مما لاشك فيه أن الديانات السماوية ما هي إلا رسالة تغيير فكري للفرد والمجتمع، هذا التغيير الفكري لا يتحقق بالعنف والقتل والإبادة، وإنما بالقناعة، والهداية، وهذه، كما هو معروف، تحتاج إلى أساليب سلمية فكرية، وليست عمليات إكراه وقسر وعنف، ومن هنا فان الأصل في الإيمان بالرسالات السماوية هو السلم، وليس العنف والحرب.
تخالف أسلحة الدمار الشامل، وبشكل خاص الأسلحة النووية، المبادئ الإنسانية والأخلاقية والشرائع السماوية، وهي لا تساعد على بناء السلام واستتباب الأمن، لما تسببه من أضرار جسيمة تشمل الأبرياء المدنيين، في الحاضر والمستقبل أيضاً، وتمتد أيضا إلى البيئة بكل مكوناتها، والتي تعد من أهم مرتكزات التنمية الإنسانية.
لقد أرست الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام محبة الإنسان لأخيه الإنسان، ونشر قيم الخير والفضيلة والعدالة بين الناس: شدد المسيح عليه السلام على المحبة حتى للأعداء، "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم"، فكيف تتفق هذه المبادئ مع الفتك بالبشر والحجر باستخدام الأسلحة النووية، وسائر أسلحة الدمار الشامل.
يقول بولس: "فإن جاع عدوك فأطعمه، وإن عطش فاسقه . . . لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير". هذه هي دعوة المسيحية ورسالتها عن عدم الانتقام والمحبة والرحمة.
ومن القواعد الأخلاقيَّة السلمية العظيمة في الإسلام قاعدة: "عدم قتال مَن لم يُقاتِل"، وهي تابعةٌ في الأساس لقاعدةٍ عُظمى؛ وهي قاعدة تحريم الاعتداء على الآخرين بغير حقٍّ، أو التَّعدِّي على الأبرياء بغير ذنب اقترفوه. من أجل ذلك قرَّرت الشريعةُ الإسلاميَّة: أنَّ قتال الذين لا يشتركون في القِتال ولا يَقدرون عليه هو نوعٌ من الاعتداء الذي نهى الإسلام عنه، وذَمَّه وحرَّمه، وعدَّه من الجرائم الحربيَّة، وهذا ما تفعله الأسلحة النووية التي لا تميز بين المحاربين والأبرياء المدنيين، وهي تواصل الفتك والتدمير من خلال تلوث البيئة بالإشعاعات النووية، حتى في الأجيال القادمة.
من الأدلة على ذلك:
- قوله الله - تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190].
ومنها أيضًا: ما رواه مسلم وأبو داود عـن سليمان بن بُريدةَ، عـن أبيه: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((اغزُوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتِلوا مَن كَفَر بالله، اغزوا ولا تَغدِروا، ولا تَغلُّوا ولا تُمثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا)).
ومن وصايا أبي بكر الصديق لأمراء الجُند: "لا تقتلوا امرأةً، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هَرمًا، ولا تقطعوا شجَرًا مُثمرًا، ولا تُخرِّبُنَّ عامرًا، ولا تَعقرنَّ شاةً ولا بعيرًا إلاَّ لمأكلة، ولا تُغرقُنَّ نخلاً ولا تحرقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبُن".
وهكذا لم يقتصرِ النهي عن الاعتداء على بني البَشر فقط، وإنَّما تجاوز ذلك ليشملَ النهي عن الإتلاف، وقطع الشَّجر، وقتْل الحيوانات، وتخريب الممتلكات بغير داع، وهذا السُموٌّ الأخلاقي لا يتفق مع استخدام الأسلحة النووية، وكافة صنوف أسلحة الدمار الشامل.
إن سلامة وأمن كوكبنا لا يتحقق إلا بإزالة ما عليه من أسلحة نووية بشكل تام وعاجل، فهذه الأسلحة النووية ونحو 2000 طن من اليورانيوم والبلوتونيم المخصب هي الخطر الحقيقي الذي يهددنا جميعاً، بل وتهدد هذه الأسلحة في كل لحظة البنية التحتية للحياة على وجه الأرض، ويشكل التخلص منها الأمن الإنساني الحقيقي للبشرية جمعاء في الحاضر والمستقبل.
إضافة تعليق جديد