آدم أيرلي , الناطق باسم الخارجية الأمريكية و في معرض تعليقه على
الخطاب الموسع للرئيس السوري بشار الأسد , رئيس الجمهورية العربية
السورية . قال بأن هذا الخطاب يثير الاشمئزاز...!
لقد درجت الدوائر الأمريكية في الآونة الأخيرة و على لسان الناطقين
باسمها من أمثال آدم أيرلي بالإدلاء بتصريحات لا يخلو معظمها من
مساس حقيقي و مباشر بكرامة الشعوب ووجدانها و قياداتها و رموزها
الوطنية ..
لقد جرت العادة على تسمية الخارجية في البلدان بالدبلوماسية . و لقب
موظفوها بالسلك الدبلوماسي . أما رئيسها فأطلق عليه رجل الدبلوماسية الأول ..!
لقد عرفت الولايات المتحدة الأمريكية في فترات سابقة نشاطا ً دبلوماسيا ً
كان قاسمه المشترك , اللهجة الدبلوماسية الدمثة التي انضوى تحتها أحيانا ً
رسائل قاسية و شديدة اللهجة ..!
فكلنا يستذكر كيسنجر و شولتز و بيكر و كريستوفر و أولبرايت . و نتذكر
الرسائل و البيانات الدبلوماسية التي كان يطل بها علينا هؤلاء أو أيٌ من
معاونيهم أو الناطقين باسم دوائرهم ...و لكن و لا واحد منهم اختار أن
يتجاوز الخطوط الحمراء في التعامل الدبلوماسي .
كنا نسمع أحيانا ً خطابات شديدة اللهجة تصدر من البيت الأبيض وعلى
لسان ناطقه أو على لسان سيده . ولكن , غالبا ً ما كان يتلو هذا الخطاب
الشديد خطاب من الخارجية الأمريكية يهديء من سخونة الخطاب الأول .
و العكس صحيح ..!
إن العلاقة بين الخارجية الأمريكية و البيت الأبيض علاقة جدلية قائمة على
الشدة و اللين ..
إن هذه العلاقة الجدلية كانت قائمة إلى مدى قريب . جعلتنا نرى دائما ً
الوجوه المتعددة و الموشورية للسياسة الأمريكية الخارجية في منطقتنا و العالم
مع قناعتنا الراسخة بالانحياز الكامل لهذه الدبلوماسية لصالح طرف دون
طرف آخر ..
على ما يبدو لي أن هذه العلاقة الجدلية للدبلوماسية الأمريكية أصبحت
غير موجودة . فعندما يشتد خطاب البيت الأبيض , يأتي الخطاب الدبلوماسي
ليكرس هذه الشدة بل و يزيد عليها ..
فهل هو النمط الجديد للعمل الدبلوماسي الأمريكي في التعامل مع قضايا الساعة
أم أن هنالك فعلاً خللاً حقيقيا ً و تخبطا ً في التعاطي مع الملفات الدولية و
الأقليمية ؟
و في كلي الحالين , ما الذي دعا آدم أيرلي لوصف خطاب الرئيس السوري
بالمثير للاشمئزاز ؟
فبالوقت الذي يصف به آدم أيرلي خطاب الرئيس السوري بالمثير للاشمئزاز
, فإنه بالوقت ذاته يكيل إلى سوريا شعبا ً و وطنا ً و قيادة عبارات الاستخفاف
و الإهانة بحق كل مواطن سوري . فمنا من هو معني بما يجري على الصعيد
السياسي . و منا من هو غير معني على الإطلاق بهذا الشأن . و لكن جميع
السوريين مجتمعون على رفض الإهانة الموجهة لهم عبر الإساءة لأحد
رموزهم الوطنية ..
إن ما يثير اشمئزاز المواطن السوري و العربي هو أسلوب تعاطي هذه
الإدارة مع قضاياهم في فلسطين المحتلة و العراق و أخيرا ًُ و ليس آخرا ً
ما يجري على الساحتين السورية و اللبنانية ..!
فبعد أن اكتمل سيناريو الغزو الذي بني على الحجة الواهية لراعي الدبلوماسية
قبل الأخير كولن باول بإبراز صور الأقمار الاصطناعية في جلسة مجلس
الأمن الدولي , التي تبين وجود مختبرات كيميائية و اتهام العراق بامتلاكه
لأسلحة الدمار الشامل .
و تكرار التصريحات بوجود خطر دائم يهدد الأمن القومي الأمريكي
لتمرير و تبرير الغزو و من بعده الاحتلال و شرعنة الوجود الأمريكي
في العراق و بالتالي في المنطقة .!
لقد عانى العراق و لمدة تزيد عن الاثني عشر عاما ً من حصار جائر دفع
فيه الشعب العراقي دما ً غاليا ً و شريفا ً من أبناء شعبه الذي تجلى بالنتائج
الدامية لحرب الخليج الأولى من استعمال لليورانيوم المستنفذ و أنواع أخرى
من العتاد الحربي المحرم دوليا ً و الذي تم اختباره للمرة الأولى على شعب
و أرض العراق ..!
ناهيك عن الكارثة البيئية , فقد تسببت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر
أم غير مباشر بكارثة بشرية تمثلت باستشهاد مليون طفل عراقي بسبب
استفحال الآفات الورمية والسرطانية الناجمة عن استعمال أسلحة محرمة دولياً.
كما أن جحيم الحصار الجائر على العراق أدى أيضا ً إلى إزهاق أرواح
مئات الأطفال و المرضى ...
لقد خضع الشعب العراقي و أطفال العراق لاختبارات السلاح الأمريكي
و البريطاني . حتى أن الاختبارات طالت أيضا ً العديد من جنود الجيش
الأمريكي و ظهرت نتائجها البعيدة المدى على بعض هؤلاء الجنود على
المستويين الجسدي و النفسي . إلى درجة أن أطلق الأطباء تسمية مرض
حرب الخليج على جملة الأعراض المشتركة بين هؤلاء الجنود ..!
و ها هو عراق اليوم يعيش عصر الاحتلال الأمريكي بامتياز بكل ما
ينضوي تحت هذا العصر من قتل و تدمير و اندثار ..
و ها هم أطفال العراق في الفلوجة و القائم و في أماكن أخرى من عراقنا
الحبيب يذهبون ضحية عصر الاحتلال هذا الذي لا يرحم بشرا ً أو حجرا ً
أو شجرا ً ..
لقد وصف الرئيس الأمريكي حروبه في المنطقة على أنها حروب صليبية
و اتهم الإسلام بأنه دين العنف و التحريض على القتل . ودعا بالوقت ذاته
إلى شطب آيات من القرآن الكريم بحجة دعوة هذه الآيات للعنف . كما دعا إلى
تعديل المناهج التدريسية و التعليمية في البلدان العربية . و أخيرا ً تحدث عن
الفاشية الإسلامية ..
في الوقت الذي كان جنود الاحتلال في العراق يدكون البيوت و المساجد
و يستبيحون الحرمات و يدوسون بأحذيتهم العسكرية المضرجة بدماء
الأبرياء على المصاحف الشريفة ..
و في الوقت ذاته كان مجندو و مجندات الجيش الأمريكي يعملون إيلاما ً و
قهرا ً و تخويفا وقتلا ً و ترويعا ً بالشعب العراقي في سجون الاحتلال ..
كيف يمكن وصف ذاك المشهد الذي يصور إطلاق الرصاص على جريحين
عراقيين ممددين في فناء أحد المساجد في الفلوجة من قبل أحد الجنود الذي
أرداهما قتيلين .
كيف يمكن أن نصف إعلان الناطق باسم الجيش الأمريكي عن القصف
الأخير لمدينة القائم الذي استهدف بيوت المدنيين على أن القصف طال
بيوتا ً لعائلات إرهابية ....!
ماذا يمكننا القول في تدمير العراق و بناه التحتية و مؤسساته و أمنه و شعبه .؟
و ماذا عن نهب نفط و تاريخ العراق ؟
ماذا عن المشاريع السياسية و الخرائط الموضوعة لرسم الوجه الجديد للعراق
و المنطقة ..
ما القول في ما حدث في جنين و بيت لاهيا و رام الله و غزة من دمار و قتل
و اغتيالات و نسف بيوت و تهجير و اعتقال ..
ما قولك يا آدم أيرلي في كل ذلك ؟
هل أثار اشمئزازك أي ٌمن هذه الصور ؟
أم أنه لم يحرك في دمك البارد رجفة قلب أو رمشة عين ؟
إنك يا آدم أيرلي تنتمي إلى فئة سياسية ليست ممن تستخف بنا بدم بارد فقط
, بل تقتلنا بدم بارد أيضا ً ...
أؤكد لك مرة أخرى يا آدم أيرلي أن كل ما تقترفه أيديكم هنا و هناك هو ما
يثير الاشمئزاز . بل دعني أقول لك إنكم الاشمئزاز بعينه ..