يوم الخميس 26- 1-2005، أعلنت نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وفازت حماس وهزمت حركة فتح - حزب السلطة، ولو جرت انتخابات مماثلة في أي بلد عربي أقول متأكدا إن النتيجة هي ذاتها، ستفوز حركة دينية ما، على كل، هذه لعبة ديمقراطية والشعب الفلسطيني حدد خياراته، وأنا مع أي خيار يحدده المجتمع لأنني داعية اجتماعي، وأطرح سؤالا أوسع حول ما يجري في عمقنا الاجتماعي، وأقدم هذه القراءة السريعة لما يجري من وجهة نظر اجتماعية، فما يجري؟
سؤال بحاجة إلى دراسة وجدية وعمل حثيث.
نعم المجتمع العربي في حالة غضب وضيق وعدم توافق مع أنظمته وينطبق ذلك على حركة فتح التي سمحت بإجراء انتخابات، وما أقوله بصدد فتح كتجربة حالية ينطبق على بقية أنظمة السلطة في الوطن العربي، وتتسم بما يلي:
- هذه الأنظمة ليست منتخبة وليست شرعية
- نهبت وسرقت المجتمع
- تعامل معها الغرب كأداة لتنفيذ مطالبه في المجتمع وليس من أجل تعامل الغرب معها لتقدم المجتمع
أي السلطة هنا تتعامل مع سلطة في الغرب بهدف تمرير مشاريع سلطة الغرب الرامية إلى السرقة والنهب مقابل حماية هذه السلطات.
لكن حدثت تغيرات هائلة في القاع المعرفي الاجتماعي، ترافق مع يقظة المارد الاجتماعي مما هو عليه من خراب ودمار وتخلف قياساً ببقية شعوب العالم، ومع تقدم الثورة الإعلامية الهائلة، وبداية فهم المجتمع لجلاديه ولصوصه، وتحديد من هم:
1- السلطة المحلية
2- السلطات في الغرب (تسرق النفط، الثروات، نحن مجرد أسواق له، احتلال أراضيه في العراق وفلسطين، و تعامل السلطات المحلية لتأمين الحامية له في ذلك...).
فما كان من المجتمع سوى الرد والغضب بالكراهية والبغض والممارسة العنفية المباشرة وغير المباشرة، وأعمال عنف زلزلت العالم، وأصبحت المعادلة مركبة على هذا النحو:
مجتمع عربي بالمطلق 100% كاره وحاقد وغاضب على أميركا، وبالدرجة نفسها على سلطاته المكشوفة بعمالتها للغرب، ولأن أميركا لا تنظر إلى عملائها إلا بمقدار ما يعطونها، دون أن تعطيهم أية مكاسب، فمثلا، لم تعطِ السلطة في فلسطين أية مكاسب تقدمها للمجتمع الفلسطيني، ويندرج ذلك على بقية الأنظمة:
- لا إطلاق السجناء
- لا مفاوضات سلام
- لا وقف بناء الجدار العازل
- لا تنمية داخلية
- لا دعم سياسي
وبالمقابل تطالب السلطة بالمزيد من التنازل، هذا الخلل دعم وبشكل مباشر وحتمي البديل، البديل الذي يطالب بكل ما عجزت السلطة عن تحقيقه، ففازت حماس في فلسطين التي ترفع شعار الحل عبر الكفاح، وفي مصر تقدم الإخوان المسلمون تقدماً هائلاً، وفي العراق تولى رجال الدين السلطة بشكل مباشر، وفي دول الخليج يتقدم الفكر الديني ويتحكم بكل مفاصل الحياة، وهكذا في الجزائر، وما نجم عنه من حرب أهلية طاحنة، وهذا ما يلوّح به في سوريا (يحاصرون نظامها وكأنهم يفسحون المجال للبديل الديني بالقدوم )
إذن ما يحدث هو بديل ديني كبديل لأنظمة السلطة، وأن البديل الديني يقبل بسلطة فهو حتما نظام سلطوي بديل وليس نظاماً اجتماعياً (لأنه لن يتمكن من تحقيق حاجات المجتمع أبدا، وهدفه السلطة التي يسعى إليها، لا أكثر ولا أقل.. ولا يمتلك الرؤيا الاجتماعية للتقدم الاجتماعي، مثله مثل أي سلطة في العالم)، لكن تعليلاً لفوز حماس، أوضح ما يلي:
فازت كعمل سياسي تكتيكي، وليس استراتجي - اجتماعي، وأسباب مكاسب الدينين، هم ضد:
1- ضد السلطة المحلية.
2- ضد سلطة الغرب.
والمجتمع في الوقت نفسه هو ضد:
1- السلطة المحلية.
2- ضد سلطة الغرب.
فكأي سلطة تسللت عبر هذه الأهداف، تبنتها، طبعت نفسها بالطابع الاجتماعي، وحدث ما يشبه التلاقي، وهذا التوافق الظاهري، جعل المجتمع يفضل الدينيين على السلطة وهو على حق، لأنه لا يمكن أن يفضل جلاديه على من يدافع عنه، على الأقل في المرحلة الحالية، ريثما يكتشف الحقيقة، هذا إذا قبلت مركزية الفكر الديني باللعبة الديمقراطية - ولن تقبل - لكن الفكر الديني، أو الاجتياح السلطوي - الديني لعالمنا العربي، لا يبشر بالخير لأنه ليس هو الحل، والأسباب:
1- هو فكر مركزي، ويرفض الآخر.
2- هو فكر ليس لديه رؤيا للمستقبل سوى استرداد الماضي بكل تفاصيله، وجعله أسلوب حياة للمجتمع.
3- هو فكر في جوهر ( سلطة ) يخلق صيغة الآخر - العدو - الكافر، أي بقاء الجرح الاجتماعي مفتوحا والدم يسيل كما هو الحال منذ معركة صفين، فهو فكر لن يضمد جراح المجتمع بل سيعمقه بين جملة تناقضات:
- شيعي - سني
- كافر - مؤمن
- غربي متحضر- شرقي تقليدي
- نصي - لا نصي
- حق مطلق - حق مضلل ( الأفكار من السماء لا تقبل الجدل، وبين من يفكر في الأرض بطريقة مختلفة عنهم )
وهذا الخلاف سيتعمق مع استلام هؤلاء الدينيين للسلطة، ولنحتفل ببراكين الدم القادمة إلينا، وليفرح الغرب الذي سنصدر إليه أناساً سيقولون له إما أن تؤمن بنا أو سنحاربك (تكون مثلنا أو أنت على حرب معنا) وهذا ما يفعله الغرب بنا على كل حال ( إما أن نسمح له بسرقتنا أو نحن مارقين، وهذا إرهاب سلطة )، وهل أقول مبروك للشرق بتقدم الفكر السلطوي - الديني؟ الفكر الذي وإن فاز بالانتخابات أو غيرها، فإنه فكر لا يقبل بالتعددية وبالمطلق، فهل يقبل شيعي أن يكون في صفوفه أو قائده سني، وهل يقبل سني أن يقود طائفته شيعيا؟
هذا لن يحدث، فالكراهية الاجتماعية عميقة ورهيبة ودفينة والحوار الديني لم ولن يكون أبداً حتى بين الطوائف نفسها، والأمثلة اليومية بالآلاف ونعيشها بشكل يومي في كل حي وبلدة ومدينة مشرقية
سيبقى هذا المقال ناقصاً إذا لم أضع رؤيا ما، وكداعية اجتماعي لا عنفية سلمية، أقول:
الحل هو أن يحقق المجتمع أمنه وسلامته وخياراته وتقدمه، وهذا ممكن ضمن صيغة اجتماعية فقط، لا قومية ولا ليبرالية ولا دينية، فهذه كلها عصبيات فاشلة وجربناها عبر تاريخنا الدموي الطويل، بل المجتمع، أي الصيغة الاجتماعية التي تقر بوئام اجتماعي، شرطه الحرية للمجتمع، وتركه يختار ما يشاء ويحدد خياراته دون نهب أو سرقة أو تأثير من السلطات التي حرفته عن خياراته، فالمجتمع بحاجة للتخلص من شوائب السلطة، لا إلى المزيد من الفرقة والتشتت والفوضى، ونحو نسير مع الفكر الأحادي أيا كان شكله ومصدره وموطنه إلى صدام حقيقي مدمر سيستمر قروناً قادمة إذا لم نتوقف عن اللعب بجزئيات المجتمع، وسنسمح للسلطة المحلية والغربية بنهبنا، وكان واضحا الاتصال السري بين الإخوان المسلمين في مصر وسلطة أميركا، وسيكون مثل هذا الاتصال بين حماس وسلطة الغرب، كما هو في العراق الاتصال الشيعي الأميركي، وهدفه هو اللعبة التالية، ذاتها التي تلعبها سلطاتنا القائمة:
(نحن نعترف بكم وندعمكم مقابل أن تسمحوا لنا بنهبكم، وهذه معادلة الخاسر فيها من جديد هو المجتمع)
ونريد معادلة على النحو التالي:
مجتمع يتحكم بخيراته ويتعامل مع الآخر كقوة اجتماعية وليس كسلطة تنهبنا
نحن بحاجة إلى إدارة مجتمعنا وفق الحفاظ على خيراته، مجتمع سلمي حضاري يستوعب كل ما ينتجه، و لا يكون خاضعاً لجزئيات تريد التحكم به (كمن يراد له أن يجر جبلاً وهو عاجز).
لا ينفصل المجتمع عن هذه العملية فهو منضبط في إطارها وما خربته السلطة عبر تاريخها الطويل يعاد الآن تصحيحه عبر الثورة المعرفية، فقد جعلت ثورة الاتصالات العالم: ليس قرية فحسب، بل مكتباً صغيراً، وها وأنا مع المجتمع (الكل الاجتماعي) نلتقي دون رقابة سلطة، وكل شخص في دولة، نتواصل دون حواجز عقدية أو سلطوية: ألغيت الحدود، والهوية، والجغرافيا، والأفكار وحدها تتواصل، والكلمة تربطنا، لكن ما يخطط لنا عكس ذلك، المزيد من الخنوع لعبودية نرفضها في مجتمع معرفي سلمي حر، هو يحدد خياراته سيكون مستقبلنا، ضد كل أشكال النهب المادي والمعرفي وضد كل أشكال السلطة، يتشكل الآن: مجتمع كوني عالمي حر متصل بالطبيعة ويدافع عن مصالحه ضد قوى السلطة ومثال ما أقوله: منظمة كتاب بلا حدود، منظمة صحفيين بلا حدود، منظمة أطباء بلا حدود، منظمة الشفافية العالمية، منظمات مكافحة العولمة، منظمات البيئة، وكلها حركات سلمية اجتماعية هدفها السلم والعدالة والحرية، أي المدافع عن المجتمع، لذا إذا سئلت: ماذا تختار لأجبت فورا:
إذا خيرت بين حزب ديني وحزب قومي، لاخترت القومي وإذا خيرت بين القومي والليبرالية لاخترت الليبرالي، وإذا خيرت بين الليبرالي والمجتمع لاخترت المجتمع،لأنه الكل والحاضن للجميع، بينما تلك القوى بمجملها هي قوى سلطوية، أي سلطة:
الحزب الديني استغل الدين، ألصق سمات الدين الحسنة لنفسه من أجل تحقيق مكاسب سلطوية (يأخذ ولا يعطي، يتطفل وينهب وغير قادر على العطاء، لأن العطاء محصور وبالمطلق بالمجتمع وبالطبيعة).
القومي: هو حزب استغل سمات المجتمع وهويته القومية كاللغة والتاريخ والدين، وألصقها بذاته وإنما هي منتج اجتماعي بالطلق، فنادى بها، وتستر بقيمها من أجل نهب المجتمع تحت رايتها ( سرق من المجتمع سماته ووسم بها نفسه من أجل أن يمر كسلطة، ويتطفل على المجتمع، لكنه انهار، والسبب عدم قدرته على الإنتاج، وهذه أهم صفة من صفات السلطة )
الليبرالية أو الحرية: هي سمة اجتماعية ولزوم اجتماعي ومنتج اجتماعي بالمطلق
وجاءت أحزاب ليبرالية وتمثلت هذه السمة كي تضحك على المجتمع وأسمت نفسها ليبرالية بينما هي ضد الحرية بالمطلق، ولا يمكن أن تتمثلها لأنه تتطفل في جوهرها، واستغلت هذه السمة كي تتغطى بها وتنهب المجتمع باسمها، فتم كشف زيفها وسقطت أقنعتها في ممارسة الاستعمار القديم والاستعمار الحديث
وبقي المجتمع: هو مجتمع منتج قادر على التجدد والاستمرار وفق شرط التواصل مع الطبيعة، مجتمع طبيعي يتحكم بقواه، وبخياراته هو الحل للعالم أجمع: عالم دون سلطات، وكل ما ينتجه المجتمع هو ملكه وحده وهو وحده يحدد خياراته بما يخصه.
لذا أقول: (لا) لحماس.. من أجل حماس الفعل الاجتماعي ، و(نعم) للمجتمع من أجل المجتمع، لا للسلطة الدينية التي تتآمر كأية سلطة ضد المجتمع ، ونعم للدين كمُنتج اجتماعي خيّر ، وآن الأوان أن نفرق بين الدين ، وبين السلطة الدينية ، فالذي وصل بلاد الشام والعراق منذ القدم السلطة الدينية وليس الدين ، والسلطة أعني : العسس والدواوين التي عملت على نهب وتخريب المجتمع ، بينما الدين كمنتج اجتماعي يريد للمجتمع أن يتعايش ويتواصل ويعيش بأمان وسلام ، لكن السلطة الدينية أرادته ممزقا ضعيفا كي تتمكن من السيطرة عليه ، فأوقعت فيه الفتنة الطائفية ( سني - شيعي ) والدين لا يقول بذلك ، وكل عاقل اجتماعي في الكون يميل مع ما يقوله المنطق الاجتماعي ( السلام ، التعايش ، التواصل ، الفضيلة ...) ولا يختلف ذلك مع الدين ، لكنه يختلف جوهريا مع السلطة الدينية التي تتميز كأية سلطة ( تتطفل لتعيش ، وتضعف المجتمع لتبقى ، لا تنتج ، وتنهب ، تخرب ولا تبني ...) ، فهل يبقى هذا الشرق تحت تأثير عدم وضوح الرؤيا مما يحصل فيه وحوله ومعه ، ويدفع ضريبة القوى التي تفرض نفسها عليه ، وتمنعه من أن يتخذ قراراته بنفسه ؟