آخر الأخبار

الفكر الغيبي الطائفي ,رد على غيفارا
تصنيف التدوينة: 

–في معرض تعليقك على مبدأ ابن خلدون قلت أخي غيفارا ما يلي :
نأتي لمقولة أخرى يكررها أصحاب الفكر الغيبي الطائفي ويستندون عليها في محاكمة الوقائع والظاهرات , بطريقة سحب المحاور , وإرجاع الحدث الآني إلى الحدث الماضي بتطبيقه عليه كليا, متجاهلين كل المعطيات والمتغيرات في جملة يفترضونها جامدة هاربة من الزمان والمكان وهي : قياس الغائب على الشاهد .
ثم تابعت قائلا :وسأحاول أن أورد العديد من الأمثلة من الآن وصاعدا تقريبا للفكرة :
تصور لو أنك تعلم بأن فردا من عائلة ما هو مجرم خطير , وأنت لا تعرف أحدا من أفراد عائلته , فحين يطلب منك أحد أن تعطي رأيا بها فتقول: بقياس الغائب على الشاهد ..هذه العائلة مجرمة خطيرة .)) انتهى كلامك .
وأنا أعتذر من ابن خلدون عن مثل هذا المنطق الذي يحكم مثل هذا التفكير والفهم ولو كنت أعرف أن الأمر يصل إلى هذا المستوى من قلب المفاهيم وقسرها لتكون شاهدا جدليا لشرحت لمحاوري القاعدة البسيطة في المنطق التي لاشك أن ابن خلدون كان يتقنها وهي : أن الحكم الذي يصدق على الكل يصدق على البعض والعكس غير صحيح ، فالقضية الكلية موجبة كانت أم سالبة تشمل القضية الجزئية المتداخلة معها صدقا وكذلك كذبا ، لكن القضية الجزئية سالبة كانت أم موجبة لا تشمل القضية الكلية المتداخلة معها صدقا أو كذبا ، وهذا لا علاقة له بمبدأ ابن خلدون إلا بالطريقة التي أوردت بها أمثلتك غير الموفقة . وهذا لعمري تعرفه طالبة الثانوية العامة الفرع الأدبي في بلادنا بينما خفي عن أصحاب الفكر(النوراني اللاطائفي).
2 – بالنسبة لعلاقة الطائفي بالسياسة يمكن القول أن مفهوم الطائفية كممارسة عملية في وطننا غير خاف حتى على الأمي ، ومحاولة اتهام الآخرين بعدم الفهم أوالفصل بين الطائفة والطائفية حتى على المستوى اللغوي هي محاولة فاشلة مقصودة الغرض منها التمويه وتحويل القضايا الوطنية الواقعية إلى أسلوب جدلي حواري يبعد القضية عن جوهرها وما تقسيمك الأفقي والعمودي والطبقي والسياسي الاقتصادي بخاف قصده على قارئة متمكنة مثلي لكتاب حسين مروة (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) الذي حاول جاهدا أكثر منك قسر التاريخ الإسلامي عموما والفلسفي منه خصوصا ليخدم نظريته المادية الجدلية والذي لو قرأ صاحبه (مروة) لفيلسوف مسلم مئات الصفحات وربما الآلاف يتحدث فيها عن الخالق سبحانه ووجد له سطران فقط في زاوية ما من كتاب تتناسب مع منهجه الفكري المادي لاستخدمهما كشاهد على صحة فكره ، وهذا لعمري ما يخالف كل قراءة علمية منهجية حيادية غير متحزبة .
ومثل هذا المنطق وهذه المقدمات الخاطئة لا عجب أن تصل بصاحبها إلى نتائج يتراكم فيها الخطأ تجعله يتهم محاورته – ضمنيا – بأنها ذات طروحات ساذجة كما في قوله : (( فتتحول على أيديهم مثلا عملية المقاومة ضد الاحتلال لعملية طائفية وتصبح العمالة للأجنبي طائفية والاستغلال الاقتصادي طائفيا والإنتاج والعلاقات الإنتاجية طائفية , و قس على بقية العوامل وبذا يكمل هذا الفكر مأزقه , بسوء تقديره وسذاجة طروحاته)) وهذا أقل ما يقال فيه أنه عيب في التحاور وإطلاق الاتهامات جذافا.
وإذا ما أردت تمثيلا واقعيا عن فهمي للطائفية أحيلك والقراء الكرام على مذكرات المارشال الذي تدلت نياشينه وأوسمته حتى ركبته ومذكراته خاصة الفقرة التي تحدث فيها عن الصراع بين الأخوين( لا الأخوان) وموقف ( المرشدية ) من ذلك الصراع والفدية التي دفعت ثمنا لذلك ، والمذكرات منشورة ومتاحة وتوضح كيف كان ومازال الوطن يحكم ومن قبل من

 

 

في هذا الجزء الأخير من تحليلك قد لا اختلف معك إلا في وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بمسمياتها وأنا من ستفعل ذلك :
1 – إن ظهور الطائفية( التي لم تكن معروفة في العهد الوطني الذي قارع الاستعمار العثماني ومن بعده الاستعمار الفرنسي) دليل انحطاط المجتمع السوري ولو كان أمثال أكرم الحوراني الذي تسابق على إدخال أبناء فئة ما إلى الكليات العسكرية يعرفون أن حال البلد ستنتهي إلى هذه النهاية (كعدم السماح لجثمان الحوراني أن يدخل إلى الوطن ويدفن فيه) لما عملوا على دمج الحزب الاشتراكي بالبعث العربي ولما عملوا على إدخالهم ضمن الجيش .
2 – إن ما عمل عليه الوطنيون السوريون إبان خروج المستعمر الفرنسي هو بناء وطن ديمقراطي حر متعدد الانتماءات لأبنائه يحتكم إلى صناديق الانتخاب لولا المؤامرة على هذا الوطن عن طريق تسلق العسكر إلى سدة الحكم بحجة هزيمة الأمة عام 1948 وانتزاع فلسطين من أيدي أبنائها وقد يكون البعض منهم قد حركه وقع الهزيمة لكن آخرين استغلوا حميته .
3 – تدل الوثائق المكشوفة مؤخرا على أن الانقلابات العسكرية كانت تتحكم بها عوامل خارجية وليست نتاج صراعات داخلية فقط بدءا من حسني الزعيم وانتهاء بآخر انقلاب على قرارات القيادتين القطرية والقومية للحزب ، وأرجو الرجوع إلى البيان الأول الصادر عن الحزب الشيوعي الذي قيم انقلاب 1970 ، والبحث عن السر الكامن وراء صمود هذا الانقلاب هذه السنين الطويلة فلربما يوضح ذلك ما عجزت تلك الانقلابات السريعة عن تحقيقه للقوى الخارجية التي كانت تقف خلفه .
4 – ليس صحيحا تحليلك الذي يصف القوى السياسية الوطنية بأنها هي التي مزقت الوطن ولعبت على تمايزاته وتناقضاته كما في قولك ( وتضمن السلطة السياسية السيطرة على المجتمع عبر تمزيقه و عبر توظيف كل التمايزات والاختلافات، من الغنى الثقافي وتنوعه إلى تناقض المجتمع بكل أشكاله، وذلك في سبيل خلق تمايزات وهمية، تحرف التناقض فيه عن بعده الحقيقي )انتهى كلامك .
بل إن هذه التمايزات لم تعرفها البلاد إلا بعد أن تسلق أصحاب الفكر الطائفي الغبي (وليس الغيبي فقط ) المناصب العليا في البلد، وقد جيء ببعضهم من الحياة المدنية أو التسريح من الجيش أو من الجيش الشعبي وأعطوا رتبا عالية متقدمة ومناصب حساسة فرفعوا عن قصد الى رتب عليا ( تذكرنا بالعقيد 1969 الذي قفز من ملازم أول إلى تلك الرتبة التي خولته أن يحكم بلدا حتى اليوم) وذلك من اجل الخطوة اللاحقة وهي السيطرة على الوطن في ساعة غفلة من القوى الوطنية الأخرى التي لم يكن لها داخل الأحزاب تنظيمات عسكرية سرية مبنية على أسس طائفية باستثناء (حاطوم) ومن أفشل محاولته لأنها شكلت خطرا حقيقيا عليه باعتبارها تقوم على نفس المبدأ والخطة .
5 – لعلك تعلم أكثر من غيرك أن كل الانقلابات التي مرت على سوريا وما أفرزته من حكومات لم تلعب لعبة الدين وكانت تضمن الدستور أن مرجعيته الإسلام ولكنها لم تكن تطبقه حقيقة كأغلب الدول العربية حتى اليوم بمعنى أنها كانت تفصل الدين عن الدولة وترفع راية الدين شكليا فقط إرضاء لمشاعر الناس ،وإحدى أهم مصائبها أن وأدت الليبرالية والديمقراطية التي كونتها الفئات الوطنية التي حاربت المستعمرين من قبل .
ولا يزال أغلب المواطنين في مجتمعنا السوري مع فكرة الفصل بين الدين والدولة دون خوف من العلمانية كما قلت شرط اقترانها بالديمقراطية لأنها الأصلح للمجتمع السوري التعددي الذي يشبه الموزاييك وقد أثبتت الأيام والحوادث من الخائف من الديمقراطية ومن يتمترس وراء العلمانية بينما يرجع بالبلاد إلى العشائرية والعائلية والمذهبية والطائفية بل المضحك أنه كان الإنسان يقيم في بلدنا بأنه ذو منبت طبقي من الناحية الحزبية ولذلك يمنع من دخول الكليات العسكرية أو الترشح لمجلس الشعب الوهمي ، لكن التعيينات الأخيرة(لاالانتخابات ) أوصلت بعض أبناء تلك الطبقة في الساحل السوري إلى المجلس الموقر ولنا في جبلة وقضائها خير مثال على ذلك .
6 – أما الحل الماركسي الذي تقترحه وهو : (تعالوا لكي نعيد النضال المجتمعي لأصله الحقيقي بين فئات لا تملك إلا قوة عملها أو فكرها وبين فئات مسيطرة مستغلة ، يقولون أعوذ بالله هذه ماركسية) انتهى كلامك .
فقد عفى عنه الزمن في المسألة الوطنية السورية إذ اكتشف كبار الماركسيين الوطنيين اللعبة التي أوصلت الوطن إلى هذه النهاية وعرفوا كيف يفضحون هذا الأمر فكان لابد من إيداعهم السجون بتهمة التآمر مع الأخوان أو تشكيل جماعات مدنية تضعف الشعور الوطني أو أنها مرتبطة بالخارج ،ولعمري هذا هو المضحك المبكي أن يتفق أقصى اليمين مع أقصى اليسار على ما آل إليه الوطن (ولعلها مقولة ماركسية لينية تصدق ولكن ليس بالمفهوم الوطني السوري) .
7 – أما النتيجة التي توصلت إليها أنت أخي غيفارا وأحببت أن تعممها على بقية البلدان العربية وكنت متمنية منك أن تقصرها وتقصر تحليلك على الحالة السورية لكنك أبيت وهي ((بلداننا العربية فشلت في اللحاق بركب التنمية والتصنيع بشكل يكاد يكون نهائي ، واستعاضت عن التنمية بنظام اقتصادي مشوه ,يعتمد على جمع الضرائب وعلى طبقة طفيلية غير منتجة من العملاء والسماسرة والتجار يخططون للبلد ويفرضون أولويات جشعهم واستغلالهم ولا يتوانون عن ضرب كل مقومات البناء والنهضة الحقيقية و ويزرعون أتباعهم في مفاصل السلطة تأمينا لمصالحهم الهائلة. ومن تداعيات الأمر، عودة الكومبرادورية بأبشع صورها. (وهو ما نشهده حاليا)وإسقاط أو عدم وجود أية خطط للتنمية. وأما المجتمعات ، فستكون في ركود وتقهقر، يستحضر كل حالات التخلف .وتصبح هذه المجتمعات مهددة في كل خلل أو أزمة إن كان لأسباب داخلية أو خارجية بحروب واقتتال طائفي وسوى ذلك من حالات الصراعات الاجتماعية المستحضرة من لحظات الانحطاط بصورها المتخلفة البالية ,الطائفية والعشائرية والإثنية .)) فأوافقك عليه مائة بالمائة في الحالة السورية كنتاج للمأزق الطائفي الذي عايشناه ولانزال نعايشه منذ 1970 وعذرا للإطالة .
أختك سلوى الديري

.

إضافة تعليق جديد