هذه الأفكار مأخوذة مما قرأت أو سمعت أو شاهدت أو غير ذلك ، أكتبها من أجل سوريا التي تنهض من رمادها كطائر الفينيق لتكون أجمل...
طالما أن الأرض موجودة فذات يوم سيبدأ بناء سوريا من جديد ولعلها ستبنى لأفضل مما كانت ، ان بناء الأحجار سهل ولكن الأصعب هو بناء الانسان الذي سيكون بانيا وحاميا لسوريا أفضل وأجمل وأرقى ، لطالما تحدث المربون عن اعادة بناء الانسان وقلما عرفنا مالمقصود وماالمطلوب بالتحديد في اعادة بناء الانسان وهنا سأحكي عما يبدو لي جوهرا أساسيا في هذا الموضوع ان لم يكن هو الأهم في بناء الانسان ، ويتمحور الموضوع حول أفكار ثلاثة أترك لكم استكشافها .
نبدأ بقصة يمكن أن يجعلها من شاء حقيقية حين يربي أولاده وسأرويها على أنها حدثت معي : ذات يوم جاءت ابنتي - حين كانت في سن الرابعة - من المدرسة وهي تطير فرحا حاملة في يدها مرحى جميلة يزينها في أعلاها لاصق بشكل نجمة ذهبية كانت مسرورة بشكل لايوصف بها وقدمتها لي لأرى اسمها عليها ، رغم أن السعادة الداخلية غمرتني بما لايوصف إلا أنني تماسكت ولم أبد من السرور إلا القليل فصارت تشير إلى النجمة الذهبية التي تزين المرحى فقلت لها هذا جميل ولكن ماسبب إعطائك إياها فقالت : لقد تعلمنا عملية الجمع في الحساب وكنت الأفضل ، عندها أبديت سرورا كبيرا قائلا : هذا مايسرني فأنت إذا قد تعلمت الجمع بشكل جيد احكي لي ما تعلمته فهذا ما يهمني ، وانطلقت تشرح لي ما تعلمت وكلي آذان صاغية وأنا أسألها أحيانا عن توضيح معين وفي النهاية قلت لها بكل فرح هذا الذي تعلمته رائع وهو مايهمني وليس النجمة الذهبية ، في الأسبوع التالي جاءت ابنتي وهي تحمل في يدها مرحى جديدة ولكنها لم تقدمها لي بل قالت بفرح لقد تعلمت عملية الطرح ، تلقيت الخبر بحماس شديد وجلست تشرح لي الموضوع بوجهها الذي يشع حماسة ، وفي النهاية لم أستطع مقاومة رؤية المرحى فأرتني إياها وإذا بالنجمة الذهبية قد تم نزعها عنها فسألتها عما حدث فقالت لي أن الآنسة نادتها لتسلمها المرحى وبعد أن شكرتها أخذت المرحى وأثناء عودتها لمقعدها رأت عليها نجمة ذهبية فنزعتها وعادت لتعطيها للآنسة مع ابتسامة رقيقة قائلة لها : أعطها لمن يهتمون لمثل هذه الأشياء .
ضحكنا كثيرا ثم أخرجت مافي جيبي من نقود وقمت بتطبيق عملي عن عملية الطرح مبقيا المطروح في يد ابنتي . بعد سبع سنين تكررت نفس الأحداث تقريبا مع ابني بما فيها المكافأة على تعلم عملية الطرح 0 ثم بعدها بأسبوع عاد بابتهاج أكبر من أي مرة سابقة فقد تعلم عملية الضرب وقد تأكدت أن سبب البهجة الكبرى هو رغبته في الوصول إلى التطبيق العملي على مافي جيبي حيث انه بعد أن شرح لي كل شيء وابديت سروري لما تعلم طنشت عن قضية المثال العملي فنظر إلى جيبي وطالب به فنفذت المطلوب وقد اختار المثال من جدول الضرب بسبعة ثم قلت له حاول ألا تصرف الكثير لكي نطبق عليه مثلا عمليا حين تتعلم القسمة في الأسبوع القادم .
لاأريد الاستطراد في شرح أهمية الطريقة المقترحة أعلاه إلا أنها في أحد نتائجها تشكل مدخلا للتعلم الحقيقي ولتفادي محاولات الغش والنقل في الفحوص بكل آثارها السلبية المباشرة والبعيدة مثل غرس قيم سيئة في اللاوعي مثل السرقة والكذب عبر تزوير النتائج ، ولعل الأهم من ذلك هو أنك باتباع الطريقة أعلاه فإنما تضع لبنة كبرى في إشاعة المحبة بين الطلاب بدل التنافس الذي غالبا ما يكون شديدا مؤديا إلى مايقارب البغضاء فالطريقة المذكورة تجعل المعركة حربا على الجهل والنصر فيها هو اكتساب المعرفة ولا يعود العدو هو زميل الدراسة حيث النصر يتمثل بالنجمة الذهبية .
حين أتقنت ابنتي - ثم ابني - القراءة حرصت على أن يتوافر في متناول أيديهم كتب فيها جاذبية للقراءة كما فيها توسيع أفق وتنمية للتفكير ولم أجد افضل واجمل من كتب المعرفة الشديدة الجاذبية برسومها ومواضيعها .
حين تستمر في الفترة الأولى من التعلم بإبداء الحماس لما يتعلم الطالب بغض النظر عن كونه نال عليها مكافأة أم لا فأنت تساعده على تشكيل منعكس شرطي من السرور عبر اكتساب المعرفة ثم ستراه يتجه تلقائيا إلى المطالعة المفيدة ، طبعا يفضل أن تكون المطالعات متنوعة فالعلوم مدخل رائع إلى بهجة العقل من خلال فهم كيف تحدث الحوادث الفيزيائية في هذا العالم ومنها كتب الفيزياء المسلية ثم طبعا هناك كتب التاريخ التي يمكن استعمالها بنفس الوقت كمن يتمتع بقراءة قصة كما أنها تشكل تطبيقا عمليا لعلوم الاجتماع في حركيات المجتمع بصراعاته وآماله كما تبث فيه روح البطولة وحب الوطن .
أود قبل الانتقال إلى الفكرة التالية أن أؤكد على أهمية انه لاحقا حين يصل الأبناء إلى مرحلة قراءة مواضيع فكرية عندما يشعرون بالحاجة إلى اعتناق عقائدية معينة تكون هاديا لهم في مسار حياتهم فأعتقد فعلا أن الأهل لا يتوجب عليهم ، وبصراحة اعتقد انه لا يحق لهم من منطلق اخلاقي أن يفرضوا آراءهم على التشكل الفكري لأبنائهم ، ذلك أننا إذا افترضنا أن الأهل حتى ان كانوا ملتزمين دينيا فيكفيهم تذكر أن المقاصد العليا للشرائع مثل الاسلام والمسيحية إنما تهدف لنفس القيم الإنسانية التي تحض عليها كل المدارس الفكرية في كل دول العالم - تقريبا - فأنت لن تجد مدرسة فكرية تحض مثلا على عدم العدالة أو على عدم المساواة الخ ( وبعض المدارس التي تدعو لغير ذلك فهي تنتهج السرية في هذه الأفكار المتنافية مع العقل والفطرة السليمة ) ولذلك فمهما كان الكتاب الفكري المنشور فلا مانع من أن يقرأه الشاب كما لامانع طبعا من أن يطرح الأهل قناعاتهم الفكرية أو العقائدية على أبنائهم ولكن بصفة الاقتراح وليس بصفة الإجبار والإكراه وهذه القضية بالذات هي المدخل إلى الفكرة الثانية :
فماذا عن الفكرة الجوهرية حول المناهج والتي تشكل فلسفة صياغتها المحدد الأول لنهضة شعب بكامله ، دعونا نأخذ مثالا عمليا عن درس في التاريخ حيث أن الشيء بالشيء يذكر ولنفترض أن الدرس كان عن الوحدة بين مصر وسوريا ثم الانفصال فهذا الموضوع يتكون من بيانات تاريخية عن الأحداث ثم هناك طريقة صياغة هذه الأحداث ضمن منظومة معينة تأخذ موقفا معينا من الأحداث التاريخية وهو مااعتدنا عليه في مناهجنا والفكرة هي أن كل المطلوب هو ألا يتم تلقين الطلاب وجهة نظر وحيدة حول الموضوع بل السماح لهم بأن يكون لهم رأي في الموضوع بل الأفضل هو أن يطلب منهم أن يكون كل منهم وجهة نظر خاصة به حول ذلك فدور المدرسة هو بناء السوري الحر الذي لا يقبل بأن يتم تلقينه المواقف التي يجب أن يتخذها بناء على آراء الآخرين ، هذا النهج هو ما يسمح بتشكل إنسان يبني الدولة ويحميها. طبعا فان إجراء دروس حوارية بهذا الشكل يتطلب تأهيلا مناسبا للأساتذة مما يتطلب إعادة صياغة مناهج الأساتذة أيضاً وهي عملية تحتاج وقتا فهنا يأتي دور الأهل ان أرادوا للقيام بحوار عن الموضوع حيث الأساس أن يترك له تشكيل رأيه الخاص مع الأخذ بعين الاعتبار المحافظة على ثوابت الانتماء للوطن والقيم الإنسانية وان كان لذلك برأيي آليات خاصة به تتم في بدايات تشكل وعي الإنسان وسأعود إليها . طبعا فان اكتساب الطالب لمهارات مماثلة لا يتم في درس أو درسين ولكن مع المثابرة تصير آلية التفكير الحر جزءا من كيانه فيتحقق المطلوب .
مهما تحدثت عن أهمية هذه الناحية فهي أهم ، أنها مايجعله عميق الفهم لما يقرأ ، انها مايؤهله ليصير باحثا تلقائيا في كل ما يفعل وبالتالي يقدم أفضل الحلول في كل خياراته ، انها الضمان الأكبر لبناء جيل بعيد عن التطرف ، هذا البند الأخير قد يتطلب توسعا ليس هنا مجاله ولكن يكفي أن نلاحظ أنه مامن منظمة متطرفة إلا وتجد في تركيبها العقائدي فكرة الطاعة العمياء لنهجها وأفكارها وقراراتها فهي تلغي عقل أتباعها أما صاحب الفكر الحر فمنيع عليها .
إذا افترضنا أن المذكور أعلاه تحقق وحصلنا على إنسان عقلاني بحاث في منهجه منتج في أعماله فنحن لم نتعد أننا أنتجنا آلة فعالة فماالذي ستنتجه ، أي ماهي القيم التي ستشكل منارة أهدافه في الحياة وكيف سيتم غرسها في نفسه . ان هذا الموضوع هو الأهم فما السبيل إلى بناء الإنسان الصالح الإيجابي الخير ؟
أنوه في بداية هذه الفكرة وهي الأخيرة في المقالة الحالية إلى أنها لا تتناقض أبدا مع الفكرة التي سبقتها حول تشكيل الإنسان الحر التفكير فكل القضية أن المطلوب هو تثبيت ماتتفق عليه كل الشرائع والمبادئ الأخلاقية وهما المرجعان اللذان انتهجهما الإنسان على مر الأزمان أساسا في تشكيل الإنسان الخير الطيب الإيجابي ولعلنا بتأمل بسيط تاريخي ومنطقي سنرى أن كل آلام وأحزان وكوارث البشرية التي نتجت عن أفعال بشرية إنما نتجت عن أشخاص افتقدوا هذه القيم كليا أو جزئيا وكانت الآلام التي سببوها كبيرة بمقدار ماكان دورهم كبيرا في الحياة ، فهناك على الأقل الأذى بالمحيطين في العائلة والبيئة المحيطة في المجتمع والعمل ، وتزداد الشرور طردا بمقدار ماتطاله يده المسيئة .
بالمختصر المفيد انها العنصر الأهم على الإطلاق وطريقها باختصار هو أن تتم تربية الأبناء في طفولتهم الأولى من قبل أكثر الأشخاص المتاحين في البيئة المحيطة حكمة وتبصرا وإنسانية . أما آلياتها فأولها قصص قبل النوم أنت حين تخترع قصة قبل النوم فأنت تنقل عبرها قيمك وأفكارك وتنير عبرها مناهج في الحياة ، مهما أكدت على أهمية هذا العنصر فلن أفيه حقه فهو يأتي عادة في أول وأهم وأعمق مراحل تكون الشخصية وهو يأتي في لحظات قبل النوم التي يكون الطفل فيها مأهبا للتلقي في حالة تشبه التنويم المغناطيسي ، العنصر الثاني هو انتقاء مايراه الطفل من أفلام الكرتون خاصة والثالث هو الحديث الذي يتم معه حول مايمر به الطفل في بدايات تفاعله المجتمعي في المدرسة وفي الحي ومع الأقارب .
تخيل كيف سينشأ الطفل إذا كان من يقوم على العناصر التربوية الثلاثة مساعدة المنزل الفيليبينية مثلا كما يتم بغزارة في بعض الدول العربية ، وبين أن يترك الولد بأدنى درجة من الإشراف بسبب انشغال الأبوين وارهاقهما في العمل كما في أميركا حيث الجد والجدة منبوذ ان عمليا وحيث أظن ذلك هو العنصر المباشر وراء حوادث العنف الجماعي المتكررة في المدارس وغيرها وهو ما يصل إلى مستوى تناقله في الأخبار العالمية لكنه يعني أن خلفه معاناة واسعة على مستوى عموم الطلاب مثل ظواهر الطلاب المتنمرين التي نراها على مسلسلاتهم والأسوأ هو الآلية التي يتم خلالها رسم الحلول لهذه الظاهرة حين يتدخل شخص كبير عادة لمقابلة العنف بالعنف المضاد بل بعنف أكبر ، وقارنوا كل ذلك ببيئتنا الحمصية والسورية عموما حيث يتولى الجد والجدة الإشراف عمليا على العناصر الثلاثة في كثير من الحالات وذلك من منظور سعة أفقه وقيمه الإنسانية .
اعذروني إذا أكدت على أهمية هذا العنصر الأخير وأتمنى أن تستعرضوا في مخيلتكم الفرق بين النماذج الثلاثة من المربين وذلك في كل من العناصر التربوية الثلاثة المذكورة في الفكرة الأخيرة .
يؤسفني حقيقة أنني أطلت لكنها أمور أظنها شديدة الأهمية .
الأفكار أعلاه مأخوذة مما قرأت أو سمعت أو شاهدت أو غير ذلك ، أكتبها من أجل سوريا التي تنهض من رمادها كطائر الفينيق لتكون أجمل ، أما التكاثر السكاني المبالغ فيه مثل إنجاب عشرة أولاد مثلا في حين أن سوريا تتناسب مع إنجاب ولدين في كل عائلة لاأكثر فكارثة الكوارث هي استمرار زيادات الولادات ويكفي أن تعلم أنه بتعداد 22 مليون نسمة لم يكن توازن استهلاك المصادر الطبيعية موجودا في سوريا بل كان يعتمد على استنفاذها الذي بلغ في آخر دراسة 40 ٪ من مخزوناتها مثل المياه الجوفية . هذا الموضوع كبير جداً في أهميته ونتائجه ويحتاج تناولا واسعا لكنني أظن أننا جميعا نعي أهميته والسلام .
إضافة تعليق جديد