آخر الأخبار

أدونيس (البند الخامس)
تصنيف التدوينة: 

ضع بين يدي رواد المنتدى الكرام الفقرة الخامسة من رسالة أدونيس إلى بشار الأسد .
(( ـ 5 ـ
السيّد الرئيس،
أكيدٌ، وهذا ما قد توافق عليه أغلبية العاملين في الحزب، أنّ أعمال السلطات التي حكمت باسمه لم تكن في مستوى مبادئه. كانت على العكس تتناقض معها ـ خصوصاً في كلّ ما يتعلّق بالحياة المدنيّة وحقوق الإنسان وحرياته. وهذا مما يتوجّب عليه أخلاقيّاً، أن يعترف به. والحقّ أنّ الحزب لم يؤسس لأيّ شيء يمكن حسبانه جديداً وخلاّقاً، ومهمّاً، في أي حقل. بل إنّه في الممارسة، وعلى المستوى الثقافي الخالص، مثلاً، حزبٌ تقليديّ، ورجعيّ دينيّ في حالات كثيرة ـ خصوصاً في حالات التربية، والتعليم، والمدارس والجامعات. ولم يُعطِ أية مكانة للإنسان بوصفه إنساناً، في ما وراء انتماءاته، أو للحقيقة في حدّ ذاتها. ولم يبن الحزب جامعة نموذجية واحدة. ولا مؤسسة معرفية أو فنية نموذجية واحدة.
لقد كان أشبه بجمعية «دينية»: عرقل نموّ الثقافة المدنية الحرة، ودمّر أخلاق البشر، مقيماً الثقافة على الولاء له، وعلى معاداة أعدائه، وعلى الشعارات والتبشيرات التي كانت في معظمها ساذجة وسطحية.
وإنها لمأساة لهذا الحزب، مأساة داخلية في علاقته ببنية المجتمع وعقليته، أن يحاربه معارضوه، هو الوحدوي القومي العلماني… إلخ، تحت راياتٍ بينها راية «الطائفية» أو راية «جمعة العشائر» بعد هذه الفترة الطويلة من سيادته وحكمه باسم العلمانية والتقدمية.
والحقّ أنّ ما قامت به السلطات التي حكمت باسم «حزب» البعث العربي الاشتراكي»، طول هذه الفترة، يؤدي، طبيعيّاً إلى الحال التي تعيشها سوريا اليوم. فالخلل الأساس في حكم هذه السلطات أنها تبنّت السياق التقليدي القديم، وأكّدت «منطقه» وأساليبه. اندرجت في نص سياسيّ ـ دينيّ لا يمكن إلا أن يبتلع كلّ من يدخل فيه. هكذا سادت ثقافة المساومات، والترضيات، والابتزازات، والاحتكارات، والإقصاءات والتكفيرات، والتخوينات، إضافة إلى ثقافة القبليات والطائفيات والعشائريات والمذهبيات.
وقد تبنّى الحزب هذا كله كما تؤكّده الممارسة من أجل غاية واحدة: البقاء في السلطة، والحفاظ عليها. كانت السلطة بذاتها تهمّه أكثر مما يهمه تحويل المجتمع وبناؤه في اتجاه التغيّر نحو حياة جديدة، ومجتمع جديد، وثقافة جديدة، وإنسان جديد. هكذا تحوّلت سلطاته بالممارسة إلى سلطات رجعية، لا تحتاج إلى ثورة لإسقاطها، وإنما تحمل في ذاتها بذرة سقوطها. وفي ذلك حكمٌ مبرمٌ، موضوعيّاً، على حزب البعث بوصفه سلطة. لقد فشل كلّيّاً في تفكيك البنية القديمة ودفع المجتمع في اتّجاه التقدّم. وفي هذا دليلٌ عمليّ على أنّ المادة الثامنة من الدستور، يجب أن تُلغى أولاً وقبل كل شيء، ذلك أنها الرمز المباشر للطغيان وللاستهتار بالإنسان والعقل والحرية.
ما يُطلَب اليوم من قادة حزب البعث هو أن تكون لهم الجرأة الأخلاقية والتاريخية على الاعتراف بخطأ التجربة التي قادوها، وأن يعملوا على نقدها وتخطّيها، وفتح صفحة جديدة ديموقراطية لبناء سلطة جديدة تشارك فيها جميع القوى السياسية والفكرية الفاعلة، وبخاصّة النسائية والشبابية ـ تحقيقاً للخروج من السياق التقليدي القائم، في اتجاه مجتمع مدنيّ ديموقراطيّ.))

إضافة تعليق جديد