معظمنا سمع وقرأ عن طائر الفينيق Phoenix، وليس من أحد يسأل عن ماهية أسطورة الفينيق! فبعض الذين يعرفون هذه الأسطورة لا يعلمونها على حقيقتها المرتبطة بأرض كنعان والمتميزة عن باقي الأساطير المنتشرة في أمصار العالم القديم كافة، أسطورة الفينيق كنعانية المنشأ بلا ريب، أي أنها نبتت في أرض كنعان، فينيقيا. ذكرت في كتابي الكنعاني الأول أن كلمة فينيق مرادفة لاسم كنعان، وأن أحد أسباب إطلاق صفة فينيقي على الشعب الكنعاني هو نسبته إلى طائر الفينيق الذي كان رمزًا له.
عاش طائر الفينيق في الجنة. حجمه نسري، لونه ذهبي ناري، وهذا من أهم صفاته. على رأسه طرة من الريش كأنها تاج. جناحاه أكبر من جناحي النسر العادي، وريشه ناعم الملمس ملائكي. يظهر له ذنب طويل من الريش الأحمر البرتقالي والأصفر خلال أسفاره الطويلة. فبعد أن نيَّف على الألف ربيع واكتسب المقدرات السماوية والحكمة، أراد أن ينزل إلى الأرض لكي يرى كيف يعيش الناس، فيشاركهم آمالهم وأفراحهم. شقَّ هذا الطائر الألفي طريقه من الجنة إلى الأرض، وقطع البحار والجبال والسهول، حتى استوقفتْه رائحة اللبان والبخور الصنوبري المنبعثة من جبال لبنان، فبنى عشَّه على أعلى شجرة أرز من اللبان والمر والعنبر. وفي الصباح، عندما لاحت خيوط الشمس، شاهد شروقًا لم يبصر له نظيرًا في جماله خلال جميع أسفاره، فبدأ ينشد الأغاني السماوية بصوته العذب الملائكي. وعندما سمعه إله الشمس، خرج إليه وهو على عربته التي تجرُّها أربعة أحصنة نارية ليشكره، وأراد أيضًا، عند طلبه، أن يريه آلام الناس وعذاباتهم. نقل إله الشمس لطائر الفينيق صورة حية وحسية عن الحياة الأرضية. بدأ الطائر الألفي في الصراخ من الغضب والألم لما أحس به من عذاب وظلم بين الشعوب، وبدأ يضرب بجناحيه داخل العش، فبدأ العنبر يطلق ومضات ولمعات. أجفلت الأحصنة، وضربت بحوافرها في قوة، فطارت شرارات نارية إلى العش كانت كافية لإحراق الفينيق في داخله. لم يغادر هذا الطائر عشَّه، فاحترق باختياره، مشاركًا الشعب في آلامهم وعذاباتهم، وتحوَّل إلى رماد. لكن لم تكن هذه نهاية الفينيق، بل البداية. خرجت بيضة من تحت الرماد. في اليوم الأول، كبرت البيضة، وفي اليوم الثاني، خرج منها جناحان، وفي اليوم الثالث عاد الفينيق حيًّا. حمل الطائر عشَّه البخوري، وطار به إلى مدينة الشمس بعل-بت (بعلبك)، وقدَّمه على مذبح الإله. ثم طار من جديد إلى الجنة. لكنه فضَّل أن يعود ويموت في أرز لبنان على أن يبقى في الجنة السماوية إلى الأبد. هذا ما يحدث كلَّ خمسمائة ربيع أو أكثر قليلاً. يموت الفينيق ويُبعَث حيًّا من رماده.
طائر الفينيق يمثل الخلود والحياة الأبدية، ويمثل السلام والمحبة، ويحس بآلام البشر على الأرض. وميزة طائر الفينيق أنه يُحيي من رماده ويشفي من دمعه. إذا بكى على أيِّ جرح يبرأ. وإذا مرَّ، ترك وراءه رائحة المر واللبان. وحدهم الحكماء والكهان وأصحاب البصيرة المفتوحة يبصرونه؛ لكن عند موته يمكن أن يشاهده الجميع. وحين يشاهَد، تقام احتفالات وطقوس دينية، فينتظرونه ليُبعَث حيًّا كي يحتفلوا. وتطغى البهجة والفرحة على الشعب الذي يعلم أن طائر الفينيق يجول في أرضه ويحميه. بما أنه لا يظهر سوى مرة واحدة كلَّ خمسمائة ربيع، فإن الشعب الكنعاني يحتفل بعيده مرة كلَّ ربيع خامس لتمجيده وتخليد ذكراه. ويحل هذا اليوم عند نهاية الشتاء قبل عيد البعل (آلهة كنعانية).
-نساء سوريا
خاصة بالكاتب ابراهيم ساسين عن كتاب الفينيق والنبؤة ( رواية لم تكتمل بعد).