آخر الأخبار

في ظل السياسة، في ضوء الحقيقة

(3-2-2006)

في ضوء الاحداث التي ترجّ الحياة العربية، وهي حياة تتحرك مرضوضة منذ زمن
طويل، يخطر لي أن أتساءل: متى تجيء اللحظة التي يعيد فيها الكاتب العربي
النظر في كتابته. ويسأل نفسه: «ماذا كتبت؟ ماذا أكتب؟ هل تعرّش لغتي على شجرة
السياسة وتقاليدها، أم انها تفتح حقولاً أخرى، وتؤسس لسياسة أخرى؟ هل أسير
وراء الزمن لكي يفهمني الجمهور ويصفّق لي، أم أنني أحاول أن افتح زمناً آخر
للكتابة؟ هل أتماهى مع الواقع، لكي أبقى في كنف المصلحة والفائدة، أم ازلزله
لكي أقدر أن ارتقي الى رؤية الانسان في طاقاته الخلاقة، وفي قدرته على
التغيير والبناء؟ هل أكتب لكي أحمل الى «كرسي» أجلس عليه، وأطمئن اليه، أم
أكتب لكي أظل قادراً على السير، متقدماً، صاعداً؟

ولماذا تزداد ظلمة العالم الذي أنتمي اليه؟

ولماذا أكاد أن أصير أنا نفسي جزءاً من هذه الظلمة؟».

*

(4-2-2006)

نظرياتنا كلها، وممارساتنا كلها، على امتداد القرن العشرين المنصرم، لم تؤسس
إلا لشيء واحد: كتابة المستقبل بحبر الماضي.

*

السبب، في هذا الصدد، لا ينحصر في الطغيان، بمختلف اشكاله، وإنما يتجاوزه.
إنه في التاريخ، وفي «طبيعة» الفكر.

ولم يفدنا اللجوء الى الحلم.

ولم يفدنا الهرب من الواقع باسم «الخطّة» أو باسم «فنّ التعبئة».

*

(5-2-2006)

من الطبيعي أن يكون الخلاقون في مختلف الميادين هم الذين يعيدون النظر
جذرياً، وعلى نحو متواصل، في حياتنا السياسية، والاجتماعية والثقافية، بعامة،
وفي حياتنا الفنية - الابداعية، بخاصة. وطبيعي أن يدفعوا ثمناً كبيراً،
لقيامهم بهذه المهمة الكبيرة.

هكذا اعترف أنني احياناً اضعف، ويغريني التراجع، قائلاً في ذات نفسي: لماذا
أعرّض حياتي لحرب عنيفة يشنها عليّ الآخرون، وقد تكون قاتلة؟

أضعف وأتساءل: لماذا لا أعيش وأكتب في سلام كامل، كمثل غيري. مع ثقافتي
ومحيطي ووسطي، ومع الاشياء كلها؟ لماذا لا أستسلم، كمثل غيري، لهذا «السطح»
العربي السياسي والاكاديمي والديني والاجتماعي، المليء بـ «جاذبيات» من كل
نوع، وبـ «اغراءات» ضخمة؟

هكذا أدخل «بيت الطاعة»:

لا أثير أي مشكلة،

لا أتخذ أي موقف،

وأرفض أية مغامرة حتى في ميدان نتاجي الخاص،

ولا يكون لديّ أي «جحيم»،

لا يكون لديّ غير «الجنّة».

أضعف.

ثم...

*

ثمة «حلول» في الحياة العربية ليست إلا «مشكلات» كبرى.

*

فندق، مقهى، مطعم: ثالوث أمكنة للحياة الحرة.

كل منها بيت للجميع،

وفي الوقت نفسه، بيت بلا أحد.

*

ينقل ديوجين لايرس كلمة ينسبها الى أرسطو، يقول فيها:

«يا أصدقائي،

ليس هناك صديق».

*

عندما أقرأ كتاباً باللغة العربية، يهمني أن أجد لدى صاحبه، حرصاً على أن
يكون في كتابه نوع من السهر على «صحة» اللغة العربية.

الكتابة بلغة «مريضة» مرضّ آخر.

*

(6-2-2006)

الكائن الذي هو أنا، والذي يحيا ويفكّر في ظل السياسة العربية، ليس هو أنا،
في الحقيقة. إنه شخص آخر فيّ: شخص الجماعة وتقاليدها الفكرية المهيمنة، أو
لأقل: إنه شخص الرقابة.

*

ليست الرقابة في الحياة العربية مجرّد ممارسة سلطوية، وإنما هي جزء عضوي من
هذه الحياة، ومن ثقافتها.

العربي - المسلم، اليوم، هو تحديداً، رقيب.

لكن، لنحلم جميعاً بقيام رقابة من نوع آخر:

منع البطالة، والفقر، والهجرة، والقمع، والطغيان بمختلف أشكاله، وما أكثرها،

منع المستشفيات من أن ترفض استقبال المرضى، بحجة أنهم لا يقدرون أن يدفعوا
ثمن هذا الاستقبال،

منع الفقراء والمحتاجين من أن يتحوّلوا الى لصوص أو الى مرتشين لكي يقدروا أن
يعيشوا، ويُعيلوا أطفالهم،

منع الطاقات المفكّرة، المبدعة من ترك بلدانها الى بلدان اخرى، طلباً للحرية،
وبحثاً عن الحياة الكريمة،

منع عزل المرأة وحرمانها من الدخول الكامل الى الحياة العملية والسياسية
والثقافية،

... الخ، الخ.

*

(7-2-2006)

إذا كانت «الكلمة الجديدة كمثل البذار»، وفقاً لتعبير فيتجينشتاين، الفيلسوف
والعالم اللغوي، فما أكثر ما نفتقد هذا البذار في حقولنا الفكرية والفنية.

*

بعضهم يقول إن لدينا، نحن العرب، شيئاً يُهيمن علينا، «يطبعنا»، دافعاً إيانا
الى رفض البعد التراجيدي في فكرنا وشعرنا.

لكن، ما هذا الشيء؟

*

يضع التعب يده على أهدابي، كأنه يفرض عليها النوم.

لكن ما مِن شيء يستطيع أن يضع يده على أحلامي.

*

ما أسرع العطر في هبوبه، خصوصاً على جسد المرأة.

الرائحة ريح ثانية.

أدونيس