احيانا تحزنني و تغضبني الكلمات وذكراها واحيانا اخرى تأسرني وتبهرني في معناها وفحواها واحيانا تشحن الكلمات همة قلمي واحيانا اخرى كثيره اشعر ان الكلمات تثقب الورق وتخترق الزمن غير ابهه بعَّد سنينه وعدَّاد ايامه وفي الاونه الاخيره وفي احيانا ليس قليله ما ان اطوي صفحة ذكرى حتى تحل مكانها ذكرى اخرى.. خزَّان احداث.. وهكذا دواليك دخلت في دوامة زمن الازمان ومواقع امكنة المكان فتزَّمنت زماني وتمَّكنت مكاني حتى حفظت التواريخ والاحداث عن ظهر قلب ومن عام الى اخر كبر وتضخَّم كنزي الذي لا ينضب حتى كبر وتجبَّر وصار طاغية من نوع اخر يظلمني ويطغي على حياتي طوعا ما مضى منها وما هو حاضر وغائب في غياهب الافق البعيد القريب حتى صرت كلي دما ولحما وعظما وعقلا قصة وطن لا يتركني ولا اتركه..يرافقني حيث ارحل وحيث احل الى حد تداخل الامور في مفاهيمها ومقوماتها ومعطياتها في سؤال : من يحمل من في حقيبته؟.. انا ام الوطن؟..تجاوزت كل الاجوبه حتى لا اثقل كاهلي وكاهل رفيق دربي وعمري بمزيد من الاسئله وبمزيد من شقاء الروح وانا ارى في شقوق كفة فلاح قصة وطن موشومه ومحفوظه في صندوق ومنقوشه على ورق كوشان الارض وختوم وتواقيع كل الازمان والعصور والحكام وكل المارون والعابرون من هنا حيث انا واقفا على مرمى حجر من ارض امي وارض جد جدي واجداد جدي..هناك في هذه الارض ما زالت عظامهم في تربتها ترزح تحت وطأة نباشي القبور مشيدي صرح اكذوبة الفي عام مضت ولم يمضي على من مضى من اجدادي الى جوار ربهم سوى بضعة عقود وعظامهم الحيه شاهد على شاهد قبر كتب عليه عام 1948..حيفا..عكا..صفد..يافا.. الرمله.. اللد.. اسدود.. عسقلان.. بئر السبع..اطلال شاهده على تاريخ بلاد منكوبه ومنهوبه وعلى قارعة الطرق حيث كانت البيوت عامره باهلها ما زال الصبار يسطر ملحمة الصبر الاعظم على ظلم تعرض له اهل الديار المغتصبه والدار المهجوره..هجر عن هجر يفرق, لكن عن هجرنا وتهجيرنا القسري حدث وحدث واستحدث الكلمات والشهاد على ماجرى لوطن كامل كان عامر باهله واذ به يصبح بين ليلة وضحاها وطن بلا اهله.. سته وستون عاما والصوره محفوظه في ذاكرة اهل الوطن..قوافل تلحق بقوافل نحو الحدود وحدود المجهول...صدأ مفتاح الدار وضاع الباب و ضاعت معالم الدار وصارت كومة حجاره تحمل في ذراتها ومركباتها قصة شعب كامل تكالب عليه العالم اللذي تستر على جريمة ما زالت تفاصيلها متواصله.. حاصر حصارك وشد سلاسل قيودك وبلط البحر وافعل ما تشاء..اهل الوطن ما تركوه ليتركوه او ينسوه لابل شيدوه وعلقوه في عروق قلوبهم ووطَّنوه في بنيان وجدان صلب مصبوب عمقا في الارض والوطن..فشيد بناءك وناطحات سحابك.. حتما سننطحها اجلا ام عاجلا..!!
ندرك ان شوائب ليست بقليله شابت الحلم الفلسطيني وندرك ان عثرات كثيره واجهت هذا الحلم المتوهج دوما جيل بعد جيل وكان من بيننا من كان دمه زيت لقنديل الوطن والتراب الوطني وبالرغم ان من بيننا ايضا من فضلوا العيش على الوطن وتعايشوا مع مقومات الاحتلال وتعاملوا معها من اجل راتب او معاش او حاجات دنيويه تافهه إلا ان الاكثريه الفلسطينيه ما زالت تقبض على الحلم بجمره ورمله الى حد ان الشعب الفلسطيني وطنا ومهجرا وعبر القارات قد شكل سلسله وطنيه متينه تقيم الفعاليات وتشعل نور الحق الفلسطيني في كل اماكن الدنيا والقارات والى هؤلاء الداعمين للحلم والداعمين لقضية شعبهم كل التحايا اينما كانوا وتواجدوا وطنا ومهجرا وعلى طول الدنيا وعرضها..لكم يا حاملين الرايه الفلسطينيه كل التحيه الوطنيه والشهاده التاريخيه بأنكم هؤلاء الذين طبقوا مقولة " ما ضاع حق ووراءه مطالب"..مطالب واحد! وكيف هو الحال اذا اخذنا بالحسبان ان عدد المطالبون بحقهم بلغ 12 مليون فلسطيني, لهم ولكل من يقبض على جمرة الحق الفلسطيني نقول ان العابرون عابرون والمارون مارون والمحتَّلون مهزومون اجلا ام عاجلا... والبقاء ولو بعد حين هو لشعب فلسطين.. جمل المحامل وسيد اسياد المناضلين الاحرار في هذا العالم!!
من هنا و بكل فخر نرى ان ابناء وبنات الشعب الفلسطيني يزدادون كل عام اصرارا ووعيا وعددا وهُم يُسَيرون المسيرات الى القرى المهجره ويصرون على العوده وإعادة بناء القرى الفلسطينيه شبر شبر وطوبا طوبا وهذه القرى لها ابناء وبنات من الجيل الثاني والثالث الفلسطيني وحتما سيعود هؤلاء يوما ما ليبنون قراهم من جديد مهما شيد الغاصبون ومهما سيَّجوا من سياجات واقاموا من مغتصبات على الارض الفلسطينيه...حاصر حصارك وسيج سياجاتك وانصب حيطانك ومعازلك لقد ودَّع الفلسطيني منذ زمن صدمة النكبه ونهض بالحِمل ليعيد الحلم الى نصابه الصحيح لتسير به الاجيال ويسير بها نحو تحقيق الحق وإعادته الى اهله...خابت اماني الاعداء ولم يمت الاباء وتنسى الابناء..نعم ماتت الاباء والاجداد في المنافي وبقيت الشعله الفلسطينيه متقأه يحملها ابناء وبنات الاجيال الفلسطينيه المتعاقبه..12 مليون فلسطيني.. اكثريتهم يحلمون نفس الحلم وهم إطاراته ودواليبه ووقوده ومقوده وسكَّته وقطاره اللذي لن يتوقف الا في محطة وطنه الاخيره..الاخيره وما بعد بعد الاخيره ..حلم جذوره في الارض واغصانه في الافق.. يرونه بعيدا ونراه اقرب واقصرَّ من جمحة غزال!!
هناك وهنا عبق لايخطأ رائحته عاقلا ولا غاصبا.. من جبال الجليل الى جبال الخليل ومن مرج بن عامر وحتى صحراء النقب وهناك في السهل والساحل والمثلث والمربع وربوع الضفه و شواطئ غزه والقدس ومأذن وكنائس القدس يصدح الوطن بصوت شعبه واهله.. ناصية حلمك تعبر الى مربع نور يغرق عتمة هذا الدجى وهذا الظلم الطويل...ناصية حلمك نخلة شامخه زرعت جذورها في الثرى ... زيتونه تعانق زعتر الوطن وتشدو له: باقون ما بقي الزعتر والزيتون...باقون وعائدون..وعلى هذه الارض ما يستحق التضحيه والحياه وفي هذا الوطن اكثر من ذاكرة وطن...ذاكرة شعب نهض من بين الركام وطين المخيم ليقول ان الذاكره والذكرى ان لم تكون وقود شعلة الوطن وملح حلمه فهي ذاكره مثقوبه وذكرى ميته...!!
ستة وستون عاما وشعلة ناصية الحلم الفلسطيني لم تنطفأ لابل تزيد سطوعا واشعاعا عام بعد عام...ستة وستون عاما وما زال سارق الدار والديار يتوسل ويتسول اعترافنا بباطله كأنه يقول او يقول.. تعالوا وشاركوا في جنازة قاتل ابوكم وامكم واخوكم وسارق وطنكم ودياركم.. يجوز ما لايجوز ويصح ما لا يصح ولا يصح غير الصحيح.. ايها الفلسطيني.. اقبض على حقك واكمش على كوشانك ...تمكَّن مكانك وتزَّمن زمانك.. وتكنَّف اكنافك في وعلى اكناف الوطن.. ستدور الدائره على ناكب المنكوب وسنستبدل الذكرى يوما ما بذكرى اخرى!.. الوقوف على ناصية حلمك هو خيارك الاول والاخير.. وكما قال شاعرنا..فانت الان حر وحر وحر:
قف على ناصية الحلم و قاتلْ
فَلَكَ الأجراسُ ما زالت تدُقُّ
ولك الساعة ما زالت تدُقُ (*محمود درويش )
إضافة تعليق جديد