العدل . إذ ما زالت الرشوة والمحسوبية هي صولجان سلطان القضاء ، وما زالت الظروف الممتلئة بقدرة المال أقوى من كل نصوص القوانين واجتهادات محكمة النقض ، وما زال مفهوم المفتاح و التظبيط هو السائد في ثقافة المتقاضين والعاملين في سلك القانون كالمحامين وغيرهم . وسبب ذلك معرفة الفاسدين من القضاة أنهم نجوا من مرسوم العزل وأن خطوة مثل هذه لن تتخذ قبل سنوات طويلة جداً ، مما فتح شهيتهم وقوى مراكزهم ووسع من سلطان فسادهم .
قد يكون بعض الذين عزلوا فاسدين حقاً ، لكن لا أحد يمكنه الجزم أن جميع هؤلاء القضاة المعزولين هم فاسدون . كما لا يمكن لأحد أن يحدد بالاسم والهوية أن القاضي فلان هو فاسد بدليل كذا وكذا .
والأهم من ذلك أن أي شخص تسأله عن أحد القضاة المعزولين ، قد يجيبك بأنه فاسد لكنه يسارع للقول أن هناك بين القضاة من هو أفسد منه .
والذي يمنعنا من ذكر أسماء قضاة يتداول الناس فيما بينهم أنهم فاسدون ، سبب وحيد أننا لا نملك الدليل القطعي على ذلك ولا نملك سلطة البحث عن الدليل وهذا عذرنا فما هو عذر وزير العدل الذي يملك كامل السلطة للبحث عن دليل الإدانة ؟
لماذا اختار هؤلاء القضاة بذاتهم ... في حين أن هناك رؤوس قضاة أينعها الفساد لكنها لم تقطف !!!!!!!!!!
خاص- سوريا للقضاء والمحاماة