تحقق مثل هذه الأعمال الفنية نظرية الفن للفن، وتتكشف لنا في أعمال الفن المجرد؛ كونه- الفنان- يتحرر من العوامل الخارجية، فهو يعني به : انه حر لخلق (فعالية فردية حرة متجددة).. هكذا تحصر قيمة الفن في بنائه الداخلي فحسب في اتساق عناصره وأجزائه .. العمل متآلف في كل مستقل عن أي شرط خارجي – ينبثق هذا عن نظرية (كانط،كانت) في علم الجمال الشكلي : والتي تنبعث من تنظيم اللا منظم للأشكال بشكل، والذي يخلق جماله الخاص من علاقات التركيب بعشوائية، تلك سمة تتبدى في أشكاله التي تُدرَك (دون الحاجة إلى تصور شكل معين) مع ذلك يحكم المتلقي بان العمل جميل في ذاته، انه يخلق المتعة الجمالية " بالرغم من ان الحكم متوقف على الذات التي تدرك الاتساق بين قوى النفس وملكاتها" (*). ان لعناصر الجذب الجمالي دلالتها الشكلية والرمزية بتأمل التعبير عن معاني الرموز للأجساد التي احتلت مساحة العمل الفني، يود الفنان هنا ان يحصل على مشاركة المتذوق للعمل بخياله من خلال الأحاسيس التي تتضمنها اللوحة ولو كانت مضمرة بعض الشئ ( حاول ان يخفيها عن قصد) لا يريد التصريح بها مباشرة، فتحقق ما يسمى (دلالة القيمة للعمل) باختزال التجربة الجمالية في عرض الصورة الجميلة – تحقق فعل الجمال- لتميز المعنى، انه السمو بالفن إلى ما فوق الإنسان للوصول إلى الغرض الجمالي المفترض بفعل التمزق الجذري ونسبية الحركة والسكون انه الاختلاف أو الجدل بين الأسس للشكل الواقعي والأسس للشكل الذهني عند الفنان، وهو مسعى لخلق حالة فنية فردية خالصة من خلال التوصل إلى حقائق شكلية كلية خاصة حققت التميز بفضل تمزيق العادة في الاستجابات البصرية والعاطفية، ومن هذه الأعمال على سبيل المثال أعمال الفنان العراقي ستار نعمة والتي قوى عنصر الانتباه للمتلقي هنا. نلاحظ في العمل الفني انه تقيد بدور المنهج الاستنباطي الشكلي بطريقة التفكير لصالح التجربة (تجربته الخاصة). وتحدد هذا عند كانط حقيقة أنه توجد في عقل الإنسان أشكال قبلية (أولية) للتأمل الحسي مسبقا تتمثل فيما بعد ببعدها التعبيري، عصارة خياله ليحولها إلى نوع من التركيب، يعكس لنا حالة بين تعدد الأشكال الحسية ومفاهيم العقل والتي اسماها الفنان الجسد فطرة التعبير كعنوان لمجموعة من أعماله الأخيرة.. أراد ان يحيي حياة الصور بتتبع المتلقي لخطوط الأشكال بالثقل والسهولة والهدوء بحركات خطية مرسومة وبقع لونية، يشعره بالحركات التي تنتقل إلى كيانه بفضل عمل الخيال وهذا سيشعره بالاستمتاع والغبطة باعتماده - ستار- الألوان المعتمة والزاهية والبقع المتضادة مع الأسود (الفحم) الواضح مستغنيا عن العمق الفراغي.. هذا يذكرني حين تساءل سقراط : "ماذا عسى ان يكون الجمال" قصد من وراء سؤاله معرفة ماهية ذلك المدرك الكلي الذي نسميه (الجمال) إذن هي مهمة معرفة ماهية (الجميل) وهذا الفهم الأفلاطوني هو بعينه فهم هيجل لمهمة علم الجمال حيث يقرر : أنه لابد لنا من أن نتخذ نقطة انطلاقنا من (الجمال) بوصفه (فكرة Idea(في الطبيعة والفن على السواء. أنها هندسة الإقناع في الاتصال الإنساني والصدق مع الذات (علاقة تواصلية) متحررة حاول فيها الفنان صياغة قواعد لفكرة التشيؤ تقوم على الحوار الحر .. وهي لغة جديدة أخرى للتواصل عبر الفن المعاصر توصلنا إلى ملامح الفعل التواصلي العقلي والذوقي الجمالي، انه فتت الشكل ليركب المدلول بتذييب المدلولات).
2015
_______________
(*) محسن عطية - غاية الفن- ص 67.
إضافة تعليق جديد