آخر الأخبار

الأبجدية والتعليم في أوغاريت

شهد العالم في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد بداية التحولات الثقافية, والتعليمية, من حيث التفكير بتغيير الأنماط الكتابية السائدة, وبالأخص الثورة على الهيروغليفية, والمسمارية, الأكثر تداولاً في العالم القديم حينها, والثورة جاءت من الساحل السوري الذي كان صغيراً بمقاييس المساحة, والنفوذ والقوة, لكنه كان الأكبر من حيث المساهمة الحضارية التي قدمها للإنسانية.

لا شك بأن محاولات برمجة اللغة , والكتابة في ذلك الوقت كانت هاجساً بالنسبة للقائمين عليها لكي يتم تسهيل التعامل معها, نظراً للصعوبات الكبيرة في التعامل مع اللغتين الدوليتين السائدتين حينها:
1- الهيروغليفية, وكثرة رموزها وأسمائها وحروفها.
2- المسمارية المقطعية, حيث كل شكل فيها يمثل مقطعا ً صوتيا ً كاملاً.
وحيث في الكتابتين آلاف الأشكال المكتوبة, مما يجعل استخدامها صعباً.
وهذا ما نراه إلى اليوم في اللغتين ( اليابانية, والصينية) اللتين لا تعتمدا الأبجدية.
لذلك - وكما حدث في تعميم الحاسب في العصر الحديث - كان اختراع الأبجدية نوعاًً من تعميم الكتابة, وجعلها في متناول الناس, وليس الطبقة الحاكمة (السياسية والدينية).

الأبجدية, واللغة, والكتابة
قبل الحديث عن أبجدية أوغاريت، دعونا نفرق بين المصطلحات المتعلقة بهذه القضية, وخاصة التفريق بين اللغة والكتابة والأبجدية:

- اللغة , وهي التي تحدث بها الناس منذ مئات الآلاف من السنين.
- الكتابة, وجدت بأشكالٍ مختلفة منذ عصور ما قبل التاريخ.
- الأبجدية, أي ترتيب الحروف لاستخدامها في الكلمات, وفق أسس معينة, والتي تدل الأبحاث الأثرية أن (أوغاريت) هي التي اخترعتها في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد, وإن كنا نحبذ القول دائماً (أقدم أبجدية حتى الآن) فهذا لأن محاولات أخرى في اختراع الأبجدية, وجدت في تلك الفترة, وخاصة ً في (مصر) لكن الأبحاث - حتى الآن - لم تعط دليلا ًعلى وجود أبجدية, لكنها يمكن أن تعطي, وكما كان العالم يقر بأبجدية (جبيل) الأولى, قبل اكتشاف (أوغاريت) فإنه عند وجود أدلةٍ مادية على أن أية دولةٍ أو حضارةٍ قد اخترعت الأبجدية في وقت يسبق (أوغاريت) سيصحح التاريخ ثانيةً وهذه هي الميزة الجميلة للعلم بعيداً عن أية تعصبات إقليمية.

أول أبجدية ٍ في التاريخ
أساسٌ مصري, صنع ٌ سوري, وتوزيع ٌ لبناني
كما ذكرنا في البداية هناك محاولات في الكتابة الأبجدية, وفي وادي النيل تحديداً لكن هذه المحاولات لم تعط سوى الأبجدية السينائية, غير المكتملة, ورغم عدم وجود دليلٍ أكيدٍ على أن الأوغاريتيين أخذوا من المصريين, أو أن أبجديتهم نهلت من المصرية, فإن التشابه يقود إلى ذلك, وإن التأثر والتأثير المتبادلين في تلك الفترة يفرض ذلك, وهذا ما سنراه عند المقارنة بين أبجدية (جبيل) وأبجدية (أوغاريت). مع ذلك فإن بعض الدارسين للغة الأوغاريتية - ومنهم راؤل فيتالي - يؤكدون أن الأبجدية الأوغاريتية هي اختراعٌ محليٌ صرف, وليس تطويراً لأية أبجديةٍ أخرى.

دونت أبجدية (أوغاريت) في عهد ملكها الأشهر نقماد الثاني (1370-1340 ق .م) وهي مكونة من 30 حرفاً, وتأخذ الترتيب الأبجدي العربي المعروف (أبجد هوز حطي كلمن....) ولا تختلف عن العربية إلا في غياب الضاد عنها, وفي وجود حرف (سين) ثانٍ لم يستخدم إلا في الكلمات التي هي من أصلٍ غير أوغاريتي.

أما أبجدية (جبيل) فقد دونت في القرن العاشر قبل الميلاد في عهد أحيرام الشهير وهي مكونة من 22 حرفاً, وإذا قارنا بينهما نجد أن أبجدية (جبيل) هي تطويرٌ لأبجدية (أوغاريت) ولا يمكن أن تسبقها, والمعروف طبعاً أن أبجدية (جبيل) هي الفينيقية التي أخذها الغرب من سورية, وحيث كانت أوغاريت غائبة (مدمرة) ويبدو أنها المقصودة في كلام فيليب حتي : إن الفضل يعود لـ - قدموس - أخي- عربا- في إدخال حروف الهجاء إلى بلاد الإغريق (بالطبع ومنها إلى أوروبا) . إذاً هناك أساس مصريٌ, وفعلٌ سوريٌ, وتوزيعٌ لبناني (بالمقاس الحديث للتوصيف).

فن الكتابة في أوغاريت:
إن الكتابة التي كانت تعتبر في العهود السحيقة بمثابة أم العلوم، تشغل مركز الصدارة في اهتمامات مثقفي أوغاريت. ونجد بهذا الصدد، من بين نصوص رأس الشمرة، نصاً يحمل دلالة كبيرة. إنه على وجه التحديد صلاة كتبت بصيغة رسالة موجهة من كاهن إلى أحد الآلهة، وموضوعها طلب حظوة كاتب مستجد ومساعدته، ومما جاء في النص:
(للقضية التي أستعطفك من أجلها، لا تظهر، في عظمتك، عدم الاهتمام... بهذا التلميذ الفتي، الجالس أمامك. لا تظهرعدم الاهتمام... في فن الكتابة، أي سر، اكشف له... العدّ، المحاسبة، أي حل، أكشف له... الكتابة السرية، أكشف له! القصب المبري والجلد، الدهن والفخار، أعط ذلك لهذا التلميذ الفتي.. إذن، من كل ما يتصل بفن الكتابة، لا تهمل شيئاً).

لم يكشف في أوغاريت، كما هي الحال في ماري، عن صف ومقاعد درس، كما لم يكشف عن فروض كتبها التلاميذ ودققها مدير المعهد، كما هي الحال في ايبلا. لكن، ما أكثر الشواهد التي تدل على نشاط مدرسي مكثف، واذا لم يجر ذلك النشاط بالضرورة في أماكن معدة للتعليم خاصة، فلدينا بالمقابل أكثر من قرينة، تبرهن على أن التعليم كان يتم في القاعات المعدة للأضابير، وفي المكتبات، إذ إن معظم الوثائق ذات الطابع المدرسي، قد وجدت في تلك القاعات.

وهكذا فقد جمعت من الديوان الغربي للأضابير في القصرالملكي، عدة أقلام كانت تستخدم لحفر الإشارات المسمارية فوق فخار الرقم، كما عثر على تمرين مدرسي. يتضمن أربعة حروف تفصل بينها خطوط صغيرة عمودية، ثم كلمة مركبة من تلك الحروف. فيمكننا التخيل بأن المعلم كان يملي على تلاميذه تلك الأحرف، ويكون عليهم من ثم أن يؤلفوا منها كلمة.
وهناك اكتشافات كثيرة تلحظ جهود الكتبة، والتعليم الذي كانوا يقدمونه دون حدود لتلامذتهم. وتميز بسهولة، إذا كانت الإشارات المسمارية من نقش يد ماهرة مدربة، أو أنها من صنع يد قليلة خبرة.

تفكيـك المقطـع الصوتي
لا يسعنا إلا أن نتوقف هنا عند تلك اللحظة التاريخية التي تفتقت فيها فكرة عبقرية في ذهن كاتب من كتبة أوغاريت. كان ذلك الكاتب يبغي تدوين اللغة المحلية، وشغله هاجس اكتشاف طريقة في الكتابة، أسهل مما كان معروفا في ذلك العصر. يقول جبرائيل سعادة عن ذلك: هؤلاء الكتبة من أوغاريت كانت بين أيديهم على الدوام نصوص أكادية بالكتابة المسمارية المقطعية. وتعلموا هم أنفسهم، كتابة الأكادية التي كانت آنذاك اللغة المنتشرة .

وها هي ألف سنة تدور دورتها، دون أن يدور في خلد أحد أنه كان بالإمكان إيجاد كتابة، يمثل فيها كل شكل حرفاً واحداً، بدلا من تمثيل مقطع صوتي، وتلك هي القاعدة البسيطة التي نهضت عليها جميع أبجدياتنا الحديثة. كان قد رسخ في اعتقاد الكتبة أن الحرف الجامد على ارتباط لافكاك له مع الصوت الذي يليه. وكان المقطع الصوتي، على ذلك، يؤلف عنصراً ثابتاً، غير قابل للتجزئة، شأنه شأن الذرّة. ونعلم مقدار ما بذل من جهود، وعلم، ووقت، قبل التوصيل إلى تفتيت الذرة. وعلى المنوال نفسه، أمضت البشرية زمناً مديداً قبل أن تكتشف إمكانية تفكيك المقطع الصوتي. كانت البشرية، ولا شك، تتطلع إلى كتابة جديدة، تخلصها من القيم المقطعية التي تجعل الكتابة على درجة كبيرة من الصعوبة. تلك الرغبة الكامنة كمون الجمر تحت الرماد، خرجت إلى حيز الواقع، وأصبحت حقيقة ملموسة عندما تحقق المشروع الجريء الذي باشره كاتب نجهل اسمه، وقدر له أن يعيش على الشاطئ السوري، في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. إن ذلك الإبداع القائم ولا شك على العبقرية، وعلى ملكة تجريد راسخة وعظيمة، قد أتاح ولادة أبجدية في غاية التبسيط، ولا تشتمل إلا على ثلاثين حرفاً فقط .

رقم القراءة الأبجدية:
توجد عدة وثائق غاية في الأهمية، لأنها تدخل بنا إلى صميم العلاقة بين الكتبة والتلاميذ, ونعني بذلك رقم القراءة الأبجدية، والتي نجد فيها أحرف أبجدية أوغاريت الثلاثين مرتبة بحسب التسلسل الذي كان معتمدا آنذاك، وهذا التسلسل المحدد الذي تشهد عليه جميع رقم القراءة التي عثر عليها حتى الآن، يدل على أن تلك الوثائق إنما وضعت بغاية التعليم، أي أن الكتبة المستجدين كان باستطاعتهم أن يحفظوا بسهولة أكبر، وعن ظهر قلب، الأحرف الثلاثين وهي تعرض أمامهم حسب تسلسل لا يتغير. وتجدر الإشارة إلى أن ذلك الترتيب، يكاد يكون ترتيب الأبجدية اليونانية ذاته، لولا بعض الفروق الطفيفة.

ويتابع جبرائيل سعادة:
إنه لأمر يبعث على التأثر أن نفكر بأن الأطفال اليوم في عدد كبير من بلدان المعمورة، يتعلمون استظهار الأبجدية بالترتيب الذي اختاره لها كاتب من أوغاريت منذ أربعة وثلاثين قرناً من الزمن .

يبلغ عدد رقم القراءة الأبجدية المكتشفة حتى الآن إثني عشر رقيماً، بعضها لم تنشر بعد، يوجد بينها خمسة رقم نقشت فيها الأبجدية مرة واحدة، دون وجود أي نص. فتلك التي كتبت بخط جميل كانت، دون أدنى شك، بمثابة رقم نموذجية أعدها الكتبة للتداول بين أيدي التلاميذ. أما تلك التي تتراوح كتابتها جودة ورداءة، فهي تشير ولاشك إلى أنها من صنع كتبة مستجدين، يبذلون جهدهم في إعادة رسم الإشارات. وهناك رقيم لا يحمل إلا الأحرف الستة الأولى من الأبجدية. فهو، على ما يبدو، وظيفة لم تكمل، لسبب أو لآخر.

يوجد أيضا رقيمان يشهدان بوضوح تام أنهما لكاتب مستجد, في اللوح الأول يعيد نسخ الأحرف العشرة الأولى سبع مرات، ثم ازدادت ثقته بنفسه، فاندفع ينسخ جميع الإشارات دفعة واحدة. ثم الرقيم الثاني الذي يوجد في قسمه العلوي إشارات الأبجدية مكتوبة بيد المعلم موزعة في سطرين، في الأول منهما اثنان وعشرون حرفا، وفي الثاني ثمانية.

بينما في القسم السفلي راح التلميذ، بسبب شروده أو سذاجته ينسخ النموذج المعطى له مبتدئا بالأحرف الثمانية من السطر الثاني، من القسم العلوي.
وهناك لوح مثير للفضول هو إما مسودة، وإما نموذج مخصص للكتبة المكلفين بالمراسلة. إذ بالإضافة إلى الأحد عشر حرفا الأولى من الأبجدية، توجد بعض عبارات التمني التي غالبا ما نشاهدها في رسائل رأس الشمرة. (فلتحفظك الآلهة، فلتنقذك!.) فلتحقق أغلى الأماني، برضى الآلهة، لأخي، لصديقي!..).

نعرض أخيرا إلى رقيم رتبت فيه أبجدية أوغاريت في أعمدة، ويوجد مقابل كل حرف المقطع الصوتي الأكادي المطابق له باللفظ. إنه ولا شك جدول مقارن وضع لخدمة الكتبة المكلفين بالترجمة من الأوغاريتية إلى الأكادية، وبالعكس. ويسمح لنا هذا اللوح الأخير أن نتحدث عن معارف كتبة أوغاريت، وإطلاعهم على اللغات الأجنبية، وعلى كفاءتهم في ميدان الترجمة .

اللغات الأجنبية
نحن الآن بصدد الحديث عن القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، حيث كان معظم الكنعانيين في أوغاريت يتحدثون اللغة التي حفظتها لنا النصوص المكتوبة بالمسمارية الأبجدية التي تحدثنا عنها أعلاه، يمكن إذن أن نقول إنها: اللغة الكنعانية أو: اللغة الأوغاريتية. وهي لهجة سامية قريبة كل القرب من اللغة العربية التي تشترك معها بأكثر من ألف كلمة. بالإضافة إلى الكنعانيين، كان هناك عدد لابأس به من الحوريين قدموا من شمال شرقي سورية. وكان هذا الشعب الهندو ـ أوروبي يتكلم ويكتب اللغة الحورية. وهكذا يمكن القول بأن الأوغاريتية والحورية كانتا اللغتين المحليتين للمدينة.

لا بد من إضافة اللغة الأكادية, والتي تعتبر اللغة الرسمية في ذلك الوقت, وهي التي ولدت في بلاد الرافدين نحو منتصف الألف الثالثة ق.م. وكانت لغة المراسلات السياسية, والتجارية في مختلف ممالك ذلك العصر. وكذلك اللغة السومرية, ويمكن وصفها باللغة العلمية. ورغم أن لغة المراسلات مع (مصر, والحثيين, وقبرص) باللغة الأكادية, فقد وجدت بعض الرقم وعليها كتابات بلغة تلك البلدان.
لغة التعليم والأدب في أوغاريت لم تخرج عن الأوغاريتية, والحورية, جنباً إلى جنب مع الأكادية, والسومرية. وهناك نماذج عديدة لترجمات, ونصوص مقارنة, ومقتطفات من آداب تلك الشعوب منقوشة بأكثر من لغة.

أبجدية أوغاريت:
وجد الرقيم الذي دونت عليه الأبجدية في إحدى الغرف الملحقة بقصر أوغاريت، وهو لوح طيني مشوي قياسه: 6-1,5-1 سم , وهو محفوظ حالياً في متحف دمشق الوطني, يقول العالم السوفيتي (شيفمان) عنها:

تنتسب اللغة الأوغاريتية, من حيث التصنيف العام المعترف به إلى الفئة الكنعانية الأمورية من مجموعة اللغات السامية الشمالية الغربية .
ويقول عنها العالم الفرنسي أندريه كاكو: إن الأبجدية الأوغاريتية, كما هو الحال في الفينيقي والآرامي والعبري والعربي, لهجةٌ تابعة ٌ للغات السامية .

اللغة الأوغاريتية واللغة العربية الفصحى:
في ندوة أقيمت في جامعة اليرموك في الأردن ألقى جبرائيل سعادة محاضرة حول اللغة الأوغاريتية واللغة العربية تحدث فيها عن الجوانب المشتركة بين اللغتين ونحن هنا لن نفصل كثيراً في هذه المحاضرة بل سنتناول أهم مفاصلها التي تخدم بحثنا هنا يقول سعادة:
نرى لزاماً علينا أن نخوض في العلاقة بين اللغة الأوغاريتية واللغة العربية لأن العلماء الأجانب من أوروبيين وأمريكيين عودونا, مع الأسف, أن يبعدوا عن أبحاثهم وتحرياتهم كل ما هو عربي, لا سيما في مجال دراسة اللغات الاشرقية القديمة .

ويصرح د. علي أبو عساف:
نلاحظ أن معظم العلماء المهتمين بدراسة اللغات الشرقية قللوا من استشهادهم بمفردات اللغة العربية وقواعدها حين يدرسون نصاً أوغاريتياً أو آرامياً, إن اللغة التي نتحدث عنها ليست سوى المرحلة النهائية التي تطورت إليها لغات بلادنا القديمة, التي وصلت إلينا بالخط المسماري, أو بالأحرف الأبجدية, فهي إذاً وريثة تلك اللهجات بكل ما في هذه الكلمة من معنى .

الدكتور الياس بيطار مدرس اللغات القديمة يقول في كتابه (قواعد اللغة الأوغاريتية):
إن البناء اللغوي للغة الأوغاريتية ربما يمثل الطفولة المفقودة للغة العربية التي لم تكشف حتى الآن. فالأوغاريتية تتطابق مع الجذور اللغوية التي تظهر في هذا العدد الهائل من الألفاظ المشتركة بين اللغتين, وكذلك في البناء اللغوي الذي أثبتت دراسته - بالمقارنة مع اللغات الشرقية الأخرى - أنه واحد .

يتابع سعادة:
بالنسبة للمفردات, يبلغ عدد الكلمات الأوغاريتية الواردة في النصوص المكتشفة حوالي 2768 كلمة يتضمن هذا العدد أسماء الآلهة, وأسماء الأشخاص, وأسماء الأماكن, حيث يبلغ 1492 كلمة, فإذا طرحنا هذا العدد من مجموع الكلمات, يصبح عدد الكلمات النكرة 1276 كلمة. لقد أحصى العالم العراقي عزالدين الياسين عدد المفردات المشتركة بين الأوغاريتي والعربي فتوصل إلى 660 كلمة, لكن تبين بعد ذلك أن العدد يصل إلى حوالي ألف كلمة, أي أن ثلثي المفردات الأوغاريتية مطابقة تماماً للمفردات العربية, أو قريبة جداً منها (جدول 1).
إن التشابه لا يقف عند هذا الحد, فهناك تفريق بين الحاء والخاء في اللغتين, وكذلك بين العين والغين, وهناك نقاط تشابه في مجال الصرف, والنحو: كالتشابه في الجملة الفعلية, واستخدام المثنى, وجمع المذكر السالم, وجمع المؤنث السالم, وجمع التكسير.

التشابه مع اللهجة الدارجة في اللاذقية:
هذا التشابه واضح ٌ في أكثر من مجال, يقول العالم الإنكليزي جون هيلي:
إن سكان اللاذقية هم في مجال الثقافة واللغة ورثة الشعب الذي كان قاطنا في أوغاريت, فلا غرابة أن تكون بعض المفردات, وكذلك أشكالٌ من قواعد الصرف قد بقيت في اللغة المحلية الدارجة, ولا شك أن هذا سيسهل دراسة النصوص الأوغاريتية, وخاصةً عندما ترد عبارة: (شبع بكي) .
أضف إلى ذلك اختفاء حرف النون في اللغة الأوغاريتية, والدارجة اللاذقانية: بت عوضاً عن بنت, إت عوضاً عن أنت، أف/أنف, حطة/حنطة... (للمزيد راجع جدول رقم 2).

فإذا كان الصمد الذي اخترعه الأوغاريتيون, السبب في اكتشاف أوغاريت, عندما اصطدم صمد محمود منلا (الزير) بحجرٍ كبيرٍ من حجارة أوغاريت, ففتح الباب واسعاً أمام التحريات الأثرية التي عرفت العالم على أوغاريت, وحضارتها, فإن الكلمات الأوغاريتية التي ما تزال تعيش بيننا كثيرةٌ جداً, فإذا سمعت ابن اللاذقية يقول حتى اليوم: ما فا الدجن ببيتنا فهو يقصد: لا يوجد الدجن في بيتنا, والدجن اسم إله القمح (داجن) ويقصد به في اللاذقية الخبز.

ولا تستغرب أن يقال عن الأهبل: خفوشة, فقد كان أجدادنا الأوغاريتيون يستخدمون الكلمة بالمعنى نفسه.
أخيراً إذا كنت من اللاذقية فلا يحرجك تندر البعض حول كلمة: عيّن (المشددة) فاستخدام الإسم كفعلٍ كان دارجاًُ في أوغاريت, وكذلك تسكين الحرف الأخير من الفعل الجماعي: أخدوهْن, أكلوهْن...

أما إذا كنت فعلاً من أحفاد الأوغاريتيين فهذا فخرٌ لك, وواجبٌ عليك أن تحرص على تلك الحضارة, وتعرف العالم عليها, وإلا ينطبق عليك ما أفعله ببعض السياح السوريين عندما يزورون أوغاريت, فأقول لهم:
أولاً: المهم في أوغاريت لن تروه هنا, فهو في المتاحف والكتب.
ثانياً: هذه الحجرة الكبيرة, ليست طاولة, كما يحاول الدليل المحلي اقناعكم.
ثالثاً: إذا كنتم تعتقدون أن الأغاريتيين أجدادكم فأنتم مخطئون.
تفضلو إلى الزيارة.

سجيع قرقماز

الأبجدية الجديدة