في الرابع عشر من إبريل المنصرم، توجهت فتيات في عمر الأمل إلى قاعات امتحان مكتظة في مدرسة تشيبوك العليا بولاية بورنو بنيجيريا لأداء امتحان البكالوريا، تخامرهن آمال كبيرة على مسافة أميال من رؤوسهن المكدودة. لكنهن لم ينلن الوقت الكافي لإفراغ حمولة رؤوسهن فوق الأسطر المشدودة، لأن البنادق المصوبة نحو جماجمهن لم تترك لهن رفاهية التفكير في مجتمع تكفيري بامتياز.
تركت فتيات تشيبوك أوراقهن فوق الطاولات، وركضن يسابقن المجهول نحو شاحنات صغيرة اصطفت أمام بوابات المدرسة كصافرات إنذار عملاقة. وبعد أن أدركت الفتيات أن أصحاب البنادق المسومة ليسوا من رجال الشرطة وأنهن قد أحيط بهن، التزمن مقاعدهن اتقاء لشرور حملة الوجوه العابسة. لكن فتاة السادسة عشرة لم تجد البقاء محتملا في شاحنة الخوف، فأطلقت ساقيها للريح، وبسرعة الرعب، اختفى جسدها الصغير بين حراشف الأشجار العملاقة، وتنهدت بعمق حين اكتشفت أنها ليست الناجية الوحيدة من شاحنات الموت. وأن أشجار الغابة كانت حبلى بالمغامرات. وتحت حراسة مشددة من عابر سبيل، وصلت الفارات إلى ذويهن لتحكي لهن تفاصيل الاختطاف المرعبة.
في تمام الحادية عشرة من مساء يوم الاختطاف، تلقى أحد المسؤولين الحكوميين مهاتفة عاجلة تنذره بتقدم مئتي مسلح فوق دراجاتهم البخارية متبوعين بعشرين شاحنة صغيرة نحو قريتهم الآمنة. فقام بانا لاوال بإطلاع حامية تشيبوك التي تتألف من خمسة عشر جندي نظامي على تفاصيل الخطر القادم من الأدغال. فأرسل الجند نداء استغاثة لأقرب ثكنة عسكرية على مبعدة ثمانية وأربعين كيلومترا من الطرق الموحلة. لكن شحنات الموت كانت أقرب إليهم من حبل الإغاثة.
فبعد ساعتين من انتظار ممض، طوق المسلحون رجال الحامية، وبدأت معركة غير متكافئة، سرعان ما نفدت فيها زخيرة الحامية، فاضطر رجالها إلى التدحرج في الأدغال القريبة بعيدا عن جثة رفيق مقاوم. وبعد انتهاء وليمة القصف، توجهت الدراجات البخارية نحو أسوار مدرسة تشيبوك لتحظى بصيد ثمين من فتياتها اللواتي ارتضين ممارسة التعليم "الحرام" في الزمن الخطأ.
وفي شريط مصور حصلت عليه وكالة "فرانس برس"، تبنى أبو بكر شيكاو زعيم حركة بوكو حرام عملية الاختطاف متوعدا الأهالي : "اختطفت بناتكم وسأبيعهن في الأسواق". ومنظمة بوكو حرام لمن لا يعرفها، جماعة نيجيرية مسلحة تسعى لتطبيق الشريعة الاسلامية في عموم نيجيريا، أو هكذا تدعي، وتحارب التعليم الغربي باعتباره رذيلة منكرة. وقد اشتقت الجماعة لنفسها من حروف الهوسا شعارا، واتخذت بوكو حرام (التعليم الغربي حرام) لها اسما عرفت به في المشرقين. وقد تأسست تلك الجماعة في ولاية بورنو عام 2002، ثم انتقلت عام 2004 إلى ولاية يوبي على الحدود مع النيجر، ومن هناك بدأت عملياتها ضد المؤسسات العسكرية والمدنية، واستهدفت عناصر الشرطة ومراكز الأمن وكل من يتعامل مع السلطات المحلية.
وينفي الرئيس النيجيري بكل ثقة أي وساطة بين حكومته والمختطفين قائلا، "كيف نفاوض من لا نعرف." لكن بعض رجال الدين المعتدلين في القرية المنكوبة يؤكدون أنهم يمارسون دور الوساطة بين المسلحين والحكومة. وصرح وسيط رفض ذكر اسمه لوكالة اسوشيتدبرس لحساسية موقعه أن الخاطفين يطالبون بفدية لم تحدد بعد. ويؤكد أن الوساطة هي الحل الأمثل لإخلاء سبيل الفتيات. وفي القرية تروج إشاعات لم يؤكدها أحد عن إجبار الفتيات على التزوج من الخاطفين، وعن موت ما لا يقل عن اثنتين منهما بلدغات الثعابين السامة. وعلى مقربة من معسكرات الاختطاف، يخشى أهالى تشيبوك الذهاب إلى مزارعهم لجني محاصيلهم الذي يعولون عليها كثيرا في البقاء على قيد المسغبة في بلاد يتناول المحظوظون فيها وجبة واحدة كل يوم.
"التعليم الغربي حرام" منظمة لا تعرف من الحرام إلا معاقرة الفيزياء والكيمياء في غرفات المعامل، وترى أن الهجوم المسلح على الفتيات الآمنات واختطاف فرحة التفوق من صدورهن جهاد، وأن المساومة على رؤوس القوارير "الضالات" جائز شرعا، وإجبارهن على التزوج من خاطفيهن مندوب. وبين التحريم والإباحة، تضيع قيم الإسلام السمحة ولا يتبقى من الهدى والرحمة إلا الخراطيش الفارغة والأشلاء وبرك الدماء. وهكذا يعود الإسلام في لغة الهوسا غريبا كما بدأ، ويتحول فوق الدراجات البخارية والسيارات المفخخة إلى أشلاء تحتاج ممن تبقى من علماء الأمة إلى جمعها. وفي نيجيريا تنقسم الخرائط إلى شمال مسلم وجنوب مسيحي بفضل جماعات مسلحة على الجانبين لا تجيد من لغة الرسالات السماوية إلا العنف ولا تتحدث إلا بفوهات المدافع. وهكذا تستمر مأساة فتيات تشيبوك ومأساة المؤمنين في هذا العالم إلى أجل غير مسمى.
إضافة تعليق جديد