تطالعنا في لبنان تصريحات نارية تطلقها بعض الشخصيات اللبنانية تجاه سورية
دولة و شعبا ً..
و هذا ما نسمعه و نراه يوميا ً عبر المحطات الفضائية اللبنانية و العربية .
إنها المرة الأولى التي ينفجر فيها الباطن السياسي لبعض الساسة في لبنان و يصدر حممه عبر الفوهة الإعلامية اللبنانية لينتشر في فضاء العالم السياسي
العربي و الاقليمي و الدولي على شكل مقذوفات عشوائية تصيب خبط عشواء
كل ما تمر عليه دون تمييز أو تفكير ..
لقد وصل بأحدهم أن عرّف طريقة تعاطي وعقل بعض الساسة في لبنان بأنهم
من ذوي الرؤوس الحامية . و الحامية هنا أتت لتبرز الصفات السلبية و السطحية لهذه العقول بعدما ثبت - بالدليل القاطع - أن أصحابها يتعاطون الشأن
السياسي اللبناني و العربي على شكل مزاجي و عصبي و استفزازي و اعتباطي
بل و حتى عدواني أيضا ً ..
فها هي بعض شخصيات العالم السياسي في لبنان تصدر البيانات الداعية إلى
إسقاط النظام في سورية بوصفه نظاما ً إرهابيا ً يشكل خطرا ً كبيرا ً على الشرق الأوسط و على العالم . و من ثم تعود هذه الشخصية بعيد ذلك إلى التراجع عن هذا البيان و الاعتذار عما جاء فيه ..!!
يبدو أن العلاقات السياسية اللبنانية- اللبنانية و اللبنانية - السورية و حتى
اللبنانية - الدولية و التي قاسمها المشترك هو جوهر وجود لبنان , هي علاقات
تحكمها النزعات العاطفية البعيدة كل البعد عن الواقع السياسي و الجغرافي
و التاريخي بل و الاقتصادي لعلاقة لبنان بمحيطه العربي و الاقليمي و الدولي .
هذه النزعات تتجلى يوميا ً بصور قصصيه و روائية تقليدية لم تحظ بالمشهد
العام على الحماية و الشرعية الفكرية من قبل الأوساط السياسية وأوساط العامة
عربيا ً و دوليا ً ..
وهذا ما دعا إلى تجنيه بعض الساسة في لبنان ممن كان الإنصات إليهم مدعاة
فخر و اعتزاز وثقة بعمق التأويل و التعليل و استهلال النتائج و الاستنتاجات .
فقد دعت هذه الشخصية إلى تهدئة الخطاب السياسي اللبناني تجاه سورية و عقلنة النمطية الإعلامية اللبنانية التي تشكل في لبنان انعكاسات فكرية و ثقافية
لمرجعياتها السياسية و الدينية التي بني على أساسها لبنان ماضيا ً و حاضرا ً .!!
و تتابع هذه الشخصية السياسية البارزة تصوير المشهد اللبناني على أنه مشهد
سياسي عار بعدما سقطت أواخر وريقات التوت عن جسده و كياناته السياسية.
وأصبحت بذلك الساحة اللبنانية ساحة للتعري السياسي و الإباحية الفكرية المبنية
على تراث طوائفي إرثي عتيق لا يرنو و لا يربو عن كونه إرهاصات و إخفاقات متتالية للعقل السياسي اللبناني القديم الجديد !!
حتى وصل ببعض هذه العقول الحامية إلى مطالبة بعض القوى اللبنانية الوطنية
بإثبات لبنانيتها وإجراء فحوص DNA في مختبرات FBI و CIA الأمريكيتين . متجاهلة و متعامية عن الإنجازات الكبرى التي حققتها هذه القوى في إطار التحرير و تحقيق النصر الكبير للبنان و للعروبة جمعاء .
فهل هذه إلا صورة أخرى لحالة التشوه و التشوش و التغييم الفكري السياسي لبعض ساسة لبنان ؟
و هل الاتهام المسبق لسورية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وما تلاه من
جرائم إلا صورة مبتذلة لمقولات هؤلاء في التاريخ و السياسة و الجغرافيا ؟
صحيح أن عند لبنان ما يدفعه للدعوة إلى تصحيح و تصويب العلاقات السورية - اللبنانية على أسس جديدة و نظيفة كما تدعو إلى ذلك بعض الشخصيات السياسية الوطنية في لبنان . و هذا ما أكدت عليه القيادة السياسية في سورية أيضا ً من خلال خطاب الرئيس السوري أمام مجلس الشعب السوري بقول سيادته أن أخطاء ً يمكن أن تكون قد حصلت في لبنان من قبل بعض السوريين .
لكن هذا الأمر لا يدعو على الإطلاق لاستعداء سورية و حلفاء سورية الكثيرين
في لبنان و خارج لبنان .
و لاسيما في هذه الفترة العصيبة من تاريخ منطقتنا و العالم . بحيث تكون الدعوة
إلى إسقاط النظام السوري - بصفة المجهول - هي الخطوة الصائبة على طريق
تصحيح العلاقة بين سورية و لبنان .
يتضح من هذه المقولة أن هذه القوى تدعو الولايات المتحدة الأمريكية إلى الضغط على سورية اقتصاديا ً و سياسيا ً و بل و حتى عسكريا ً حتى يتم إسقاط النظام . و اعتبار هذا الأمر هو حلقة في مسلسل المخطط الأمريكي بعنوان الفوضى البناءة في العراق ومن ثم في لبنان و من ثم في ......
وباعتبارأنني مواطنٌ عربيٌ سوريٌ غيورٌ على لبنان كغيرتي على سورية , أدعو و من هذا المنبر بعض القوى السياسية اللبنانية للعودة إلى لغة العقل و لغة
المصالح المشتركة من أجل لبنان و من أجل سورية و من أجل العروبة شعبا ً
و أمة . و تغليب التهدئة على الغضبة و التروي على التشفي كي يتم العبور إلى الغد بالرغم من كل ما نحمله من عوامل تجرنا إلى الخلف و تدفعنا دائما ً إلى
استنهاض ذاكراتنا الحاميات حول كثير من الإشكاليات و التناقضات الفرعية هنا
و هناك . شالة قدرتنا على استحضار إرثنا الفكري و الإبداعي و السياسي على طريق تجميع و حشد الطاقات العربية للتصدي لتحديات العصر و للتحولات
الكبرى التي حصلت و تحصل على امتداد الدول و القارات ..
و كما هو صحيح أن لبنان كان يمكن له أن يكون الأنموذج للعيش و المصير
المشترك , فإنه من الصحيح أيضا ً أن لبنان هو توأم سورية . و لابد إلا أن
يعيش كلاهما للآخر . و من هنا تأتي الدعوة إلى الهدوء و حكمة السياسة و
سياسة الحكمة في استصدار البيانات تجاه سورية وطنا ً و قيادة و شعبا ً في هذا
الزمن الصعب من تاريخ و مستقبل أمتنا العربية ..
أما الكف عن اتهام سورية الدائم و المسبق و المنهجي و النمطي من قبل بعض
الساسة , فهو ليس مطلبا ً شخصيا ً بقدر ما هو مطلب عام يدعو هذه الجهات
إلى تجنب الاحتراق السياسي في حال الوصول إلى نقطة اللا عودة !!!