الاصرار على الوهم
1 – لا أدري من يعطي الحق في حوار بين طرفين لأحدهما اعتبار ما جاء في كتابات الطرف الآخر مجرد اتهامات فقط .
2 – لقد جرى التنبيه مسبقا إلى أن الحوار لا ينبغي إطلاقه نظريا ليعالج مسألة إنسانية عامة يوجد شبيه لها في بلدان أخرى كالهند فما جدوى مثلا أن نتحدث عن الصراع بين الكاثوليك والبروتسانت في بريطانيا أو ايرلندا في مقاربة عن الوضع الحالي في بلدنا سوريا .
3 – في كل المناقشات السابقة بيننا أو التي يمكن أن تجري لابد من الاعتراف بوجود المشكلة ومن ثم البحث عن حل لها والادعاء أنها مجرد اتهامات ينسف الفكرة من أصلها إذ لا داعي لمجرد مناقشة اتهامات لا أساس لها، انه تكرار لمنطق أننا لم نهزم عام 1967 وبالتالي لاداع لدراسة أسباب الهزيمة ومن هم الذين تسببوا بها واعتبارها مجرد نكسة أو كبوة وهذا منطق لايخفى على أحد من يقف خلفه ، وأنا أترك هنا الحكم للمواطن والقارئ السوري ليكون حكما بيننا .
4– اسمح لي تصحيح العبارة التالية عبارتك :
(( إن تناول المسألة الطائفية من قبل "الطائفيين" أنفسهم هو ملهاة-مأساة مستمرة منذ قرون لم تنتج سوى التكفير والإقصاء والحروب الداخلية والقتل على الهوية , هذا هو الحوار الغيبي بامتياز )). بالعبارة التالية =
إن تناول الطائفيين المتسلطين الحاكمين للمسألة الوطنية أو القومية هو ملهاة – مأساة وكذبة كبيرة عانى ويعاني منها شعبنا منذ نصف قرن وقد أنتج إقصاء وحروبا داخلية ومجازر جماعية وقتلا دون محاكمة وهذا هو الفكر الطائفي بامتياز إذا ما حاز مصدرا سلطويا وقوة مادية .
5 – لا أظن أحدا غير صاحب المقال يوافق على تحقير تجربة الهند الديمقراطية التي رغم اتساع هامش الفقر فيها فهي تمثل إحدى أهم الديمقراطيات في العالم النامي بشهادة دول العالم لا شهادة كاتب المقال . وتظل عقدة الأكثرية والأقلية التي تحتكم إليها كافة صناديق الانتخاب في العالم الديمقراطي تقلق كل الطائفيين الذين يجيدون تعبئة الصناديق دون انتخابات حرة ونزيهة والحصول على نتائج الأربع تسعات التي تقع في وسطها فاصلة فقط وهذه والله مهزلة المهازل .
6 – إن الفكر المهزوم واقعيا والذي تراجع اثر التطبيق العملي له قد تعود على النظرة الأحادية للواقع وتحليله من منطلق امتلاكه للرؤية المنهجية العلمية الوحيدة الصحيحة وهي نظرة نحو الخلف لا الأمام لأولئك الذين أثبت الواقع خطأهم فلم يقدروا بعد ذلك على الخروج من معمعة التنظير والشعارات حتى داخل الدولة العظمى الأم التي تفككت وعجز فيها الحزب القائد عن منع التفكك وتحول مع الأيام إلى حزب أقلية ترفع الرايات الحمر أيام الذكريات البائدة لكنها غير قادرة على الحصول على الأكثرية داخل البرلمان أو حتى منع الآخرين من تحطيم تماثيل رموزها التي امتلأت بها سابقا الساحات العامة في البلاد .
7 – ما قيل عن التهجم والادعاء له اسم آخر عندي وهو " توصيف الواقع " لا الحكم عليه ، وأما الحكم علي بأنني إقصائية فهذا ما لا أقبله من أحد – حتى أنت ياغيفارا ولن أقول بروتس - ولم أكن لأدخل مع أحد في حوار لو كان صحيحا أنني اقصائية ، وهذا الاتهام هو ممارسة دعائية أمنية استباقية في اتهام الطرف الآخر تعودنا عليها تشبه تماما من تناقشه بقضية ولما يصيبه العجز يقول : انه يسب الرئيس تعالوا واقبضوا عليه .
وأدعو مرة أخرى إلى قراءة ما اتفقت مع محاوري عليه في كتابتي السابقة . والانتباه من جديد أنني لا أملك إلا حروفا اكتب من خلالها بينما تملك أي سلطة طائفية حاكمة من وسائل الإقصاء الفكري والمادي الجسدي أيضا ما لا يخفى في بلدنا على أحد ممن لم يعرفوا بعد ربع قرن ماذا حل بأولادهم وأزواجهم .
وكمثال واقعي سأذكر حادثة يعرفها أبناء وطننا تروى عن ثقة ممن كان يدعوهم الرئيس السابق إلى مائدة إفطار في ليلة القدر من كل شهر صيام ، يقول بعد أن تكلم الرئيس وأفاض ووجه طلب إن كان لأحد الحضور من تساؤل فقام رجل دين شاب من إحدى محافظات القطر وسأل الرئيس ما يلي :
لقد حملني المواطنون السؤال التالي لسيادتك وهو : إن لدى كثير من العائلات أبناء موقوفين لهم منذ سنوات طويلة تزيد عن عقد ونصف وهم لا يطالبون بالإفراج عنهم بل يريدون أن يعرفوا مصيرهم هل هم أحياء أم أموات لأنه لا يخفى على الجميع ونظر حوله إلى رجال الدين من كل المحافظات أن المرأة المسلمة إذا مات زوجها تعتد ثم يحق لها الزواج من آخر كما يمكنها المطالبة بحصتها من الميراث الذي يتم توزيعه شرعا على المستحقين له ، ولا يمكن ذلك إن كان الرجل مجرد مسجون قد يخرج في أي وقت .
أي طلبي يا فخامة الرئيس أن نعرف من هم الأموات ومن هم الأحياء فقط لنتصرف شرعا ونحن لا نتدخل في تصرفات الدولة وعلاقتها بهؤلاء الموقوفين .
يقول : وجمد الكلام في لسان الرئيس فترة من الوقت وتكهرب الجو من كلام مفتي البلد هذا صغير السن قياسا إلى بقية الحضور من المحافظات الأخرى وخاف كل من في الجلسة من ردة فعل غير محسوبة وجاء الجواب المعجزة من الرئيس وهو : هؤلاء موقوفين على ذمة التحقيق وهذا أمر لا أتدخل أنا به وكل مواطن في القطر معرض للطلب إلى فرع التحقيق بما فيهم رئيس الجمهورية .
8 – يبدو أن تعريف الطائفية لم ينجح في تغيير قناعات البعض من التفريق بين من ينتمي لفئة أو أقلية وبين من لا ينطبق عليه التعريف أصلا فكان لابد من الرد اللاشعوري كنوع من حماية الذات بالاتهام الذي لا يقوم على دليل واقعي لا بالطائفية فقط بل وبحمل الفكر الغيبي فجاء مصطلح (أصحاب الفكر الغيبي الطائفي) وهو ما ينطبق عليه المثل العربي القائل (رمتني بدائها وانسلت).
9 - ليس مفارقة مضحكة قول الكاتب :
((فهو يعرّف الطائفة أنها:"وجود جماعة تؤمن بما تعتقد أنه مثاليات تميّزها..."
ثم يقول : (إن ديني يوسّع ...ويفتح لي نوافذ...فشتان ما بين الإنتماء للكل وللجزء")).
نعم انه يفتح للمسلم نوافذ للتعامل مع (الكل) المسلم وهذا ليس ادعاء أن كل البشر هم من المسلمين (وهذا استنتاج أقل ما يقال به أنه نكتة بايخة)،لأن شعور الطائفي – كما يقول الدكتور محمود أمين العالم - هو شعور انغلاقي شرنقي ممزوج بالخوف والنقص فهو يعتبر أن أبناء طائفته فقط هم على حق وكل من سواهم على باطل ، وينكر الإجماع العام لأبناء الأمة فيبقى كخرق في جدار سفينة الوطن يعرضها للغرق في أي وقت ويجد الآخر المحتل فيه مكانا يمكن الولوج منه لتمزيق الكل (الحصان الطروادي الطائفي الموجود على رقعة شطرنج الشعوب عبر التاريخ ) فبمجرد وعد من المحتل الدخيل لهذا الحصان بالمحافظة عليه وطائفته خارج دائرة الإبادة يتحول إلى دليل داخلي يقدم كل المعلومات المطلوبة للعدو ليتم احتلاله .
10 – بقي الفكر التنظيري اليساري يدور في حلقة مفرغة من التحليلات الاجتماعية الاقتصادية السياسية لكل ظاهرة حتى بعد فشل هذا الفكر كتطبيق عملي في كل دول العالم - عدا كوبا وكوريا الشمالية – لإهماله الرؤى والتحليلات الأخرى ، بينما لا نزال نرى إصرارا من يساريينا العرب الذين لم يعد أحد يصدق ما يقولونه _ حتى الصين نفسها _ على نفس النهج والتحليل والاعتقاد بأن ديكتاتورية الطبقة الكادحة المقادة من الطليعة الثورية المثقفة هي التي ستحل كل المشكلات ولابد من انتظار نضوج المجتمع اقتصاديا وتحوله إلى مجتمع رأسمالي صناعي ثنائي الطبقات بين فئة قليلة تملك رأس المال وتحكم وهي أقلية وبين غالبية أبناء المجتمع من طبقة العمال والكادحين التي تعمل ولا تملك أو تحكم والتي لابد من تأطيرها وتنظيمها من قبل قيادة حزبية ثورية يقودها مثقفوا الحزب ، ولعمري هذا هو المضحك حقا ولو عاش ماركس حتى يومنا هذا لغير كثيرا من كتبه ولو خطر ببال لينين لأخر ثورته إلى يومنا هذا.
يتبع .....
إضافة تعليق جديد