آخر الأخبار

طاسة سحلب

  في أحد أيام الكوانين الباردة , كان برد الليل قد ترك مساحات صغيرة ومتفرقة من المياه المتجمدة ,وكان  بضعة تلاميذ يتدافعون ويستعجلون بعضهم كي يدلفوا عبر البوابة الرئيسية للمدرسة , ويلتحقوا بأقرانهم في الساحة استعدادا للإصطفاف المعتاد .

   بدا أحدهم غير مكترث بهذه الحركة النشطة وهو متسمرا على مقربة من عربة لبائع سحلب .

لم يكن  طالبا كسولا بل كان يصنف بين (الشاطرين) ولم يسبق له أن تأخر عن موعد الإجتماع الصباحي .

كم أحسد هذا البائع هجس لنفسه ,عدا عن أنه غير ملزم بدوام المدرسة فهو يدفىء نفسه جيدا .

  لم يعلم  من أين أتته تلك الرغبة الجامحة بتناول طاسة سحلب ساخنة, على الرغم من أنه يعلم أنه سيتأخر عن موعد الإصطفاف الصباحي .

  وبعد تردد قصير اقترب من بائع السحلب وطلب طاسة مع كعكة وبعد أن ناوله النقود انزوى عند سور المدرسة وبدأ يغمس طرف الكعكة بالسائل الساخن مخففا من حرارته  ويأكلها باستمتاع ظاهر وهو يرمق بطرف عينه آخر الطلاب الذين ولجوا باب المدرسة .

 أحس في وحدته تلك بشعور غامض وتسللت في الحال رعشة خفيفة انطلقت من بين فخذيه .

 كان آذن المدرسة يهم بإغلاق البوابة حين أوشك  على الإنتهاء من تناول وجبته الدافئة وانتظر قليلا حتى غاب هذا عن أنظاره وحينها دلف من شق صغير بشكل عرضاني بالكاد يتسع لجسده كان يستخدمه الطلاب الأكبر سنا في الهرب أحيانا من المدرسة.

   وتناهى لسمعه صوت أحد المعلمين يهيب بالطلاب :

"كن مستعدا لبناء المجتمع العربي الإشتراكي الموحد والدفاع عنه"

 ليأتي صوت الطلاب مجيبا : مستعد دائما.

   وانتظر حتى بدأ الطلاب بالدخول إلى الأروقة الداخلية للتوزع على الصفوف ليغذ الخطى وبالكاد لحق بآخر الطلاب الداخلين .

   دخل إلى الرواق الطويل ودلف إلى صفه محاولا تجنب نظرات رفاقه ,ولم يكد يستوي على مقعده حتى  شعر مرة أخرى برعشة خفيفة تشبه سابقتها,لم يكن يعرف سببها ولكنه كان  يعلم  أنه  ولأول مرة يدخل إلى صفه وهو غير مستعد لبناء المجتمع العربي الإشتراكي ..والدفاع عنه !

إضافة تعليق جديد