مغامراتي في المشفى و ما تبعها من لقاءات مع الأطباء تستحق أن تكتب بالإبر على آماق البصر لتكون عبرة لمن اعتبر.
و هي قصة حقيقة موثقة و ذات مغزى (قحمذم)، و كافة الوثائق المتعلقة بها، من وصفات الأطباء و تحاليلهم و تحاليل الدم التي أجريتها و كل ذلك، كل تلك الوثائق أحتفظ بها في حرز حريز ببيتي في مونروج لتكون دليلا قاطعا لا يمكن إنكاره.
قصتي (الحقيقية و الموثقة و ذات المغزى) هذه تنقسم لأقسام عشرة (لعن الله الثلاثة ) يسبقها مدخل و يتبعها حل الأحجية و من ثم الخاتمة، و إليكم عناوين هذه الأقسام.
1- مقدمة: الأيام التي سبقت مغامرتي.
2- الفصل الأول، اليوم الأول: الإختطاف و الوصول لقسم الإسعاف.
3- الفصل الثاني، اليوم الثاني: حوار مع شرموطة، و مع شاب رقيق المشاعر، و عودتي لقواعدي سالمين.
4- الفصل الثالث، اليوم الثالث: حوار مع الشرموطة نفسها و مع رئيس القسم.
5- الفصل الرابع، اليوم الرابع : حوار مع شابة مفعمه بالأمل و التفاؤل، و تأملات حول الفرق بين الشباب و الشيخوخة.
6- الفصل الخامس، اليوم الخامس: حوار مع عجوز تمتلك أفكارا متحنطة.
7- الفصل السادس، اليوم السادس: لقاء بطبيب لا يعلم لم كان هناك، و لا أنا أعلم.
8- الفصل السابع، اليوم السابع: لقاء بالطبيب الإختصاصي و كيف أفلتّ ُ بمعجزة من الموت.
9- الفصل الثامن، اليوم الثامن: اتصال بالطبيب الإختصاصي و عصيان لنصائحه.
10- الفصل التاسع، اليوم التاسع: لقاء مع الأصدقاء و قرار حاسم.
11- الفصل العاشر، اليوم العاشر: نتيجة القرار الحاسم.
12- الفصل الحادي عشر: حل الأحجية.
13- خاتمة و تأملات...
قبل أن أنطلق في هذه القصة (الحقيقية، الموثقة و ذات المغزى) دعوني أقل (*) أن القصة تتعلق باتهامي -زروا و بهتانا- بأنني مصاب بالسكري. و لكي أوضح لكم القليل عن هذا المرض، دعوني إذن أحدد أن هذا المرض هو عبارة عن ارتفاع نسبة سكر العنب -الغلوكوز- في الدم عن نسبته الطبيعية.
النسبة الطبيعية لسكر العنب في الدم هي 1 غرام في الليتر، يعني 5.5 ميلـّي جزيء (ميلـّي مول، و تستخدم القيمة 5 للحساب بشكل مبسط) بالليتر، يعني 100 مغ بالديسليتر.
تبقى هذه النسبة معتبرة طبيعية طالما أنها فوق 0.7 غرام بالليتر و تحت 1.26 غرام بالليتر. ما فوق 1.26 هو مرض السكري، و يصاب الإنسان بالغيبوبة و ربما يموت حين يزيد السكر عن 4 أو 4.5 غرام بالليتر. ما تحت 0.7 هو أزمة انخفاض السكر و يصاب الإنسان بالغيبوبة -و قد يموت- عندما يصل لمستوى 0.5 غرام بالليتر.
النسبة المعتبرة هي نسبة السكر صباحا، بعد ساعتين من الإستيقاظ، من دون تناول أي طعام أو شراب يحتوي السكر.
و أخيرا: حين نتناول الطعام، يعني مثلا بعد وجبة الغداء، فنسبة السكر في الدم ترتفع بشكل مفاجئ لتصل حتى 3 أو 4 غرام بالليتر -و لكن هذا طبيعي و لا نصاب بالغيبوبة- ثم إنها تنخفض رويدا و نعود للمستوى الطبيعي بعد ساعتين من تناول الطعام...
الآن، و قد زودتكم بكافة هذه المعلومات الشيقة، المحددة، العلمية، و الدقيقة (مشمعد) فأعتقد أنكم مستعدون لقراءة قصتي...
مقدمة: الأيام التي سبقت مغامرتي.
بدأت هذه القصة يوم الأربعاء 28 نيسان للعام المبارك 2004 بعد ميلاد مخلصنا المزعوم. ففي ذلك اليوم المبارك قررت أن افقع بطن سكرة صميدعية تليق بأسلافي الكفرة، و هذا ما فعلته.
و نظرا لأن الكحول -على الأقل الكحول الذي أشربه أنا، و هو العرق و مكافئه الفرنسي الباستيس- هو أحد أهم فاتحات الشهية فقد قررت أن ألتهم وجبة عظيمة تليق بمواهبي الطبخية، و هذا ما فعلته.
فمضى نهار الأربعاء بين سكر و عربدة و أكل و استمتاع... ثم مضى الليل و استيقظت صباح الخميس على ألم هائل في البطن -يعني ممغوص.
دعني ابتداء أقل أنني من أشد الناس تحملا للألم: يعني أولتها و آخرتها سوف سنفطس جميعا، فلم يزعج الإنسان نفسه بالإلتفات لألم في البطن -حتى و لو كان شديدا؟
بالمقابل دعني أذكـّر أن معالجة ألم البطن هي من أسهل ما يكون: حمية لمدة 24 ساعة تعتمد على أكل الشوربه و شرب الزهورات و خلصنا من هذه السيرة.
لكني لم أفعل ذلك... فاستيقظت يوم الجمعة و ما زال الألم مستمرا.
قررت أن أداويها بالتي كانت هي الداء. فأخرجت زجاجة الباستيس و حضرت لنفسي وجبة فاخرة... فأكلت و شربت... ثم غفوت وقت القيلولة...
و استيقظت و قد تضاعف الألم.
عندها قلت لنفسي أن وقت المزح قد انتهى و أنه حان الوقت كي أمارس الحمية. و استعدادا لذلك بدأت بسلق العدس الأحمر -بهدف تحضير شوربة العدس.
و لكني، من وجهة نظر أخرى، قلت أن من المفيد أن أطلب من طبيب أن يعودني -بهدف أن يعطيني مسكنا للألم. فاتصلت بشبكة SOS Médecins كي يرسلوا لي طبيبا، و هذا ما حصل.
الطبيب، و هو طبيبة، يعني سيدة، كان قد سبق لها و عادتني منذ حوالي أربع سنوات -لعن الله الثلاثة - و تنبأت لي وقتها بحصول مشاكل في كبدي إن لم أقلع عن الكحول... و طبعا خاب فألها!
بدأت هذه السيدة تتفحصني و تبعبص بمختلف أنحاء جسدي، ثم إنها قالت أنها ستطلب لي سيارة إسعاف كي أذهب للمشفى!
سيارة إسعاف؟ و لمه؟
لأنه، وفقا لرأيها، فما أعاني منه يمكن أن يكون مظهرا من مظاهر احتشاء القلب. يعني جلطة...
قلت لها: ليك يا حياتي أنا ما عندي جلطة بس أنتي بدك تجلطيني... لكن لا فائدة! لقد أصرت تلح إصرارا و غادرَت شقتي من دون أن تصف لي علاجا لوجع البطن!
قبل مغادرتها سألتها إن كان لدي ما يكفي من الوقت كي آخذ دوشا، فأجابتني أن نعم وأخبرتني أن لدي نصف ساعة قبل أن تصل سيارة الإسعاف.
لاحظ و بدقة: هذه البقرة التي تدعي أن لدي مشكلة في القلب... تسمح لي أن أتدوش!
طبعا أنا ذهبت لتحت الدوش -بعد أن أوقفت طبخ شوربة العدس -لأني أصلا أرفض فكرة أن لدي مشكلة في القلب.
و لكن دعنا نفترض أن لديك مريضا بالقلب: هل تأمره بالراحة و السكون بانتظار سيارة الإسعاف أم تدعه يأخذ دوشا مع احتمال أن يسقط ميتا تحت الدوش؟
يعني أيهما أفضل: أن يصل المريض للمشفى و رائحته طالعة... أم أن لا يصل أبدا لأنه مات في الحمام؟
يبدو أن هذه الفرضية لم تخطر بذهن البقرة التي جاءت تعاينني...
بعد خروجي من تحت الدوش وصلت سيارة الإسعاف، و تم خطفي من منزلي للمشفى...
و سأروي لكم وقائع ذلك في الحلقة المقبلة.