حظيت رواية "سبتمبر" للكاتب توماس لير باهتمام كبير من قبل النقاد باعتبارها إعادة سرد لأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر والحرب التي تلتها في العراق وترويها أربعة شخصيات هما المراهقتان منى التي تعيش في العراق وسابرينا التي تعيش في نيويورك ووالداهما طارق ومارتين.
طارق
في ما يتعلق بالقيلولة لم يعد أحد يستشيرني حولها لكني لا زلت أتذكر نظاما أو آخر للصحة لغالينوس أو موسى بن ميمون يوصي بالاعتدال في الطعام والنهوض بعد الوجبة بدلا من الاسترخاء والأكثر جدوى خلال ذلك عدم تصريف البول أو ضغط الإليتين وقد حذر ابن سينا أيضا من النقرس والزكام والصداع التي ارتبطت بالنوم في النهار وإذا كان لا بد من ذلك فعلى المرء أن يقتصر على نصف ساعة يقضيها بحزام مفتوح ومن غير حذاء ولكن بقدمين مغطاتين في مكان معتم ما أمكن
أنا عادة من رأيه ولكن استحوذت علي المأدبة مع فلاسفة السلطة والرسم حتى أنني قضيت يوم أمس بجمجمة فارغة تماما وكأنها مشطورة رغم المواد السحرية الموجودة تحت تصرفي (لترين من الماء وثلاثة أقراص أسبرين) فلم أستعد وعيي تماما إلا مساء (وهو أمر مستغرب جدا) وطاقتي ليلة أمس حين أقبلت علي فريدة فجأة أو بالأحرى أخذتني إليها
لكني انقدت لها تماما مثل دمية دب عتيقة ونمت لذلك نوما قلقا تماما أيضا حتى أن زيارات نهاية الأسابيع الأربع الضرورية كانت متعبة تماما فسقطت بعد الظهر على سريري مرهقا خلاف ما اعتدته وما تفرضه الفطنة العالية
إنه نصف نوم غريب غير محدد ارتفعت فيه أكثر مما غصت وبدا لي وكأني في وضع معلق دقيق منذ ساعات كما لو أمكن أن أسقط في أية لحظة وكما لو كنت أكثر تعبا من أن أقوم بأقل تغيير لوضعي يحيط بي لا شيء غريب متبلد ورمادي لكنه ليس مزعجا حقا بل محرِّر إنه ببساطة غياب الشكل (المزعج) أسبح مثل غيمة رمادية لا تحمل المزيد واليقظة يا صديقي في مثل هذه الحالة شيء عظيم تماما حيث يتغلغل المرء من خلال طبقات القطن المنفوش من شيء لا اسم له ولا يمكن تحديده أكثر من هذا إلى أنا مضببة بصورة تامة أيضا هكذا كما لو أنه يعود إلى نفسه بصورة مفاجئة تماما أو إلى بقية العالم من منظور الإنسان الطائر
الذي اخترعه المعلم ابن سينا (أفيسيناكم)* ثانية ليعطينا نحن الناس العاديين تصورا عن مدى قلة ما يحتاجه نشوء الوعي وما علينا إلا أن نستغني عن الساقين والأذنين والأنف والعينين والفم ونفكر في أننا معلقون في الهواء الطلق (من غير حبل أو خيط بالطبع)
هناك نتحسس أنفسنا نعي أنفسنا نفكر فينا
ولكن بماذا؟
اعتقَدَ ابن سينا أنه أثبت وجود الروح أيضا
يشعر المرء خلال العودة إلى نفسه كهذا و ذاك وأنا أحيي نفسي بانتصابٍ طائر غريب لا بد أن يكون ذكرى حادثة أكثر غرابة مع سيدة رقيقة تفوح بعطر زهور الياسمين والمسك وهكذا فقد شكرنا الزمن والذاكرة والمرأة ماذا يريد المرء أكثر من هذا أعتقد أنني زوجها منذ آلاف السنين ولنا جيش من الأولاد ولكن أين فقط أين
هنا تخطر الأهرامات الزجاجية على بالي
وأرى ملالي مشتعلين يمضون فوقها مبتعدين
مجيد أيها الكلب المجنون ألم يتنبأ علي أن الشيعة سيشنقونك حالما يأتي بهم الأميركيون إلى السلطة أين كنتُ
قد وقفت محلقا
آه الملالي والمسلمون ولكن ماذا أستطيع أن أقول لك عن المؤمنين يا صديقي كنت آخر مرة في مسجد قبل أربعين سنة أنا باريسي كلا
عربي
عربي في باريس يا صديقي هنا عرضت هيأة الخوف الغريب
قبل أقل من خمس وعشرين سنة لا تزال مدركة وثلاثين سنة انقضت أيضا وأنا معلق ونصف نائم في الخامسة صباحا بالعرى المتدلية من السقف في الطريق إلى النوبة الصباحية في مستشفى سالبرير في الحافلة الليلية مثقل بالنعاس بعد عمل أربع وعشرين ساعة ناضب ولكن مغتسل تحت رشاش الماء للتو ومرتدٍ ثيابا أفضل من أن أبدو فيها كصانع سجاد أو تاجر مخدرات الجمال تخب عبر الحي الفارغ خلف أجفاني كلاب رعاة تنبح قرب الموقد الذي انطفأ جمره أتعثر خارجا من الخيمة الافتراضية فوق عظام ضأن باردة في القفر الرائع من رمل فضي وسماء بزرقة البحر بين عقارب مخشخشة سيئة المزاج وكباش عنيدة (تذكرتك رجاء) ويزمجر صوته من علٍ فجأة
ويمطرني بـ
خطبة
لا تريد أن تنتهي لا تحتمل اعتراضا لا تنضب لا تتساهل مهددة مزمجرة غاضبة مكابرة مستدرجة لاعنة ماكرة مستبدة نهائية استعمارية أبدية
طول الليل (أتابع التمسك بعروتين بلاستيكيتين)
وليلة أخرى
و999 ليلة أخرى نداء الصوت العظيم الذي لا يرحم العالمُ نصٌ الكونُ كلماتٌ دماغي دمي لم يعودا في لغتي سوى خط سائل بلغتي التي هي لغته (أحيي علي ذا الأربعة وعشرين سنة المدهشة النضر بشكل مدهش الخجول بشكل مدهش الذي يصعد إلى الحافلة في محطة مستشفى الأطفال ويلتفت المرء نصف منزعج نصف نعسان إلينا نحن المخنوقين من الحروف الصحيحة في حنجرة الله
صباح الخير كيف الحال أنا طيب الحمد لله
يظهر الحجر الأسود لمسلة ستانلي-كوبريك
لمحيطي الداخلي المنبلج بزرقة الفجر
يطوف حوله بربر سود على خيولهم
هنا يعيش إبراهيم هنا يعيش محمد
إذا كنت تبحث عن الجذور فإنك لا تزال تقف في مدينة صحراوية قديمة في حر جفاف الهواء المالح الصعب في حر الشمس المتوهجة بين قطعان الجمال أمام البيوت الغنية الصادّة في السوق بين الباعة والتجار والوعاظ والعبيد بعد 1400 سنة (لا زلنا نستشهد فيها بالخطبة كيف كان ايقاعها وهي تهبط من السماء وكيف كتبت بكل دقة واحترام هائل للكلمات التي لن تكون مفهومة إلا في عوالم أخرى وأزمنة أخرى هائلة) يلتقي هنا عشرات الألوف من نحام الحجاج الذين يتجمعون حول الحجر يكومونه في الرفوف الهائلة لمنحنيات ومدرجات ملعب هائل تشبه أجسادهم التي تنحني موجهة عن بعد من أبراج مكبرات الصوت في فيض الضوء بايقاع في مد الخطبة وجزرها تأتي بها من السماء حافلات مكتظة يفرغها طاقم الحج المنظم بدقة للخطوط الجوية السعودية
من هنا انتشرت
نار أحدث دين في العالم بالحرب والدم والحماسة (لا جديد تحت الشمس) كل شيء (كان يومذاك) موسوما بالنزاع والصراع والسلطة كرة النار التي أصبحت فورا محض دولة وسلطة ومنظمة أصبح الدين الذي انطلق مثل الإسكندر يكنس الممالك القديمة أو مثل المسيحية ليحطم الامبراطورية الرومانية ينتشر بالجهاد في كامل الهلال الخصيب حتى بابل والبصرة عبر الهضاب الفارسية وغرب مصر وتونس وحتى اسبانيا
كفكرة جديدة واضحة ولكن متسامحة
واضحة وجلية
هل تستطيع أن تطرح على نفسك السؤال ما
تفعل بهذا (شخصيا)
هل أنت فرنسي لأن واحدة من نسائك العذراوات ضربت الإنكليز لأنك اخترعت المقصلة لأنك اكتسحت أوروبا بحادلة الدم الحرية - المساواة - الأخوة لأنك وصلت مصر لتعد حجارة الأهرامات لأن جان بول سارتر أوضح لك (رأيته يوزع منشورات في الشانزليزيه رجل قصير بدين أمام العنقاء الزجاجية لأعماله) أنه يتوجب عليك أن تكون حرا حتى تلفظك الحياة (إلى أين)
وأخيرا قرطبة القاهرة دمشق وبغدادي
المدينة الجديدة مدينة المنصور المدورة وهارون الرشيد الخلافة والقصر هنا يا صديقي كان علينا أن نكون لقالق نيتشه وهايدغر تحمل الضفدع هتلر في منقارها فإنك في الآخر ألماني أصيل يا صديقي بأساطير ألمانية أصيلة قادمة من الفرنسية عاليا فوق القباب تبصق الضفدع ليجده بعض ضباطنا فيسمح لهم بالسفر إلى اجتماع الحزب النازي في نورنبيرغ
تصور هذه اللقالق وأكثر من ألف سنة بغير كلمة خلاص (يعرفها علي يدعي إنها أميركا بلغة كافكا)
نتمسك بزمن القصور الأولى حين كان المرء في بغداد لا يزال ينام نوما هادئا بما لا يقارن وحتى اليهود الذين كتبوا هنا تلمودهم الكبير وكانت لهم أهم أكاديمياتهم
حين كانت روما قد انطفأت منذ وقت طويل وأوروبا لم تضئ بعد (مطعمنا المفضل فريدة خلف ساحة الباستيل)
نزوره مرة أخرى
في القصر بأحواض مائه مباغيه حدائقه المتشعبة قبابه نافوراته مخادعه الهادئة قاعاته البهية خزائنه الخفية فيلته البيضاء وحريمه عبيده النوبيين حراسه الأتراك خصيانه يتقافزون (اختاروا الحياة الصحيحة للجسم الذي تلقون فيه) طيوره الفضية والذهبية في شجرة عجيبة تدور مع الريح
شعراء أطباء فقهاء
حين نقل المسيحيون السريان أعمال الإغريق إلى العربية وأعارنا علماء الحساب الهنود أرقامهم وأعرنا الفرس أشكال الرقص لأشعارنا أدى زملائي قسَم هيبوقراطيس بكامل نصه القديم
حين يكون كل واحد
السلطان في قصره (روبوتات عبيد فيلة من ورق فهود ميكانيكية كهربائية حريم لا يتعبن صنعن في هونكونغ)
أريد أن أبقى في بغداد إلى الأبد وهكذا أحلم بهذا
أن أفيق على نداء الطيور الذهبية على خرير النافورات على برد ريش النعام المهتز برفق في الصباح الباكر
كعربي
ولكن يجب أن أكون شيئا آخر والوقت تجاوز الظهر وسيحل المساء ولكني أفيق ثانية
في بغداد على أية حال في العراق الحقيقي تماما
عند النهر أفيق إلى جانب زوجتي التي تسير ببطء وهدوء والتي تحدثت معها دون انتباه حقا حتى تلفظت بهذه
الجملة المرعبة
التي أحاول الآن جاهدا تذكرها رغم أنها انتزعتني من جميع أحلام النهار والهموم التي تتحدث عنها الآن ثانية كما لو أن شيئا لم يحدث لا بد أن أكون قد سهوت فلم أسمع إنها تعطي الانطباع بالود والاسترخاء كما كانت من قبل الأمر يتعلق كما هو الحال دائما بسامي الذي يتسكع في مقهى الانترنيت الذي افتتح حديثا وخلال اللعبة التي يقومون بها هناك مع المراقبين الحقيقيين والافتراضيين من الممكن ألا يكون حذرا بما يكفي وياسمين الحانقة علينا لأننا لم نذهب إلى عيد ميلاد زوجها الأربعين وهو ما كنا قد اتفقنا عليه بوضوح فحين كان علينا أن ننظر عاجزين كيف تحيط ابنتنا نفسها بعلماء يتبوأون مناصب مهمة جدا كي لا يكونوا في الحزب وعسكريين كان علينا أن نحتملهم في حفلة الزفاف في بيت عائلتنا فإننا نستطيع على الأقل
الابتعاد
بقي لنا على الأقل الفضاء بتعبير هندسي
حين نرسل منى إلى لندن لن يكون ثمة ضمان أنها لن تتطور تطورا مشابها (وطنيا) مثل ياسمين في باريس ولكن في زمن مختلف
أوكد لفريدة التي لا يبدو أنها تتذكر أيضا الجملة المرعبة التي نطقت بها توا أردت فقط أن أكون قد فهمت ما قالته قبل هذه الجملة لا بد أنها كانت جملة شرطية غير واقعية (إذا استطاع كل واحد في العراق أن ينام شبعانا في هدوء وأمان)
نذهب إلى شاطئ دجلة عبر الشوارع والأزقة التي عرفناها منذ خمسين سنة
لم تكن في أي وقت حزينة متداعية خربة نفهمها على أنها مجاملة لأجسامنا الشائخة التي احتفظت على العكس بحيوية وقدرة أكبر على التجدد لقد بقينا نحن أيضا مفعمين بالحيوية مثل هذه المرأة التي تحمل بيديها حاوية بلاستيك قديمة والتي تأتي بمواجهتنا بعباءة مفتوحة فتحة واسعة يرى المرء تحتها تنورة طويلة جميلة بنفسجية الزرقة وبلوزة وردية فاقعة نحن
نعيش لا نزال نعيش ببساطة
ونتابع السير
على شاطئ النهر
نشرب شايا وقوفا في مقهى بالغ الصغر بجدران تهدم بلاطها مغطاة بملصقات جيمس دين كثيرة داخل إطار زجاجي مثل نسخة مصفرة ذابلة من الماضي أصبحت قابلة للكسر لا نستطيع أن نفكر في كل مرة بنزهتنا عام 1967
حين أرسلتني إلى باريس
وكانت مطاعم السمك كلها لا تزال مفتوحة وكان فرانك سيناترا يغني في أيام الراديو تلك التي بدت رغم الحرب الخاسرة جميلة بصورة لا تطاق فكان علي أن أفهم لماذا
إنه فقط هذا المحيط إلى المستقبل
واليقين المجنون بإمكان عبوره حتى الضفة الأخرى المبشرة أو حتى هذا الوهم الذي ينفرط من لحاماته المنطقية من فرط السعادة عائدا من هناك مرة على سبيل التجربة إلى الحاضر
فريدة في التاسعة عشرة تضغط على كتفي لتمنحني القوة للسفر قبلها إلى باريس وليكن ما يكون مهن مفيدة أطفال فرحون تبادل ثقافي منزل جميل رحلات عطلات في الخارج كتب أصدقاء مناقشات زيارات للمسرح والحفلات الموسيقية
كيف نستطيع فقط
ألا نكون شديدي الكدر في هذه الأزمنة الهائجة الدموية التي علينا أن نعيشها بدلا من ذلك
فريدة في الرابعة والخمسين
تنظر عبر المشهد المغمور بألوان غير واقعية بشكل غريب بفعل الشمس المنحدرة إلى المغيب النهر بلون يختلط فيه الأزرق الأرجواني والذهبي مع نخيل أسود مرصع السماء بلون بنفسجي وبرتقالي جدران الإسمنت المرتفعة قباب أبراج المراقبة واجهات ضخمة سياج الأسلاك الشائكة لقصر الرئيس في جانب الكرخ يشع رومانسيا
لا ينبغي أن نبقى هنا بالضرورة
أقول
بالدرجة الأولى من أجل أن أفعل شيئا يواجه تأثير الجملة الفظيعة التي ربما لا تكون قد نطقت بها أهرب مرة في الشهر على الأقل إلى المناقشة في محادثاتنا الليلية في السرير فمهما يكن أختلف أنا عن الكثير من المعلمين أو الأساتذة لم أكن في أي يوم عاطلا عن العمل واستطعت من خلال حياتنا المقتصدة في بيت جدي القديم أن أوفر الكثير حتى أننا نستطيع أن ندفع لعصابة من المهربين في الشمال أو الجنوب إذا اقتضت الظروف
هنا فقط (تقول فريدة) نستطيع أن نشفى
فقط
حين يطير هذا الشيء هنا في مواجهتنا (نظرة إلى مجمع القصر الأسطوري الذي تلونه الشمس ويطعمه ضوء المصباح الكشاف البارد) في الهواء أمام أعيننا وإذا نجونا منها وسننجو منها
شعرها الأسود المقصوص حتى الكتفين يلمع كما كان وهي في التاسعة عشرة تقريبا ويمكن لوجهها الذي غدا صلبا ومستديرا وبدا في الوقت ذاته أمومياً وحازماً بلحظات من حيوية نارية ورقة فتاة صغيرة أن يصبح بالنسبة لي على الدوام شفافا مثل غلالة أرى من خلالها المرأة العشرينية والثلاثينية
شيوخ يجلسون على شاطئ النهر ويدخنون رجل أصغر سنا يحلق ذقنه فخورا أمام مرآة اليمين الجانبية والوحيدة لسيارة جيب - تويوتا بيضاء منبعجة صبيان يحاولان ربط أحذية بعجلات حول أقدامهما يستنتج من طريقة صنعها أنها يمكن أن تعود إلى زمن طفولتي
حين قلت
إنني لا أعرف إن كان علي أن أبقى معك –
(لا أستطيع هذه المرة أن ألوم نفسي على أنني فوّت الاستماع الواعي إلى الجملة الفظيعة)
فكرت أنه سيكون أسهل علينا فيما يبدو أن نحتمل ما سيحدث إن لم نكن معا تضيف بنظرة مهمومة (لحسن الحظ) حيث لم يعد يفوتها أنها أصابتني حتى النخاع تنظر إلى كما خطر لي للتو أنها في الواقع هي التي قررت حياتنا دائما
بدءا بالجملة الأولى التي وجهتها إلي في سوق الكتب حتى ولادة منى وسامي وحتى هذا اليوم
تتذكرين أن لنا أطفالا
إنهما راشدان يا طارق إنه سؤال فقط أطرحه على نفسي لأن ما سيأتي سيكون جادا جدا مثل عملية تقرر الحياة أو الموت أنت تعرف هذا بالتأكيد يمكن أن يكون أفضل أن تُبتر؟ أهذا ما تعنين؟
نذهب بعيدا في هذا المساء المبكر باتجاه الجنوب دائما قريبا من دجلة قدر المستطاع لا أستطيع أن أتوقف عن المشي وأمسك غالبا بالذراع الصلبة المدورة لفريدة أحتاج إلى هذا السند لأبعد الفكرة من رأسي في أنها ليلة أمس أرادت أن تنام معي فجأة لأنها فكرت في
البتر
أقترح عليها بدافع العناد الخالص أننا نستطيع أن نقوم برحلة قصيرة أو ربما فقط لظهور حدود برونزية اللون لجزيرة دجلة على يميننا الآن عند الغروب التي نسميها جزيرة الشرهين (شرهون بأعصاب قوية لا يهمهم أن يمر الحرس الجمهوري لإلقاء نظرة ليتأكدوا من عدم وضع مواقد شوائهم باتجاه القصر أو حتى – كما كان يحدث كثيرا في الماضي – يمرق الشيطان بنفسه بقارب بخاري ليتبرع بصندوق ويسكي)
كانت بابل محرِّرة جدا تقول فريدة إن رحلتنا قد أراحتني حقا
لقد ضيعتها
هذه هي الحقيقة البسيطة والمرة للسنوات الأخيرة التي كنت فيها سعيدا أن أنجز حصتي من العمل وأرى الأطفال يكبرون وأشرب نخب خساراتنا مرة في الأسبوع مع أصدقائي الذين يتناقص عددهم باطراد كانت بعد أن عملت في السنتين الأخيرتين كمعلمة للغة الفرنسية في مدرسة مسيحية تعمل في البيت فقط كمترجمة حتى لم تكد تحصل على تكليفات تقريبا على الأقل ليس تكليفات مهمة نعيش في منزل نظيف لامع يضوع برائحة طيبة منظم مؤثث ومزين بحب
من يديها
ولا نفكر في من يحافظ على هذا الوضع
منذ لم يعد سامي ومنى يحتاجان إليها ترجمت الكثير ببساطة لنا فقط ولأصدقائنا تروي الآن حين أسألها عنه أخيرا أن بلانشوت هو مؤلف
الكارثة
الذي ينطلق من أننا عشنا دائما في شقاء كبير رغم أن الكارثة لا تبدو أنها قد بلغتنا فعلا أبدا – آه ماذا
كنت سعيدا
معك
في بلد تعيس
شيء نادر
آه، الفرصة والحب
فقدا بالنسبة لبعض الأزواج.
تحول الليل لدينا إلى لص فقط
في النهار، الذي كان لنا.
في كل وقت يعثر عليك،
قلب أمام العين، لا تشتكِ.
ذاك الذي ما كاد الآخرون ينتزعونه من الموت،
مسحتُه مثل ندى عن ضوء الصباح.
اضحكوا مني، أنا الأحمق
الذي كسب إمرأة واحدة فقط.
لستم بحاجة إلى انتظار الحب
الذي ابتكره أذكى رب.
ملاحظة: لقد كتب لير روايته دون علامات ترقيم وهو ما التزمت به المترجمة في ترجمتها العربية أيضا، فيرجى الانتباه.
* يشير الكاتب إلى التسمية الغربية لابن سينا Avicenna (المترجمة)
توماس لير،
روائي ألماني معروف صدرت له مؤخرا رواية: سبتمبر: السراب، التي ترجمنا منها هذا الفصل
(معهد غوته).
إضافة تعليق جديد