في هذه الأيام ,يكثر في الإعلام العربي ترداد كلمات ومصطلحات من مثل: مؤامرة,استهداف, بنود سريّة, تدوير الزوايا, ..تربيع الدائرة ..
تمر الكلمات مرور الكرام,إلا المؤامرة فإنها تمر مرور اللئام!!
فما أن يتلفظ بها أحدهم عن حق أو عن باطل حتى تنبري له سائر أعضاء الجوقة بهارموني واحد :
يا أخي لا تتكلم بنظرية المؤامرة , مللنا من هذه اللغة الخشبية.
حتى أن المساكين الموكلين بالدفاع عن قضية ما , باتوا يتجنبون هذه الكلمة في الحوارات والتصريحات الصحفية
والبيانات ..ويستعيضون عتها بكلمات من مثل: الإستهداف أو المخطط أو جدول أعمال للمنطقه.
بل ربما ان استخدام هؤلاء السيء ..لنظرية المؤامرة ..وربطهم لكل شيء بها :التنمية ,محاربة الفساد حقا!! ,سيادة القانون, مكافحةالبطالة ,حرائق الغابات..هو الذي أضعف حجتهم .
-2-
إن من يستعرض تاريخ العرب بقديمه وحديثه ..لا بد أن يلاحظ أن الأحداث الكبرى والمنعطفات الحادة فيه
لم تكن لتحدث لولا حدوث مؤامرات وتآمر الأطراف على بعضها البعض.
فعلى سبيل المثال ,في فجر الإسلام اجتماع السقيفة المشهور الذي حدد خليفة المسلمين والتحكيم بين علي ومعاوية ..ثم ألم يقل الرسول الكريم:الحرب خدعة.
وفي التاريخ الحديث, تآمر الانكليز على العرب بعدما استخدموهم ضد الأتراك ووعدوهم بدولة مستقلة من كيليكاإلى بحر العرب , بينما كان سايكس وبيكو يتآمران لاقتسام الكعكة.
وتآمر الحلفاء على الاتحاد السوفييتي (20 مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية) بعد هزيمة هتلر.
وتآمر أمريكا على الأكراد عام 1973 بعد أن استخدموا ضد العراق وذلك لإشغاله عن إرسال قوات لمؤازرة سوريا ي حرب تشرين ..ثم تآمر صدام حسين والشاه عام 1975 للانتقام من الأكراد والثمن اتفاقية الجزائر بخصوص شط العرب ..والتي كانت بدورها من أسباب الحرب التالية عام 1980 بين ايران والعراق.
ثم ألم تكن حرب غزو العراق مؤامرة سيئةالإخراج ..نشهد الآن انفضاح الفصول القذرة وبالتتالي لها.
بل وأكثر ..المؤامرة موجودة حتى في تفاصيل الحياة اليومية:
فأزمات من مثل المازوت والإسمنت وأسعار العقارات والسيارات , هي مؤامرة للتجار والمهربين ومن قبض وخطط وأشرف وغطّى من الحكومة.
والرجال يتآمرون على النساء ,والنساء على النساء, والعمال يتآمرون على أرباب العمل , وهؤلاء على بعضهم
وهكذا ...
-3-
وللمؤامرة جوانب إيجابية .
بل قد تكون كلها إيجابية ..وذلك حسب موقع الناظر إليها..وحسب الجهة التي تستخدم وتخطط وتهدف.
فبما هي ..خطة مدروسة مسبقا لحشد قوى في اتجاه واحد ..بغرض إحداث تغيير ما يخدم الجهة المتآمرة.
فهي بهذا المعنى..تخدم المصالح العليا لهذه الدول ..وعلى المستوى العملي توّفر فرص هائلة للربح , وفرص
عمل لآلاف الأشخاص على كل المستويات .
فمن المخططين والذين غالبا ما يكونون أكاديميين مرموقين يديرون مراكز للبحوث, إلى الجيوش العاطلة عن العمل والتي تستهلك أسلحة تؤدي بدورها إلى دوران عجلة معامل الأسلحة وتصريف الأسلحة الكاسدة.
( أثناء حرب الخليج الثانيه حققت شركات تصنيع الأقنعة الواقية -الكمامات - أرباحا هائلة مع أن هذه لم تستعمل قط ).
وكذلك فرص عمل للعملاء والجواسيس والإعلام بكل صنوفه.
....
إذن شيء جيد أن يتآمر المرء ..وأن تتآمر الدول.ومن المفيد أن نعيد للمؤامرة هيبتها واعتبارها.
ولكن يبقى سؤال واقف في الحلق: إذا كانت الأمور هكذا لماذا لا يتآمر العرب؟
هل لأن أخلاقهم عالية جدا ..أم لأن المؤامرة بحاجة إلى طرف آخر ضحية لتنجح.وهم غالبا يكونون هذا الطرف.
أم لأنهم لا يحسنون التآمر.....إلا على بعضهم البعض.