لم يعد الحديث عن البطالة والفقر سيد المجالس في البرازيل، ولم يعد يسمع للنشطاء الذين حاولوا الوقوف على قضبان الساحرة المستديرة في ميادينها رجزا. في برازيليا، نسي الفقراء بؤسهم والضرائب التي أثقلت ظهورهم، وسمروا أحداقهم فوق شاشات الزجاج في انتظار مواسم الهتاف. وفي ريو دي جانيرو، لا صوت يعلو فوق صوت الأحذية الرياضية فوق أرض الملعب. والكل في مدن السامبا يعزف لحنا غير منفرد لبلاد تحولت إلى مصنع كوني يصدر الأقدام الماسية إلى كافة المدن العاشقة للعبة.
وفوق ترتان ملاعبها الزاهي، تتراكض الأسماء اللامعة، فتتصادم حينا وتتراكض أحيانا، لكنها بعد كل مباراة حماسية تتصافح، وتعود لتضيء ليل البلاد الساحر بكوكبة رائعة من نجوم الكرة. وفوق المقاهي، ينسى البرازيليون قرونا من الاستعمار المقيت لبلادهم، فيصفقون بنفس الحماسة للاعبي البرتغال وأيرلندا، ففي البرازيل، لا فضل لكروي على كروي إلا باللمسة والتمريرة والركلة.
وفي البرازيل، يمكنك أن تشتري أي شيء، فكل شيء في ليل البرازيل مباح، وحتى الصباح. لأن شهرزاد البرازيل لا تكف عن الغنج، وديكها مقطوع اللسان. وبما أن القانون في برازيليا في خدمة السائحين، فلا غضاضة أن تستعين الدولة بفنادق الهوى لاستيعاب ما فاق قدراتها المتواضعة. صحيح أن تذاكر المبيت في تلك الفنادق خمسة أضعاف مثيلاتها في المواسم المعتادة، لكنها حتما تقدم من الخدمات ما يستحق.
وفي البرازيل، يمكنك أن تشاهد مباراة بين دولتين لا تجمع بينهما إلا الكرة، أو بين فريقين لا يجمع بينهما إلا المكان. ويمكنك أن تصفق بحرارة أو تضحك حتى تدمع عيناك وأنت تشاهد كرة قدم نسائية بين فريق من العاهرات وفريق من اللاعبات البروتستانتيات الأمريكيات المتعاطفات مع عاملات الجنس. هي ليست حملة تبشير تلك التي شهدتها مدينة بيلو بريزونتي، ولا حملة تقليدية تندد بممارسات بائعات الهوى، لكنها حرب كروية أثبتت فيها عاهرات البرازيل أنهن يستطعن الانتصار في أماكن أخرى غير الفراش.
هناك، وفي نفس المدينة التي شهدت مباراة كولومبيا واليونان، وقفت بائعات الهوى مرتديات زي بلادهن الكروي في مواجهة فريق من البروتستنتيات المتعاطفات لتطالبن بحقهن في الرذيلة والاحترام. وقد تمكنت بائعات الهوى من إظهار براعة غير متوقعة في حلبة الركض، واستطعن أن ينتزعن شهقات المتابعين للمباراة العارية.
"من العدالة أن يحصل جميع الأفراد على نفس الحقوق، وكوننا عاملات ليليات لا يعني أننا أقل قدرا من غيرنا،" تقول باتريشا بونجس. "وقد تمكنا بالفعل من تحدي هذا التمييز الطبقي المعيب." وهو بالضبط ما تراه لاعبات الفريق البروتستانتي المهزوم. تقول جيني جاك:"إن كنت تحب الناس، فلا يجب أن تحكم عليهم. وبما أنك لا تستطيع تغيير الناس، فلا بديل عن محبتهم." ويبدو أن حماس جيني قد أنساها لوهلة أن الحكم الذي سيلي هزيمتهم النكراء من فريق العاملات الليليلات سيكون حكما على القيم والأديان، وليس على عدد لا يستهان به من بائعات الهوى في البرازيل.
لكن المتابع للأحداث، قد يلتمس عذرا لفتيات أمريكا الغريرات اللواتي لم تتدربن بالشكل الكافي على الحيل الكروية التي تجيدها فتيات الليل البرازيليات. فقد سبقت تلك المباراة الودية تدريبات شاقة استهلتها نقابة المومسات عام 2013 بكورسات مكثفة لثمانين ألف غانية لتعلم اللغة الإنجليزية وفنون الغنج، أشرف على إعدادها بعض المتخصصين العاشقين لعلب الليل البرازيلية، . وهكذا، استطاع فريق العراة أن يبلى بلاء حسنا في معركتي الليل والنهار من أجل الدفاع عن حقوقه في العيش والكرامة.
استطاعت مومسات برازيليا أن تقدمن عرضا مغريا للمشاهدين الجالسين في مدرجات معركة فاصلة تدور رحاها بين قوى الحق والخير والجمال، وقوى الشر والفتنة والغواية، في الوقت الذي قدمت فيه البروتستنتيات الأمريكيات عرضا هزيلا غير مقنع أظهرن فيه أداء يبشر بانهيار القيم وتراجع الأديان. الشيطان يسجل تفوقا ملحوظا في كافة الصراعات التي تدور رحاها فوق كافة الملاعب، في حين تتراجع القيم والأخلاق والأديان. صراع بيلو بريزونتي ليس صراعا كرويا فقط يخوضه فريق من بائعات الهوى لنيل حقوقهن المقدسة في الاحترام والكرامة. إنما هو صراع كوني بين الشيطان والإنسان يوشك أن يحسمه المتدينون بفجاجتهم وقلة خبرتهم لصالح عاملات الليل اللواتي تجدن فنونا أخرى غير كرة القدم.
إضافة تعليق جديد