بويص (جامعة تشرين)
مما يؤثر عن الشعب السوري خاصة الطبقة المثقفة منه اهتمامها باللغة العربية وإتقانها لها حديثا وكتابة
مع قليل من الأخطاء الإملائية والنحوية بالقياس مع بقية الأخوة العرب وبشهادتهم .
ولقد تعددت الجامعات الحكومية والخاصة في الكثير من البلاد العربية ومنها سوريا وكان من نصيب محافظة اللاذقية في سوريا ما اصطلح على تسميته ( جامعة تشرين ) التي كانت في بداياتها غير معترف
بها في بلدان العالم فكانت شهادات خريجيها توقع باسم جامعة دمشق .
ولعلها أول جامعة سورية استقبلت ذلك الكم من خريجي الدراسات العليا من المبتعثين (بالواسطة) إلى الخارج خاصة إلى دول أوربا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق – وهم غير أكفاء أصلا- حيث قضى أغلبهم فترة دراسته بالتنظير الثوري وشرب الفودكا أو الوسكي وكان يقبض باسم الشعب السوري المغلوب على أمره راتبين أحدهما بالدولار يقبضه في بلد الغربة والثاني يجمع له في بلده . وقد حصل أغلبهم على شهادته بالرشوة أو الوساطة أو الادعاء بأنه أصبح أمميا يستحق مثل تلك الشهادة ليعود إلى بلده مبشرا بمبادئ وقيم العم (ماركس –أنجلز – لينين ) التي تؤكد حتمية انتصار الأممية العالمية على الامبريالية العالمية .
وكانت المصيبة أن يتولى هؤلاء مناصب في الجامعات كجامعة تشرين إلى أن وصل الأمر في إحدى السنوات أن بيعت أسئلة الامتحانات فما كان من الأمن ( العسكري – أو أمن الدولة ) إلا أن اعتقل دكاترة الجامعة وزج بهم في السجن تداركا لهذه الفضيحة .
ولا يخفى على القارئ الكريم أن الجهل الذي قد يصدر عن خريج من مثل هذه الجامعات سوف يعم على المجتمع خاصة إذا عين الخريج مدرسا أو معلما في إحدى المراحل الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية وهذا
ما حصل وظهر في تراجع اهتمام أولادنا بالعربية وأدبها وهذه قصة جبلاوية واقعية تثبت ذلك .
حدثني أخ – لا أشك في صدقه – أن الجامعة ألزمت في منتصف السبعينات من القرن الماضي طلابها من الذكور بمادة دعيت على ما أذكر – التدريب العسكري الجامعي – أو نحو ذلك . وكان يخصص لها يوما أسبوعيا لمن يداوم في الجامعة ، أما الطلاب غير المداومين فكانوا يخضعون لمعسكر تدريب شتوي في عطلة الربيع في منتصف العام الدراسي ، ثم يجتمع اكل من مداومين وغير مداومين في معسكر صيفي للتدريب العسكري .
على كل حال كان الطلاب غير المداومين يجتمعون في إحدى معاهد أو مدارس اللاذقية – بالنسبة لسكان المنطقة ومنهم أبناء جبلة – لقضاء معسكر التدريب الشتوي منذ السابعة صباحا وحتى الثانية بعد الظهر .
وقد اعتاد شباب جبلة من الدارسين في الجامعات ممن يؤدون ذلك المعسكر الشتوي على الالتقاء في مكان محدد والتعاقد مع (ميكرو باص) ليأخذهم إلى اللاذقية ويعيدهم منها في الوقت المناسب .
وكانت تدور بين أؤلئك الشباب نقاشات حامية وبصوت عال حول الأحداث الساخنة وقتها ، وقد يتطور الأمر إلى مباريات في حفظ الشعر ، ويقول المتحدث أنه ذات يوم جرى نقاش ابتدأ منذ خرج (الميكرو باص) من مدينة اللاذقية وحتى مدخل جبلة الشمالي ( قرب كازية القوجة أو مفرق المشفى ) وكان نقاشا حاميا يصغي له جميع الركاب وكان يدور حول قدرة اللغة العربية على تعريب أي مصطلح أجنبي وأن سوريا العروبة قد تفردت عن جامعات العالم العربي بفكرة تعريب المصطلحات خاصة الطبية منها .
هنا تدخل أحد الظرفاء من الحضور – وكان غالبية الركاب من دارسي اللغة العربية مع قليل من الجغرافيا والأدب الانكليزي والفرنسي – وسأل : ما دامت لغتنا العربية قوية إلى هذا الحد لماذا لم يتم تعريب مصطلح ( ميكرو باص) هذا الذي يقلنا يوميا من جبلة إلى اللاذقية وبالعكس .
ثم تدخل جهابذة اللغة ممن درسوا على يد أولئك الخريجين بالواسطة (الأصح لغويا الوساطة ) فقرروا أن ذلك لا يدل على ضعف اللغة بمقدار ما يدل على تقصير أبناء هذه اللغة وبدأ كل فرد منهم يقترح تسمية
لهذا الميكرو باص ، وقد تفتقت علومهم العربية على أن كلمة (ميكرو) هي كلمة تصغير ، والتصغير في اللغة العربية قد يكون للتحبب والمدح أو للتحقير وبعد أخذ ورد استمر طوال 30 كم من مدخل اللاذقية إلى مدخل جبلة أجمع الشباب على أن أكثر كلمة مناسبة لتعريب (ميكرو باص ) التي هي أصلا تصغير لكلمة باص هي كلمة (( بويص)) .
هنا تدخل أحد الصامتين طوال المشوار ليوضح لأساتذة المستقبل أن هذا التصغير الذي اتفقوا عليه (بويص) غير صحيح لأن الكلمة المشتق منها أصلا( باص) غير عربية ، فكيف نصغر ما لم نترجمه .
إضافة تعليق جديد