في عام 2000 استدعاني الدكتور محمد سلمان وزير اﻻعلام السابق وطلب مني ان اكتب مسلسلا دراميا عن مرحلة " سايكس بيكو " التاريخية ( التي نعيش فصولها اليوم بنسخة معدلة ) .نادى المدير العام عادل يازجي وامره بان يقدم لي سلفة مالية قدرها مائتان وخمسون الف ليرة اي بزيادة مائتي الف ليرة عن المعتاد .
لأول مرة أشعر بأن هناك أناسا في موقع المسؤولية يفكرون بالتاريخ .
قصيت عاما بالبحث والقراءة والكتابة وانهيت العمل تحت عنوان " أرض الأم " .
في هذه الفترة كان التقارب السوري التركي في بدايته . فتوقف العمل عدة سنوات بتوجبهات رسمية قيل لي انها صادرة عن وزير الخارجبة الاستاذ فاروق الشرع شخصيا .توجهت الى وزارة الخارجبة برسالة للسبد الوزير سلمتها لكبار موظفيه يدا" بيد . اذكر منها الفقرة التالبة : " الديبلوماسية تتغير لكن التاريخ
ثابت ﻻيتغير ..ﻻيحق لك ان تحجب التاربخ عن أجيالنا " .
بعد أعوام أخرى من اﻻحتجاج والتجاذب وصل النص ليد الدكتور خلف الجراد رئيس تحرير جربدة تشرين و " البعثي جدا" .. واعطي له القرار الفصل . كتب الجراد في تقريره : هذا العمل يسيء لعلاقات الصداقة مع تركبا " ناهيك " - هكذا وردت بالحرف - انه سيثير ردود فعل اسرائيل ضدنا نحن في غنى عنها الآن !!
ردا على هذا البعثي جدأ كتبت مقالا في مجلة جهينة شرحت فيه ظروف هذا العمل
- موجود على النت - بعنوان " عابرون في وطن بتوهمون انه عابر " .. وعلى ما
أذكر آخر عبارة فيه كانت :" .. هذا ان بقيت سورية " .
الدكتور محسن بلال كان وفتها وزيرا للاعلام ..صب جام غضبه فوق رأس رئبسة تحرير المجله المستقلة منطلقا من صرخة راعدة :" من هو هذا القمر الزمان ؟ "
..فرددت عليه في مقالة في جربدة الوطن قلت فيها :" اما انا مواطن سوري يضمن لي الدستور حرية التعبير ..واما انا ﻻشيء وهذا يعني انكم تحكمون في مملكة ليس فيها أحد " .
هذا العمل الذي سهرت من أجله الليالي لم ينتج ولايزال في درج مكتبي حتى الآن.ومعه عمل آخر عن الحرب لايزال مجمدا في مكاتب المسؤولين منذ ثلاث سنوات (سأحدثكم عنه فيما بعد ) .
اروي لكم هذه القصص من تجربتي الشخصية لأقول لكم بكامل الثفة والمسؤولية :
ﻻأحد منهم يفكر بالتاربخ ودروسه . ﻻأحد يفكر بحاجة الناس لفن واع نظيف .ﻻأحد يفكر بتعزيز روح المواطنية عند الانسان السوري .ﻻأحد يفكر اﻻ بجمع الثروات والحكم الأبدي عن طريق تعويم الغثاثة والتفاهة في الثقافة والفن لتعطيل الأدمغةوتفريغها من طاقاتها الابداعية والتحكم بأنماط التفكير .
ذات مساء بعيد دعاني الفنان الصديق أيمن زيدان الى مكتبه في شركة الشام وكلفني بكتابة سيناريو تلفزيوني لسيرة الزير سالم .وذلك قبل ان تنتجه شركة سورية الدولبة . قرأت السيرة وذهلت لحجم المخاطر الفكرية التي تنطوي عليها رغم جاذبيتها الادبية .عصبيات قبلية . ثأر . حب الرئاسة .غدر.تقلب وﻻءات . فتن . اقتتال دموي ..الخ ..تقول لنا مناورة : انكم قبائل متناحرة ومن المستحيل تحولكم الى امة واحدة . أكثر من هذا ..في الفصل اﻻخير تفصح عن نفسها بجلاء حين بنتقل الزير سالم الى المملكة اليهودية في فلسطين ويتزوج من فتاة يهودية فيكون هذا سببا كي يصبح انسانا سويا وتسخر له السماء الحكمة والمعجزات .
قلت للصديق ايمن : هذا العمل صاغته أقلام يهودية وليس من مصلحتي او مصلحتك تكريس هذا الأثر اليهودي وتخليده فنيا .
لم يدعني اكمل كلامي . التقط كتاب السيرة من يدي والقاه في سلة القمامة .
خسرت انا فرصة عمل . ولكن ايمن زيدان خسر ملايين الدوﻻرات .في ذاك الوقت كان لدى هذا الفنان هاجس ابداعي ومشروع فني وطني ﻻيساوم عليه .لم يكن يقلقه شيء آخر مثلما يقلقه خيانة جمهوره .لذلك ازدهرت الدراما على يده وتألقت .
وهنا أظن ان الهمروجة الاعلامية الواسعة التي حظي بها مسلسل الزير سالم مصحوبة باحتفالات صاخبة وهدايا مالية خرافية ، كان فاتحة الوبال الذي أصاب الدراما السورية فيما بعد . فتحت أعين قوى السيطرة السياسية والمالية على الامكانيات الهائلة التي تمتلكها هذه الدراما على حمل الرسائل والأفكار والقدرة على التأثير .
كيف ؟ وبالأمثلة .
يتبع...
إضافة تعليق جديد