(عن الفرنسية) ترجمة: إبراهيم ناجي
الحبّ
اني أعبدك، كما أعبد السماء ذات ليل
يا دعاء الحزن، يا أيها الصمت الرهيب
اني ازداد حباً لك يا جميلتي، كلما تهربين مني
كلما يبدو لي يا حلية ليالي أنك تتعمدين، ساخرة،
أن تزيدي الأميال التي تبعد ذراعي عن زرقة السماء الطائلة
اني لأهمّ بالهجوم فأصعد، ولكني كالدود حول جثة
واني لأعشق.. أيتها القاسية.. أيها الحيوان الثائر
حتي هذا الفتور الذي يجعلك رائعة الجمال.
الجمال
أيها البشر: اني جميلة كحلم نحت من الصخر
وهذا صدري الذي من أجله ضحى أناس كثيرون
إنما صنع، ليلهم الشعراء الحب
الحب الأبدي الصامت صمت المادة
اني أتربع على عرش اللازورد كأبي الهول ذي الأسرار
وعندي قلب يجمع بين نصاعة الثلج وبياض البجعة
واني لأكره كل حركة تعبث باستقامة الخطوط وانسجامها
واني لا أعرف البكاء ولا أعرف الضحك
وأن الشعراء أمام منصتي العالية
التي اتخذتها من أروع التماثيل وأشدها كبرا
ليستنفدون أيامهم في دراسة مضنية
لأن عندي - لأفتن هؤلاء العشاق -
مرايا صافية تزيد كل شيء جمالا
هاته المرايا هي عيناي الواسعتان اللتان تشعان صفاء أبديا.
أنشودة الجمال
أيها الجمال: أجئت من أعماق السماء أم صعدت من هاوية؟
في مقلتيك جحيم وألوهة
يخلطان الخير بالإثم خلطا مبهما
ولهذا يكون فعلهما فعل السلاف..
في مقلتيك الغروب والفجر معا.
وإنك لتسكب العطر كمساء ممطر
شفتاك شراب سحري، وفمك قنينة
يجعلان الشجاع جبانا، والطفل شجاعا
أجئت من حفرة سوداء أم هبطت من النجوم؟
ان القدر المحظوظ يتبع أذيالك ككلب ذليل
وأنت تبذر علي هواك المسرات والكوارث
أنت تحكم كل شيء ولست مسؤولاً عن شيء
أنت أيها الجمال تطأ الموتى ساخراً منهم
والرعب ليس أقلّ جواهرك فتنة
والقتل بين باقي حلاك الثمينة
يرقص على صدرك المتكبّر بشغف
تطير الفراشة المفتونة نحوك كما تطير نحو الشمعة
فتحترق وهي تقول: بارك الله في اللهب
وأما العاشق فهو إذ يلهث على صدر جميلته
فهو إنما يشبه ميتاً يداعب قبره
وماذا يهمّ: جئت من الجنة أم من الجحيم؟
أيها الجمال العملاق المخيف الساذج
ماذا يهمّ ما دامت عينك وقدمك وابتسامتك تفتح لي
بابا من الأبد أحبه وأجهله
لا أبالي: أمن عند الله، أم من عند الشيطان؟
ما دمت أيتها الحورية ذات العينين الناعمتين كالمخمل
تجعلين العالم أقل مشقّة والأيام أخف عبئاً
يا لحني، يا عطري، يا ضيائي، يا مليكتي الوحيدة.
شارل بودلير
(1821-1867)