آخر الأخبار

الوثائق الإسرائيلية (11)

«الموساد»، الذي أظهرته لجنة أغرنات «بطلا»، في الحلقة الماضية والحلقة الحالية من تقرير لجنة أغرنات، هو أهم وأكبر وأغنى جهاز أمني اسرائيلي بعد الجيش من مجموع الأجهزة الأمنية الستة العاملة في اسرائيل اليوم. ومع انه لم يسلم من انتقادات لجنة أغرنات، إلا انه سجل لنفسه عدة انجازات في طريق تحذير الحكومة من احتمال شن حرب سورية مصرية مشتركة.
فهو الجهاز الذي جلب المعلومات عن الإعداد لهذه الحرب، خصوصا في الطرف الرسمي من الحدود، وهو الذي جند الجواسيس الذين أعطوا انذارات دقيقة عن الحرب وموعدها الدقيق (يوم 6 أكتوبر)، وهو الذي نظم عملية خطف طائرة «ميج 21» عراقية الى اسرائيل وبذلك تعرفوا على أسرار أهم طائرة سوفييتية حديثة في ذلك الوقت. وحتى عندما ارتكب أخطاء، حظي بدعم الحكومة له. ولجنة أغرنات نفسها تعاملت معه بنفس الدلال وأبدت تفهما لأخطائه، كما سنرى لاحقا في تقريرها.

وقبل متابعة النشر حول التقرير، لا بد من التعرف على هذا الجهاز وتاريخه واهتماماته، من خلال الاستعراض التالي لتركيبته وعملياته البارزة.

تأسس جهاز «الموساد» رسميا في سنة 1949، ولكنه كان قد بدأ العمل غير الرسمي قبل عشرات السنين من قيام اسرائيل. فقد أقام كل تنظيم صهيوني يومها («الهاجناة»، «الاتسل»، «ليحي»، «بلماح») وغيرها.. وحدة استخبارات في صفوفه. وتدرب بعضهم في الجيش البريطاني، وجاءوا الى فلسطين ونشطوا لتطوير الجهاز الاستخباري. وأصبح بعض أفراد هذه الوحدة من الشخصيات العسكرية البارزة في اسرائيل لاحقا، في اجهزة المخابرات أو في القيادات العامة.

وعند قيام اسرائيل كانت هناك عدة أجهزة استخبارية منتشرة في الجيش والشرطة وبشكل مستقل، ونتيجة لهذا الانتشار الواسع بدأت تدب الفوضى وتتضارب المصالح في هذه الأجهزة. فاستدعى رئيس الوزراء دافيد بن غوريون، اليه مستشاره رؤوبين شيلواح، وأبلغه بأنه سيحمله مسؤولية توحيد جميع الأجهزة الاستخبارية في اسرائيل تحت سقف واحد واتفق على أن يكون «الموساد» مسؤولا عن جميع الأجهزة الأخرى: المخابرات العامة الداخلية، والمخابرات الخارجية، والمخابرات المهتمة بالسياسات الخارجية، والمخابرات العاملة على جلب اليهود من الخارج (من دول الاتحاد السوفييتي والدول العربية بشكل خاص) وغيرها. ثم عينه رئيسا لكل هذه الأجهزة.

إلا أن هذه الوحدة تحت سقف «الموساد» لم تدم طويلا وعادت الحكومة لتحدث تراجعا في وزن «الموساد» وتقليص صلاحياته، عندما تم اخراج «المخابرات العامة» («الشين بيت» ثم «الشاباك»)، وتقلص في العقدين الأخيرين ليقتصر نشاطه على الخارج وتنشق عنه جميع أجهزة المخابرات الأخرى.

في الشعار الأساسي لجهاز «الموساد» نقشت جملة من «التلمود»، أي التعاليم الدينية اليهودية تقول: «من دون أحابيل، يسقط الشعب».

ويتألف هذا الجهاز اليوم من خمس دوائر عمل أساسية، لكل دائرة رئيس ويشكل فيه الرؤساء ادارة عامة تحت قيادة اللواء الذي يرأسه. ويرأس الجهاز اليوم الجنرال مئير دغان، الذي عينه رئيس الوزراء السابق، أرئيل شارون، وكان من المفروض أن ينهي دورته في هذه السنة، إلا ان ايهود أولمرت، رئيس الوزراء الحالي، طلب منه أن يمدد لسنة اخرى. وأما الدوائر الأساسية فهي: دائرة «تيفيل» (وتعني بالعبرية «الكرة الأرضية»): وهي المسؤولة عن العلاقات الرسمية مع أجهزة الأمن في الدول الأخرى التي تقيم اسرائيل علاقات دبلوماسية معها. ومن خلال هذه الدائرة ترسم الخطط وتحاك الحبائل، وتعقد الصفقات العديدة.

دائرة «تسومت» (مفترق طرق): وهي المسؤولة عن جمع المعلومات وتفعيل العملاء في كل مكان في العالم، ومن مهماتها أيضا اقامة علاقات مع أنظمة حكم وأجهزة مخابرات أو أشخاص في الدول التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل.

دائرة «متسادا» (على اسم قلعة مسادا، المعروفة بالتاريخ اليهودي على انها القلعة التي كانت آخر معقل دافع عنه اليهود في دولتهم التاريخية فلما شعروا بأنهم خسروا المعركة قرروا الانتحار الجماعي لكي لا يسلموا أنفسهم للعدو): وهي الدائرة التي كانت تعرف باسم «قيسارية» (على اسم المدينة التاريخية) وهي المسؤولة عن العمليات التنفيذية، أي الاغتيالات وعمليات الخطف.

دائرة «نبيعوت» (منابع): وهي المسؤولة عن جمع المعلومات بالوسائل الإلكترونية، مثل أجهزة التنصت والتصوير وغرس آلات تنصت في «أرض العدو» أو أي مكان آخر في العالم.

دائرة المعلومات: وهي الدائرة التي ترصد المعلومات وتحلل المعطيات وتجري الأبحاث وتقدم التقديرات القريبة والاستراتيجية.

جهاز عالمي

* لقد حرصت اسرائيل على تفعيل هذا الجهاز لمصالحها الأمنية في البداية، لكنها أدركت سريعا أهمية التعاون مع أجهزة مخابرات غربية أخرى في العالم وتقديم المعلومات لها لكي تعزز مكانة الدولة العبرية لدى تلك الدول وتقيم معها علاقات مصالح متبادلة تعود عليها بالفائدة في الحسابات البعيدة المدى. ولهذا، فإن نشاط «الموساد» بمعظمه بقي سرا أمنيا خطيرا وميزانيته تعتبر سرا حتى على وزارة المالية الاسرائيلية. والتصديق عليها يتم بشكل عمومي بحيث لا يعرف أحد من خارج الجهاز كيف تصرف. وقد فشلت كل محاولات المراقبة عليه. والى ما قبل بضع سنوات، كان هذا الجهاز خاضعا لمسؤولية رئيس الحكومة بشكل مباشر، وفقط في الحكومة الحالية نقلت الى وزير مسؤول عن الأمن الاستراتيجي، والوزير الذي حظي بهذه المسؤولية هو مئير شطريت، وزير الاسكان. ولكن ليس بصفته وزيرا للاسكان.

أفضل وسيلة للتعرف على أهداف هذا الجهاز واهتماماته وطريقة تفكير قادته هي في استذكار بعض اهم وأبرز العمليات التي قام بها «الموساد» ونشرت على الملأ (نشرت بغالبيتها بمبادرات خارجية، صحفية أو غير ذلك). ومن هذه العمليات نذكر:

في سنة 1956، حصل «الموساد» على نص الخطاب السري الذي ألقاه الأمين العام للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، نيكيتا خروتشوف، أمام مندوبي المؤتمر العشرين للحزب، والذي ألقى فيه الاتهامات الخطيرة على الأمين العام السابق، جوزيف ستالين، بارتكاب جرائم القتل الجماعية ضد أعضاء وقادة من الحزب وضد مجموعات سكانية وبالممارسات القمعية الأخرى. فقد أوصل الخطاب الى اسرائيل الصحافي فكتور غرايبسكي، بواسطة مندوب «الموساد» في السفارة الاسرائيلية في وارسو. وكانت المخابرات الغربية قد حاولت الحصول على هذا الخطاب ففشلت، وفي أحسن الأحوال تمكنت من معرفة بعض الجمل منه، وقامت اسرائيل بتسليم نص الخطاب الى عدة دول غربية. وأدى الأمر الى ارتفاع مكانة «الموساد» في دول العالم، مما اعتبر فاتحة الطريق الى التعاون الدولي معه. ويشار هنا الى ان أوساطا استخبارية وصحافية في اسرائيل عممت اشاعة يومها بأن قادة الحزب الشيوعي الاسرائيلي الذين حضروا ذلك المؤتمر هم الذين نقلوا نص الخطاب الى اسرائيل، وتسبب ذلك في بعض الاشكالات بين الاتحاد السوفييتي والحزب الشيوعي الاسرائيلي، ولكن الحقيقة نشرت بعد حوالي ثلاثين عاما في اسرائيل.

وفي 21 مايو (أيار) 1960، وبعد مطاردات بوليسية طويلة، تمكن عملاء «الموساد» من القاء القبض على رئيس الدائرة اليهودية في الجيش الألماني النازي، أدولف آيخمان، وخطفه من الأرجنتين الى اسرائيل. وأجريت له محاكمة بتهمة المسؤولية عن ابادة ملايين اليهود في المحرقة النازية، وحكم عليه بالاعدام، ونفذ الحكم فيه شنقا سنة 1962، وكانت تلك عملية الاعدام الوحيدة في اسرائيل بشكل رسمي. وقد اعتبرت هذه العملية رافعة لمعنويات الاسرائيليين واليهود في العالم، إذ تمكنوا من الانتقام.

وفي سنة 1962، أعلنت مصر عن تمكنها من صنع صواريخ مصرية بعيدة المدى قادرة على اصابة هدف في جنوب بيروت. وفي الاحتفالات بذكرى الثورة المصرية عرضت هذه الصواريخ. وما هي إلا بضعة شهور حتى كان مهندسان ألمانيان يشكوان من أن عملاء «الموساد» الاسرائيلي يمارسون الضغوط والتهديدات عليهما ليمتنعا عن زيارة مصر. وتبين لاحقا بأن الضغط مورس عليهما من خلال ابنة أحدهما التي اختطفت في احدى الدول الأوروبية، وقيل لها يومها بصراحة بأن والدها يصنع للمصريين صواريخ تستهدف القضاء على اسرائيل وطلبوا منها أن تحاول اقناعه بالكف عن ذلك. وقد ألقي القبض على عميلي «الموساد» اللذين نفذا العملية في سويسرا.

في سنة 1966، سجل «الموساد» لنفسه انجازا خارقا على المستوى الدولي، إذ تمكن من تجنيد طيار عراقي ليسرق طائرة «ميج 21» السوفييتية ويهرب بها الى اسرائيل. ودعت اسرائيل خبراء العديد من دول الغرب للحضور الى اسرائيل والتعرف على أسرار هذه الطائرة، التي كانت مجهولة للغرب تماما وجميع أجهزته التجسسية تسعى لمعرفة أية معلومة عنها.

في سنة 1972، قامت مجموعة من المسلحين الفلسطينيين المغامرين بخطف الرياضيين الاسرائيليين في أولمبياد ميونخ في ألمانيا. وجرى اشتباك بينهم وبين رجال الأمن الألمان وقتل 11 رياضيا اسرائيليا. وانتهت القضية بخروج المسلحين مقابل تحرير الرهائن. وقد اتخذ «الموساد» قرارا بتصفية جميع المسلحين. وراحت تلاحقهم فردا فردا وتمكنت من تصفية معظمهم في غضون سبع سنوات. وخلال هذه العملية تم قتل العديد من الأبرياء أيضا.

في سنة 1973 انتشرت خلية من موظفي «الموساد» الاسرائيليين في لبنان وأعد افرادها لسلسلة عمليات تصفية لقادة فلسطينيين، فحضرت قوات كبيرة من الوحدات الخاصة الاسرائيلية بقيادة ايهود باراك (الذي اصبح رئيسا لأركان الجيش فيما بعد ثم رئيسا للحكومة الاسرائيلية) وأمنون لفكين شاحك (الذي اصبح رئيسا لأركان الجيش ثم وزيرا في حكومة باراك وقاد مفاوضات السلام مع الفلسطينيين)، وتم انزالها على شواطئ بيروت وصيدا. وكان بانتظار القوة في بيروت وصيدا عملاء «الموساد»، الذين كانوا قد وصلوا وتمركزوا في لبنان عدة أسابيع وأعدوا لهم كل ما يلزم للوصول الى أهدافهم. وقد اغتالت هذه القوة كلا من محمد يوسف النجار، نائب القائد العام للثورة الفلسطينية، وكمال ناصر، الناطق بلسان منظمة التحرير الفلسطينية في ذلك الوقت، وكمال عدوان، رئيس الجناح الغربي، وهو وحدة العمليات الفدائية في الداخل، وحوالي 20 شخصية فدائية أخرى.

في سنة 1976 قام «الموساد» بإعداد الأرضية المناسبة في أوغندا، بما في ذلك رشوة العديد من كبار المسؤولين في الدولة وقادة الأجهزة الأمنية هناك، من أجل استقدام قوات الكوماندو الإسرائيلية لتحرير الرهائن الاسرائيليين من طائرة خطفها الفلسطينيون. وتم تحرير الرهائن فعلا.

في سنة 1978، تم اغتيال وديع حداد، أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بواسطة تسميمه بالسم البيولوجي.

في سنة 1986 قام عملاء «الموساد» بخطف مردخاي فعنونو، العامل السابق في الفرن الذري الاسرائيلي الذي كان على وشك نشر تقرير عن التسلح النووي الاسرائيلي وعن الفرن في ديمونا، في صحيفة «ساندي تايمز» البريطانية. وجلب من روما الى اسرائيل حيث اعتقل وحكم عليه بالسجن 18 عاما، وهو يعيش اليوم في القدس العربية ولا يسمح له بالمغادرة ولا بالحديث الى الصحافة الأجنبية.

في سنة 1995، اغتال «الموساد» في مالطا، فتحي شقاقي، قائد الجناح العسكري في منظمة «الجهاد الاسلامي في فلسطين». وهناك عمليات عديدة فشل «الموساد» فيها وتسبب في فضائح دولية وأزمات دبلوماسية لاسرائيل، مثل محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن، وهو الذي كان رئيس الدائرة السياسية في حركة «حماس»، ومحاولة فاشلة أخرى لخطف نائب وزير الدفاع الايراني، مجيد عبسفور، في فينا، والتجسس على الولايات المتحدة بواسطة الجاسوس جونثان بولارد، والعمليات التي ضبطت في سويسرا واستراليا ونيوزيلاندا، وهي دول اكتشفت ان «الموساد» يزيف جوازات سفرها ليستخدمها عملاء اسرائيليون في خدمة الجهاز... وغيرها الكثير.

الحلقة الجديدة من التقرير

* في الحلقة الجديدة من التقرير، فيما يلي، تتوصل اللجنة الى القناعة بأن «الموساد» أخطأ هو الآخر في التقديرات الحربية ولم يدرك أن الحديث جار عن حرب مصرية ـ سورية مشتركة، ولم يتعامل مع الأنباء والمعلومات بشكل صحيح، بل لم يسع لبذل جهد ملائم لخطورة البلاغ حتى تعرف رئيسة الوزراء، غولدا مئير، تفاصيل البلاغ.

ولكن في نهاية هذه الحلقة من التقرير نرى ان اللجنة تبدو متسامحة بشكل خاص مع «الموساد»، فتقول ان خطأه هذا يندرج في باب الأخطاء الانسانية التي يقع فيها أي جهاز آخر مثل «الموساد». 38. ب ـ في الليلة الواقعة ما بين يومي الخميس والجمعة 4-5 أكتوبر، في الساعة 2:30 وصل خبر كان من المتوقع، بموجبه، أن يصل خبر آخر مكمل ـ خلال يوم ـ ومن الخبر الأولي كان واضحا بأن الحديث يجري عن انذار بالحرب (زمير صفحة 819). لقد وصل الخبر الأولي بداية الى السيد عيني، الذي شهد بهذا الشأن (صفحة 1064): «كان يبدو لي .. مهما جدا. لقد أدركت عندها أن هذا انذار بحرب. لم يسبق أن كان لنا (شيء) كهذا». وأضاف السيد عيني (صفحة 1065) انه بسبب الادراك بأن (هذا الخبر) انذار بأن حربا ستقع، قرر أن يوقظ رئيس الموساد وأن لا ينتظر حتى الصباح. اتصل هاتفيا بالسيد زمير، ثم عاد واتصل به بعد نصف ساعة تقريبا. هذه المرة أخبره السيد زمير بأن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية اتصل به وأبلغه عن استعداد عائلات المستشارين الروس مغادرة سورية. فأجاب السيد عيني بأن هذا الخبر ينسجم جيدا مع التقرير الذي بحوزته، وعندها اتضح له (أي للسيد عيني) بأنه في محادثته الأولى شعر بأن رئيس الموساد لم يفهم جيدا بأن الحديث يدور عن انذار بالحرب. وعندما شرح له السيد عيني الأمر، أجاب رئيس الموساد بأنه سيهاتف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية مرة أخرى ويبلغه بذلك (صفحة 1068). وقال واتصل السيد عيني في ساعات الصباح مع العميد ليئور فقيل له أنه موجود في جلسة الحكومة. فترك له السيد عيني رسالة طالبا أن يتصل به. وفي ساعة قبل الظهر اتصل به العميد ليئور وروى له أن بحثا جرى في الحكومة استمعت رئيسة الحكومة خلاله الى تقرير من وزير الدفاع حول هذا الخبر (عيني ـ صفحة 1075). واضاف السيد عيني بأن رئيسة الحكومة لم تكن معتادة على سماع أمر كهذا من وزير الدفاع، فقدم العميد ليئور ملاحظة قال فيها للسيد عيني انه كان من الأفضل له لو أنه استدعاه الى الهاتف حتى لو كان ذلك في وقت جلسة الحكومة (صفحة 1076). وردا على أسئلة أعضاء لجنة التحقيق، حول ما إذا كانت رئيسة الحكومة تعرف ما هي الرسالة (الثانية) الاستكمالية التي ينتظرها رئيس الموساد، أجاب عيني: «نعم، كان واضحا لي أنهم يعرفون.. كان واضحا لي بأن ليئور يعرف كل شيء» (صفحة 1076). بيد ان رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أبلغ الخبر في المشاورات التي جرت في اليوم نفسه (أنظر لاحقا).

وحول الامتناع عن ابلاغ رئيسة الحكومة بالنبأ حال تسلمها، لاحظ السيد عيني بأن هناك ترتيبا ثابتا يوجب ايصال أخبار من هذا القبيل الى رئيسة الحكومة، «أي انه عندما يصل الى مكتب رئيس الموساد (خبر كهذا)، فالمكتب أو المسؤولة (فيه) تقوم بإرساله الى التوزيع العالي.. ولكن مثل هذا الأمر قد يستغرق بضع ساعات. على أية حال فإنني لم أفكر في أية مرة بأن أوقظ يسرائيل ليئور في الليل حتى أمرر له أخبارا من هذا الطراز، بوصفي أعرف انه ليس القناة التي تعالج خبرا كهذا» (صفحة 1075 ـ 1076).

في قضية نقل الخبر من السيد زمير الى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش، بدت اختلافات معينة في شهادتيهما. السيد زمير قال انه تمت محادثتان، بينما رئيس الاسخبارات العسكرية قال انه لا يذكر إن كانت محادثة أو اثنتين. وازاء ذلك، ادعى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأن المحادثة الأولى (وعمليا هي المحادثة الوحيدة التي يذكرها بوضوح)، كانت بمبادرته هو إذ انه هو الذي اتصل مع السيد زمير (شهادة الجنرال زعيرا صفحة 995 و 966 ). السيد زمير لا يذكر ولكنه أيضا لا ينفي ذلك. وحسب وصف رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، فإنه روى لزمير حول الخبر بخصوص اخلاء مهرول لعائلات الروس. والسيد زمير روى من جهته لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أقوال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بعدئذ (صفحة 996)، بينما زمير لا يذكر إن كانت قبلئذ أو بعدئذ) حول الخبر وحول توقعاته باستكمال الابلاغ (شهادة زمير صفحة 803). حسب أقوال السيد زمير، فإنه أضاف بأن المسالة هي مسألة حرب. وكما قال: «.. انها حرب. لا يوجد عندنا مجال واسع لأن (التلميح) ليس ازاء مجال بلimminent .. (وشيكة الوقوع). بينما ايلي (زعيرا) قال: هذه حرب». (صفحة 245). بالمقابل، شهد الجنرال زعيرا أمامنا بأن رئيس الموساد قال له بأنه سيحصل على الخبر المكمل خلال يوم واحد وبأنه، أي زعيرا، طلب أن يبلغه زمير بأقصى السرعة في حالة كان الخبر المكمل يتعلق بحرب. وقد ادعى بأنه لم يعرف من الخبر الأول ان الحديث جار عن حرب. «هذه أول مرة أسمع فيها فقط هنا مثل هذا الأمر «يقول رئيس الموساد) (صفحة 698)».. انذار بالحرب، الآن فقط أفهم هذا، فقط هنا، لأول مرة.. (صفحة 969)، ثم يضيف لاحقا: «في الحقيقة انني لم أفهم أبدا بأن ذلك لم يكن (خبرا) عاديا»، (صفحة 972).

وسأل أحد أعضاء اللجنة (لجنة التحقيق)، حول أقوال الجنرال زعيرا في المشاورات التي جرت لدى رئيسة الحكومة في 5 أكتوبر قبل الظهر، من أن زمير ينتظر بشكل طارئ خبرا حول الانذار (بالحرب) («تسفيكا سيبلغ بالأمور الهامة في هذه الليلة» (وثيقة البينات رقم 57)، فأجاب الجنرال زعيرا: «ربما يكون تسفيكا قال لي شيئا ما بهذا الخصوص» (صفحة 976) وأضاف مفسرا: «أنا فهمت ذلك (الخبر) على انه انذار. ليس كشيء مؤكد. ليس كشيء وشيك الوقوع. ليس واضحا. وانطباعي بأن هذا الواقع ساد أيضا في الموساد، حيث ان الموساد لم ينقل الى شعبة الاستخبارات العسكرية أية كلمة بشكل منظم في هذا الموضوع..» (صفحة 994).

حسب أقوال كليهما، اتفقا فيما بينهما على أن يبلغ زمير حالما تصل اليه المعلومات حول الحرب في يوم الجمعة. وقد شهد عيني بهذا الخصوص «.. عندما التقيته (زمير) في الصباح قال لي.. بأنه تكلم مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية حول الانذار .. وقد طلب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أن ينقل الموساد اليه شخصيا ما يصل اليه من معلومات حول موضوع اشتعال الحرب، في اية ساعة كانت. ومن هنا فقد طلب مني رئيس الموساد أنه حالما أعرف منه تفاصيل.. ذات أهمية حول نشوب حرب أن أتصل أيضا مع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وهو الأمر الذي لم أفعله في السابق أية مرة، وان أبلغه بالتفاصيل وهو في بيته ليلا» (صفحة 1069).

39. حسب رأينا، لا حاجة للحسم بين مختلف الروايات. فمن الشهادات، اضافة الى الأقوال التي ذكرت في المشاورات لدى رئيسة الحكومة، يتضح انه كانت لدى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ما يكفي من المعلومات حول باطن الأمور، حتى يتعاطى معها بشكل جدي (أنظر أيضا لاحقا). بالمقابل فقد كان الأمر الذي وجهه زمير الى السيد عيني بأن يبلغ العميد ليئور بالموضوع، اعتباطيا أكثر من اللازم ولم يكن فيه ما يكفي لأن يضمن وصول المعلومة بخصوص هذا الأمر غير العادي الى رئيسة الحكومة. ولو كان هناك تقدير أكثر صحة، لكان السيد زمير، بالاضافة الى معالجته الموضوع في ذلك الصباح، اتصل بنفسه الى رئيسة الحكومة وأبلغها بأقصى ما يمكن من الدقة ما جاء في الخبر الذي تلقاه. ففي تقدير (مثل هذا) الموقف، يوجد مركّب الإحساس المرهف. وليس من المستبعد أن يكون الابلاغ المباشر عن خبر كهذا، قادرا على التأثير على الرأي الذي بلورته رئيسة الحكومة لنفسها خلال الساعات الأربع والعشرين التي سبقت الانذار النهائي في صبيحة يوم الغفران.

حول هذه القضية شهدت السيدة مئير (رئيسة الحكومة، غولدا مئير) عن نفسها (بالقول): «.. أن أقول الآن ماذا كان ممكنا أن يكون ردي في صبيحة يوم الجمعة لو أنني عرفت ما هو مضمون المحادثة ولو أنه أخبرني بالاضافة الى التجديد بشأن عائلات الروس، فربما كان سيضاف الى شيء ما. لكنني لا أريد أن أقول هذا بثقة كاملة الآن» (صفحة 4459). هذه الأقوال مقبولة علينا أيضا. لقد فسر السيد زمير تصرفه بالقول ان الإنذار الذي تلقاه لم يحدد تاريخ الهجوم: «لو كان هناك (في البلاغ) تاريخ، ما كان هناك أي شك في أنني لم أنتظر لحظة.. لم يكن واضحا لي انها (الحرب) في 6 أكتوبر أو 12» (زمير صفحة 817).

هذا التفسير غير مقبول علينا. فقد كانت تلك فترة مشوبة بالتوتر وانعدام الوضوح، وحتى تقديرات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية بأنه لن تنشب حرب، بدأت تتزعزع وذلك على اثر وصول الخبر عن مغادرة الروس، والذي سمعه السيد زمير من فم رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الليل. حسب راينا، وقع رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية ورئيس الموساد في الخطأ نفسه في التفكير، وذلك من حيث انهما كانا وهما على أهبة الاستعداد لتلقي مضمون الأخبار العينية التي توقعا وصولها، لم يعطيا الاهتمام الكافي للأبعاد التحذيرية الكامنة في صلب البلاغ الأول. من خلال ذلك، فإن رئيس الاستخبارات العسكرية لم يعر وزنا أكبر للبلاغ عندما طرحه في المشاورات مع رئيسة الحكومة، وأخطأ السيد زمير لأنه لم يعمل كما اشرنا آنفا.

لقد أطرينا بالمديح، في مكان آخر من هذا التقرير (البند 35)، على المساهمة الكبيرة للموساد في جمع المعلومات الحيوية جدا لسلامة الدولة. ونجد من المناسب أن نضيف هنا بأن الخطأين اللذين وقعا في التقديرات التي أشرنا اليها في هذا الملحق هما من ذلك النوع من الأخطاء التي تعتبر امكانية الوقوع فيها في صلب (inherenty) النشاط الذي ينشغل فيه الموساد ورئيس الموساد، وفي ضوء المعطيات التي قدمت لنا فإننا لا نرى انهما يشكلان خللا جديا يمس في انطباعاتنا الايجابية عن عملهم.