القصيدة:
قد نذكرُ أنّ السلطانَ ابراهيمَ الـممـلوكيَّ
بنى مسجدَهُ الجامعَ ذا القببِ الخمسِ ، هنا …
ليس البحرُ بعيداً
ليس البحرُ قريباً
لكنّ الأسماكَ الحُــمْــرَ ، الحُـرّةَ ، قد طُـمِـغَـتْ باسمِ السلطانِ
السلطانِ ابراهيمَ ؛
كذلك أهلُ الساحلِ
والنسوةُ تحت غطاءِ الرأسِ التركيّ
وأسواقُ البلدةِ
والمـحتسبُ …
الليلُ على هذا الشاطيءِ من أحجار المتوسِّــطِ
يهبطُ مثلَ مُـلاءاتٍ ليس لها لونٌ أو رفرفــةٌ .
قد يصلُ الصيّــادونَ الآنَ إلى الـمرفأِ
بينَ شِــباكٍ وقناديلَ
وألواحٍ كانت تَــخْــضَــلُّ ؛
وقد تنبعثُ الـجَــرّةُ كاللوتسِ من قاعِ البحرِ الرومانيّ …
السلطانُ الـممـلوكيُّ ( أنا في الـمقهى أكتبُ . لا أدري
كيفَ أُقيمُ اللحظةَ حاجزَ صوتٍ ! كنتُ تعلّـمتُ كتابةَ أشعارٍ
في مقهىً باريســيٍّ )
وأُتابِــعُ :
إنّ السلطانَ الـمملوكيَّ تَـعَـمّـدَ أن يجعلَ حاجزَهُ
بين الجامعِ والرومانِ ، رمالاً …
( شــرَعَ المقهى يكتظُّ ، وأقربُ طاولةٍ تتأجّــجُ
بالضحكاتِ ، ونارِ الأرجيـــلةِ )
إن العشبَ قويٌّ
العشبُ قويٌّ
والعشبُ يُـغَـلْــغِــلُ في الحَــجَـــرِ
الدمَ أخضــرَ
والــماءَ
وما يجعلُ ما يَـفْــصِــلُ ، يَـتَّــصِــلُ …
( اشتقتُ إلى بيتي بالضاحيةِ البيضاءِ تماماً ، أعني بيتي في لندنَ
واشتقتُ إلى رُكني في بارِ الـبَــحّــارةِ ؛ )
طبعاً ،
ســأُخَــفَّـفُ وَطْءاً
في البرزخِ بين الجامعِ والصَّــرْحِ الرومانيّ …
وسوف أُتَــمْــتِــمُ في السِّــرِّ
صلاةً غامضةً …
…..……………..
…………………
…………………
أَشــياخي في الخلوةِ ؛
هذا الليلُ طويلٌ ، مكتـنِــزُ الأســرار
ومنتــظِــرٌ آياتِ الســـامرِ
والـبَــحّــار …
ــــــــــــــــــــ
* جَـبْـلة : مرفأٌ فينيقيّ على الساحل السوريّ .
وعدت بأن أقدم انطباعي وتعليقي عن قصيدة سعدي يوسف فها هو:
أولا تاريخيا:
السلطان ابراهيم بن أدهم ..ليس سلطانا مملوكيا ,فهو المتوفي عام 161 هجرية موافق ل778 ميلادية ,بينما لم يبدأ ظهور المماليك على مسرح التاريخ الا في العام 648 هجرية موافق ل 1250 ميلادية..أي بعد ابراهيم بحوالي خمسة قرون؟؟!!
أما إذا كان يقصد سعدي بأنه مملوكيا كإشارة الى انتماء لطبقة معينة...فهنا يكون المطب أكبر...فالسلطان ابراهيم أتت شهرته من كونه سليل سلاطين وملوك اختار طريقه بعيدا عنهم ونحى نحو الزهد والتصوف.
أما إشارته الى المدرج "الفينيقي" أو السوري في جبلة ,واسباغ عليه لقب الروماني ,كما تفعل وزارة ثقافتنا العظيمة ...فهو ليس موظفا في هذة الوزارة حتى يتقيد بتسمياتها الجاهلة,وليس انسانا عاديا لكي يتولد لديه بسهولة مركب النقص تجاه الأجنبي "وهو الذي يعيش في لندن" ,ويحاكم سكان تلك الأزمان بمقياسنا الحالي..فأولئك اخترعوا الحرف يا سيدي "وطمغوا" البحر الذي تسميه بالروماني ,باسم بحر أمورو ..البحر العمّوري العظيم.
الإسقاطات:
اذا كان "كما شرح الشباب " استخدام السلطان ابراهيم كاسقاط معاصر ..فهو غير موفق البته,فهو المشهور بأنه قد هجر طوعا الملك والسلطنة ,متبنيا طريق الفكر والتصوف ومناصرة الفقراء.
نسبة الأسماك الحمر وأهل الساحل والنسوة وأسواق البلدة للسلطان ابراهيم:
إذا كانت الإشارة عادية بدون اسقاطات ,فهي عادية ولا تستحق أن نتوقف عندها الا ما يستوقفنا أي مقال بجريدة الوحدة؟؟!
وبالإسقاطات...
كان بالأحرى به أن يشمل هذا الربط على الوطن ككل وليس على أهل الساحل..كما الحال بالنسبة للنسوة تحت الغطاء التركي .."وهنا إشارتان متناقضتان".
ثم لماذا الألواح الآن لا تخضل ...وهل تريد يا سيدي أن "يطفش " الناس في المقهى لكي تنعم بكتابة قصيدة..وأنت الذي تعودت على الكتابة الهادئه عن أحلام ومصير وآمال ومشاعر الناس في ركنك في مقهى البحارة بلندن ؟
ولن أقف طويلا عند الإشارات والإستعارات الصوفية :
"الدم أخضر ..والماء..
ليس قريبا..ليس بعيدا..
ما يفصل ,يتصل...
أشياخي في الخلوة...
آيات السامر...."
فهذة أصبحت شغلة كل شاعر حديث ,بل وكل مثقف,بعد الكبير أدونيس.
بقصد الإبهام والغموض ..متناسين أن ذلك الأدب العظيم"الصوفي" ,كان تطورا في مرحلة تاريخية معينة اقتضهم الضرورة للترميز والغموض...ولا يجب اعادة اجترار تلك المرحلة ,بل يجب إعادة خلق ند لها .بابتكار رموز جديدة ..تناسب العصر وتتخطى ما أبدع هؤلاء.
أما ماتبقى...من الوصف السردي وتداخله الزمني ...مع القصيدة...فهو غير موفق فنيا واضعف القصيدة.."وصفه لحالته في المقهى...وأمنياته بالعوده لبيته وركنه في لندن".
وبالمناسبة اذا كنت يا سيدي قد اشتقت لبيتك في الضاحية البيضاء تماما في لندن ... كنا نتوق أن يكون اشتياقك لشيء آخر ..للكرخ للرصافة ..لجسر المسيّب...خاصة وأن السلطان ابراهيم قد مر بوطنك أيضا .
هذة إشارات... ولكن أتوقع أنها كافية.
لن أدخل في التراكيب...والاتساقات المفقودة...والصور المباشرة...والسرد الأفقي...والموسيقى الداخلية ...فهذا من شغل "النقاد" ,..وليس من شغلي
لتلك....
ولهذة لم "تخش " القصيدة...
ولذاك...
كانت دعوتي لإسقاط الأسماء قبل قراءة النصوص ..وقراءتها بعين الناقد "بعد الإعجاب" لا بعين المريد.
سعدي يوسف ..مشرق..في بعض قصائده..ومغرب في بعضها الآخر..وأنا اعتدت أن أتفحص وأفتش وانقد من أحب .
شكرا لصبركم وتحملكم إياي...