الليشمانيا أو حبة حلب , العامل الممرض الذي تنقله ذبابة الرمل .
فمنذ سنوات قليلةظهرت الإصابات الأولى بالليشمانيا في مدينة اللاذقية وأريافها . هذا يعني ضرورة وصول ذبابة الرمل إلى هذه المحافظة التي لم تسجل فيها أية إصابة بالليشماينا في السابق!
حيث وردت بعض الإصابات إلى العيادات الجلدية أو إلى المشافي العامة وعولج بعضها على أساس بؤر إلتهابية جلدية أو إصابات جرثومية أو فطرية أو فيروسية . ولم يخطر ببال الكثير من أطباء الجلد أن هذه الأعراض هي الشكل الوصفي لليشمانيا وذلك بسبب ندرتها في هذه المناطق ..
الآن , إن أول ما يخطر ببال الطبيب المختص عند ورود حالات مشابهة هو الإصابة بالليشمانيا أو حبة حلب وذلك لانتشارها اليوم بشكل شبه مستوطن في الساحل السوري و أريافه .
لقد سجلت حالات كثيرة من الإصابات أيضاً في جميع المحافظات السورية التي لم ترد فيها أية احصاءات حول وجود ليشمانيا في أوقات سابقة إلا فيما ندر!!
يمكننا اليوم أن نجد حالات جديدة من الإصابة بالليشمانيا في طرطوس و بانياس و حمص ودمشق حيث الكثافة السكانية الكبيرة!!
هذه الذبابة كغيرها من أنواع الذباب , تنتعش في الأجواء الغير صحية و المثالية لتواجدها ومنها على سبيل المثال لا الحصر , مكبات القمامة و النفايات ومجارير الصرف الصحي المفتوحة كما كان سائداً في محافظة حلب .
ما نراه اليوم من إسفاف في التعامل مع النفايات العضوية و غير العضوية , يجعلنا نتساءل عن من هو المسؤول عن انتشار الليشمانيا في جميع المناطق السورية بعدما انحصر وجودها في وقت سابق في محافظة حلب وأريافها!
أليست المؤسسات البلدية و الصحية و الجهات ذات العلاقة هي المسؤولة عن غياب الآليات المناسبة لمكافحة انتشار هذا الوباء ؟
لأول مرة يمكنكم مشاهدة مكب النفايات العضوية وغير العضوية على الطريق العام الموازي لمدينة طرطوس . فبالعين المجردة وعلى طرف الطريق مباشرة , نرى أكوام القمامة بحجوم مخيفة تشكل بدورها بؤراً مثالية لوجود البعوض و أصناف الذباب ومنها ذبابة الرمل !!
إن غياب الخدمات البلدية عن المدن وأريافها يرفع من مستوى الخطر من الإصابة بهذا العامل الممرض الذي تنقله ذبابة الرمل .
هذا المظهرالذي نشاهده في طرطوس , يمكننا أن نشاهده في أي مكان من سورية . في ريف دمشق وريف حلب و ريف اللاذقية و في كل أرياف المحافظات السورية حيث يقع الاختيار دائماً على تلك المناطق لاستضافة هذه المكبات بدل أن تكون هذه المناطق المتنفس الحقيقي لهذ المدن الكبرى!!
فالمتعارف عليه أن أطراف المدن (SUBERB ) في البلدان المتحضره , هي المناطق الأكثر هدوءاً و تنغاماً بيئياً حيث يعمد السكان إلى الانتقال إلى هذه الضواحي للحصول على الهدوء الصوتي و البصري و البيئي .
لقد تحولت أطراف المدن السورية إلى مكبات للنفايات العضوية و غير العضوية بعدما كان أغلبها مكاناً مناسباً للراحة و الاستجمام وكل هذا بسبب غياب الخدمات الكلي أو الجزئي عن تلك المناطق!
ناهيك عن عدم وجود الآليات اللازمة للتخلص من هذه النفايات التي أصبح بعضها الآن على شكل تلال ترتفع في بعض الأحوال إلى عشرات الأمتار !!
هذه الآليات التي تتجلى بطرق معالجة النفايات وتعقيمها وإعادة تصنيع البعض منها على شكل أسمدة غائبة مما يجعل من وجود هذه المكبات قنابل موقوتة يمكن لها أن تنفجر في أي وقت لتشكل أكبر مشكلة بيئية وصحية واجتماعية في المناطق الكثيرة التي تقع فيها !!
لتفادي انتشار بعض الأوبئة , يجب على الجهات المسؤولة العمل الفوري وبالسرعة الممكنه على إيجاد الحلول الناجعة بشأن هذه المكبات وبشأن غياب الخدمات البلدية والصحية عن كثير من المناطق داخل المدن عموماً وخارج هذه المدن على وجه الخصوص كما في أرياف كل من دمشق و اللاذقية وبقية أرياف المحافظات !
لقد حصل في الآونة الأخيرة انتشار عمراني قسري على حساب أطراف المدن الرئيسية بما يطلق عليه اليوم تسمية أرياف المدن . حيث لم يواكب هذا الانتشار وضع الخطط و التدابير المناسبة لتعديل وجود ومكان بعض هذه المكبات التي أصبحت اليوم بالقرب من الناطق الآهلة و المسكونة كما نراه في مكب القمامة في منطقة البصة في محافظة اللاذقية على سبيل المثال لا الحصر !
فلا يمكن استبعاد وجود بؤر حقيقية للكثير من الكائنات التي يمكن لها أن تنقل العوامل الممرضة كالليشمانيا في تلك الأمكنة وخصوصاً بضوء غياب طرق معالجة هذه النفايات !
لنذهب سوية إلى مناطق المخالفات السكنية و المخيمات في دمشق أو في أية محافظة سورية, فإنكم ستشاهدون غياب هذه الخدمات كلياً أو جزئياً عن هذه المناطق!!
مما يجعلها بؤراً مثالية لإنتشار الأوبئة ومنها وباء الليشمانيا!!
إن أهم النقاط التي يمكن حصرها وإيجازها بشأن الحلول المتوفرة في هذا المجال ما يلي :
1- إعادة النظر في أماكن وجود هذ المكبات وإيجاد البدائل المكانية لمكبات مستحدثة تتواءم مع الواقع الجديد لانتشار وتوسع المدن والتجمعات السكانية يراعى فيها البعد الأدنى عن أقرب تجمع سكاني ومائي وحساب اتجاه الريح و سرعتها على مدار العام ونوع التربة وارتفاع المكب عن سطح البحر !!
2- إنشاء محطات لمعالجة وإعادة تأهيل بعض هذه النفايات كأسمدة عضوية بعد تعقيمها وتصنيعها في محطات مخصصة لهذا الأمر .
3- الاستفادة من بعض النفايات في عملية توليد الطاقة البديلة كما يجري في بعض البلدان المتقدمة .
4- تكثيف و تفعيل عمليات إزالة كافة المخلفات العضوية و غير العضوية من الأحياء وبالسرعة الممكنة وبشكل دوري و متواصل مما يدفع إلى التفكير في رفع مستوى التأهيل البشري
وتطوير الأدوات اللازمة للعمل من معدات وآليات وزيادة عددها بما يتناسب طرداً مع المساحة وعدد السكان!
5- زيادة عدد الحاويات الخاصة بالقمامة في جميع المناطق الآهلة بعد حساب عدد السكان وإجراء إحصاء حول جميع الأرقام التي
تدعم هذه الخطط.
6- وضع ثلاثة أنواع من الحاويات إلى جانب بعضها البعض واحدة للنفايات الغذائية و أخرى للنفايات الورقية و ثالثة للنفايات
البلاستيكية و المعدنية . حيث تسهل هذه العملية من عملية فرز المخلفات في مواقع المعالجة لكي يتم بعد ذلك إعادة تصنيعها و استثمارها بالشكل الأمثل !
7- تخصيص حاويات خاصة لمخلفات المشافي و المخابر والمؤسسات التي تعنى بالشأن الصحي وذلك للعمل على معالجتها في محطات خاصة والتخلص من كل إمكانية لوجود أي ضرر من وجودها في الطبيعة بشكلها الحر وخصوصاً المؤسسات الطبية التي تعتمد على المواد الكيميائية و الشعاعية في أداء وظائفها !! ويقودنا ذلك إلى ضرورة منع هذه المؤسسات من رمي مخلفاتها مباشرة في أقنية الصرف الصحي الذي يذهب ماؤه غالباً لري بعض المساحات الزراعية !!
8- نشر حملات التوعية في وسائل الإعلام كافة حول ثقافة التعامل مع المخلفات وكيفية إيجاد الحلول المناسبة للتخلص من هذه النفايات بالشكل الأمثل بتعاون جدلي بين المواطن والمؤسسات!!
9- وضع نظام رقابة صارم على عمل المؤسسات المعنية وذات الصلة بهذا الأمر ( بلديات, صحة ,...) وتفعيل أداء هذه المؤسسات في ضوء الحوافز و طبيعة العمل.
هذه بعض النقاط الرئيسية لتطوير العمل في هذا الجانب الهام و المباشر من حياة العامةفي وطني سورية .
وعلى العكس من ذلك , فإن غياب كل ما ورد عن الأجندة الأخيرة لعمل هذه المؤسسات , و هذا ما نراه بشكله الوصفي في غياب كامل أو جزئي لآليات العمل, يجعلنا نعتقد اعتقاداً راسخاً بأن هذا الأمر لا يشكل أولوية العمل عند القائمين على هذا الجانب الذين لا يدرك أبعاد خطورته و بشاعته إلا القلة من المعنيين في المجال الصحي و التطوير السياحي والخدماتي في سورية !
فليس من الممكن القول بتطوير سياحي أو خدمي أو صحي بمعزل عن إيجاد الحلول لهذه المشكلة المزمنة . كأن يقال مثلاً أن سورية بكاملها هي موطن ذبابة الرمل الناقلة للعامل الممرض الليشمانيا!!
إن إشاعة مثل هذا الأمر على المستويين الاقليمي و الدولي , يكفي لعزوف كثير من المجموعات السياحية عن القدوم إلى سورية حيث توجد هناك إمكانية للإصابة بالليشمانيا!!
إن آليات جمع وترحيل و التخلص من النفايات , تشكل بمجملها تعبيراً حضارياً و عصرياً يواكب توأمياً الشكل الجديد والوجه الحضاري لسورية الإنسان و الأرض .
إنسان لم يعد أثمن من ذبابة رمل. وأرض ضاقت بمكب ....قمامة !!!