آخر الأخبار

حذار مشبوهة

كنت جالساً أمام حاسوبي، أحدق فيه بحقد شديد وهو يمد لي لسانه الأزرق ساخراً من عجزي عن كتابة فكرة واحدة من تلك التي لا تتركني أنام الليل ولا أرتاح النهار.. وإذا لم أكتب الزاوية فلن أقبض (أجري) في آخر الشهر! وإذا لم أقبضه، وجب عليّ أن أفتش عن (سلة) جديدة لم تفقد ثقتها بي بعد لأستدين منها! ولأنني لن أجد طبعاً، سيكون عليّ أن (أسمّك) في الثياب لأنني لن أستطيع أن أشتري المازوت! إلا أن (تسميك الثياب) يحتاج أيضاً إلى (مصاري)! يعني، بصراحة، أنني في ورطة ما بعدها ورطة إذا فشلت في إقناع فكرة أن تتجسد بكلمات مكتوبة لتنشر في هذه الزاوية.
وفجأة وسوست لي نفسي أن أطلع على (إميلي). فوجدت كماً كبيراً من الرسائل المحشوة بالفيروسات، كالعادة. وعدداً وافراً من رسائل السخرية، كالعادة أيضاً.. إلا أن رسالة مرسلة من الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية استوقفتني بسرعة.
تقول الرسالة: (السادة المشتركون في مزود خدمة الإنترنت في الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية المحترمين!.. نلفت نظر السادة المشتركين أنه قد وردنا من المؤسسة العامة للاتصالات كتاب متضمن تحذير السادة المشتركين أنه: تحاول بعض الجهات إرسال رسائل مشبوهة عبر البريد الإلكتروني لمشتركي الخدمة في القطر، فيرجى من المشتركين الذين وردتهم أو تردهم رسائل مشبوهة عدم الرد على تلك الرسائل قبل التأكد من سلامة تلك الجهة، والاتصال على رقم الهاتف 3737080-011. وإن مزود خدمة الإنترنت إذ يرسل مثل هذه الرسالة لمشتركي الخدمة فهو حرصاً منها على المشتركين الكرام خشية تحميلهم أي مسؤولية لاحقاً.
إدارة مزود خدمة الإنترنت!
في الحقيقة أود القول إنني أكن احتراماً للعاملين في الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية. إذ لم أحتج مرة واحدة قسم الدعم الفني مثلاً، إلا وتجاوبوا معي بأفضل ما لديهم. وهذه ميزة لم ألتقها في مؤسسة في هذا البلد.. لحسن الحظ.. وإلا لحسبت أن فيروساً خبيثاً لعب باسم وطني فسماه سويسرا بدلاً من سورية! وأيضاً لأنني أعرف أن أكثر العاملين في هذه الجمعية، وبضمنهم من هم في مجلس إدارتها، يقفون ضد سياسة الحجب اللعينة التي وصمت الإنترنت في بلدنا، التي يبدو أنها لن تزول! طبعاً دون أن يجدوا من يسمع لهم! ولتبرئة ذمتهم، لا يتوانون عن أن يشيروا دائماً إلى الجهة (الأم) المسؤولة المباشرة عن إنترنت السلحفاة، أقصد المؤسسة العامة للاتصالات، حامية حمانا، والقلعة الحصينة التي تنسى دائماً أن في بلدنا عدداً لا يحصى من القلاع الأثرية!
ما لنا! أعجبتني حقاً هذه الرسالة (الإعلانية)! وخاصة كلمة (مشبوهة) هذه التي لا تحمل مضموناً محدداً! ويمكنك أن (تحددها) حسب نواياك ومدى خبثك.. أو حقدك.. وربما عمالتك!
بالتأكيد لا يقصدون تلك الرسائل الخلاعية التي تغزو بريد العالم! فهي أقل (مستوى) من أن تعالج! ولا يقصدون طبعاً رسائل الفيروسات التي تخرب الحواسيب! فهذا شأن صاحب الحاسوب! وأنا واثق ثقة عمياء أنهم لا يقصدون النشرة البريدية لوزارة الخارجية، أو الداخلية، أو الإعلام، أو السياحة، أو... لأن أياً من وزاراتنا ومؤسساتنا العاملة على (خدمة) الوطن والمواطن لا تستعمل هذه (التقنية)! وهي محقة على كل حال. فماذا سترسل؟! ألا يجب أن تكون هناك معلومات عندها لترسلها؟! ثم ألا يجب أن يكون هذا السراب المسمى مواطناً يحمل أي شكل محدد في أعينها لتكلف نفسها (عناء) مثل هذا العمل؟!
وبالتأكيد، وأراهن على ذلك، أنها لا تقصد رسائل بريدية صادرة عن العدو الصهيوني الذي صراعنا معه صراع وجود لا صراع حدود! ولا من الإدارة الأمريكية الغاشمة التي تعيث بالعالم فساداً؟! وطبعاً، لا تقصد الرسائل الإعلانية الإجبارية التي تتحفنا بها سيرياتل وأريبا، شئنا ذلك أم لم نشأ! عفواً.. نسيت، تلك رسائل على الخليوي وليس على النت!
وليست، حكماً، تلك الرسائل الإعلانية المضمنة في ملصقات تشوه مدينتنا! وأكثر من 80 % منها ليست نعوات ولا تهنئات زفاف! بل ملصقات وضعتها جهات حكومية أو لها علاقة وطيدة مع الجهات (الحكومية)! صحيح.. صحيح.. تلك على الجدران وليست على النت..!
أية رسائل مشبوهة إذاً تلك التي يحذروننا منها؟! يبدو أن المؤسسة خائفة من إعلان الأسماء الحقيقية! هل هذا معقول؟! فسروها إذاً: لماذا لم تسمَّ الجهات المرسلة لتلك الرسائل؟! إما أنها خائفة من أن تسميها، وإما أنها تعتقد أن عدم ذكر (المرض) يبعده! وإما أن الأوامر التي تلقتها تطلب أن لا تذكر تلك الجهات! والحقيقة أن المرء يحتار أيها أسوأ الحجج!
لكن، بغض النظر عن هذا النقاش العقيم، هل لاحظتم الجملة الأخيرة: (حرصاً منها على المشتركين الكرام خشية تحميلهم أي مسؤولية لاحقاً)!
نعم، في الوقت الذي يتحفنا الإعلام أننا على أبواب قانون أحزاب ديمقراطي وعصري، وعلى أبواب (تحديد) استخدام قانون الطوارئ بما لا يمس حياة المواطنين، ونسير خبباً في ركاب ثورة تحديثية قانونية وتقنية...... في هذا الوقت، تخرج علينا المؤسسة لتنذرنا أن التعامل مع أية رسالة إلكترونية (مشبوهة) سيعرض المعني للمساءلة! وأية مسؤولية؟! لا تقول الرسالة شيئاً؟! لماذا لم يقولوا، مثلاً: مسؤولية قانونية؟! ببساطة لأن ما يفعلونه هو خارج على القانون! هو تعد على حقي في هذا العالم الافتراضي المسمى الإنترنت! وهو، أكثر من ذلك، إجبار لي لأكون أنا، بسام القاضي، عبداً في معركتهم الخاسرة التي أساءت لسورية حتى صار اسم الإنترنت في سورية يساوي: الحجب، والمحاكمات الاستثنائية للاتصال بهذا الموقع أو ذاك! وطبعاً، أنا لن أكون!
كفاكم يا ناس! حتى جدي رمى مدفأة الحطب واقتنى ما هو أحدث من ذلك! كفاكم إساءة لأنفسكم، ولنا، ولبلدنا! بضاعة الخوف بضاعة لم تعد رائجة! لم تعد رائجة! لم تعد رائجة!
- نساء سوريا.