المبحث الثالث - العلوية السياسية :
عرف العلويون ، ومنذ ظهورهم على المسرح السياسي ، كمدافعين عن حقوق الطبقات المسحوقة وكمناضلين من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية وإنصاف المظلومين ، بالروح الانسانية الوثابة وبالتسامح الفكري ومناهضة الاستبداد والتمسك بالمطالبة بحقوقهم مهما كانت الظروف . ومن هنا فان تاريخ العلويين في بلاد الاناضول عبارة عن سلسلة من الثورات ضد السلطات الحاكمة الاستبداية او دفاعا عن حقوقهم المهضومة . فقد ثار الشيخ بابا اسحاق ، أحد مريدي بابا الياس شيخ العلويين التركمان ومؤسس الطريقة البابائية الصوفية ، ضد السلاجقة الذين اثقلوا كاهل جماعته بالضرائب العديدة عام 1208 الميلادي والتي استمرت حتى عام 1210 وشملت معظم مناطق بلاد الاناضول . وقد خشي السلاجقة من مغبة هذه الثورة العارمة ، فقاموا بتجنيد معظم الشبان التركمان للخدمة العسكرية مما ادى ذلك الى اضعاف قوة بابا اسحاق ومن ثم القضاء عليه وعلى ثورته . كما ثار العلويون البابائيون والعشائر الاوغوزية ( التركمان ، اوسطاجالي ، روملو ، تكه لي ، ذو القدرية ، شاملي ، آفشار ، قاجار ) المساندة لهم ضد الدولة العثمانية الفتية ( تأسست عام 1299 ) ولأول مرة سنة 1393 عندما وضعوا الضرائب الجديدة على تلك العشائر ، ولكن العثمانيين قمعوا هذه الثورة بقسوة مما اضطرت معظم تلك العشائر الى الهجرة الى اذربيجان الايرانية . ولعل اخطر مشكلة سياسية واجهتها الدولة العثمانية كانت دعوة الاصلاح الاجتماعي - الاقتصادي التي اطلقها الشيخ بدرالدين محمود سماونالي ( 1359 - 1420) قاضي عسكر السلطان موسى تشلبي ( ابن السلطان ييلدرم بايزيد الاول ) الذي اعلن نفسه سلطانا على الدولة العثمانية وبدأ بمحاربة اخوانه الثلاثة الاخرين المطالبين بالسلطة بعد وفاة والدهم السلطان بايزيد الاول . غير ان محمد تشلبي - الابن الاصغر للسلطان بايزيد الاول - استطاع التغلب على اخويه الاخرين واعلن نفسه سلطانا على الدولة العثمانية باسم السلطان محمد الثاني ( 1432 - 1481 ) الذي عرف فيما بعد باسم ( السلطان محمد الفاتح ) الذي قام بنفي الشيخ المتصوف بدرالدين سماونالي الى مدينة أزنيك . ولكن الشيخ بدرالدين استطاع الهروب - بمساعدة مريديه من التركمان العلويين - الى منطقة صامصون ( على البحر الاسود ) حيث اعلن هناك بانه سيقوم بتأسيس (دولة الحق ) ثم قام بتوزيع الاراضي الزراعية على الفلاحين المعدمين ونشر نوعا من الاشتراكية البدائية من خلال مبدئه القائل ( كل شئ مشاع عدا وجه الحبيبة ) فكانت تلك الدعوة اول ثورة مادية في الاسلام في بلاد الاناضول . وقد انتشرت هذه الدعوة - التي كانت سريّة في البداية - بسرعة مذهلة وامتدت الى المناطق المجاورة ، نتيجة انشغال الدولة العثمانية بالغزو المغولى الذي قاده تيمور لنك ، لاسيما بعد انتصاره على السلطان بايزيد الاول ( 1380 - 1403 ) في معركة انقرة عام 1402 ، وانشغال ابنائه الاربعة في الصراع على السلطة طيلة عشرة اعوام ( 1403 -1413 ) التالية ، الى ان اعتلى عرش السلطنة محمد الفاتح عام 1413 ليتفرغ لمحاربة العصاة الخارجين على الدولة العثمانية . فجهز حملة كبيرة لتحرير الاراصي التي استولى عليها اولئك العصاة ابتداءاً من منطقة قونية ، فتم القضاء على بوركلوجة مصطفى اولا ثم على طورلاك كمال وبعد ذلك على دوزماجة مصطفى . ورغم مقاومة الفلاحين المعدمين لقوات السلطنة دفاعا عن مكتسباتهم بقيادة الشيخ بدرالدين ، الا ان قوات السلطنة تغلبت عليهم والقي القبض على الشيخ بدرالدين _ الذي خلّده الشاعر المبدع ناظم حكمت في ملحمة رائعة - وتم اعدامه عام 1420 في القضية المعروفة في التاريخ العثماني باسم ( حادثة سَرَز ) لان الشيخ بدرالدين قد اعدم في سوق مدينة سرز المزدحمة آنذاك .
ومنذ بدايات القرن الخامس عشر استطاع الشيخ حيدر بن جنيد بن صفي الدين التركماني ، جمع عدد غفير من الدراويش التركمان في منطقة بحر قزوين الاذربيجانية الايرانية حول دعوته الصفوية وخاض صراعا مريرا ضد العشائر الفارسية بمساندة الامير اوزون حسن ( 1428 - 1478 م ) زعيم دولة الآق قويونلية ( الخروف الابيض ) التركمانية و حمو الشيخ حيدر بن جنيد الصفوي ، فانتصر عليهم بقواته الجرّارة والذين اطلق عليهم تسمية القزلباشية ( ذوي الرؤوس الحمر ) لانهم كانوا يعتمرون قطعة حمراء ، اشارة الى انتسابهم للطريقة العلوية ، واعلن ابنه اسماعيل الصفوي ( 1486 - 1524 ) شاها - ملكاً - على ايران عام 1501 الذي قام بدوره باعلان المذهب الشيعي ، مذهباً رسميا لبلاده ، فاصبح بذلك مؤسس الدولة الصفوية في التاريخ .
وهنا يتبادر الى الاذهان السؤال الوجيه التالي : لماذا لم يعلن اسماعيل الصفوي العلوي التركماني ، العلوية مذهبا دينيا بدل المذهب الشيعي في ايران ، رغم اشتراكهما في محبة وتقديس الامام علي وآل البيت ؟
اننا نعتقد ، ان الشاه اسماعيل الصفوي - وهو احد الشعراء الاتراك الكلاسيكيين الذي نشر له ديوانان بالتركية - كان يفكر تفكيرا منطقيا لانه اعتقد - وهو على حق - بان العلوية ليست مذهبا دينيا وانما هي طريقة صوفية - متميزة ومختلفة عن الطرق الصوفية الاخرى - لا يمكن إجبار الناس بالانتساب اليها بالاوامر والقرارات الرسمية وانما بالاقناع والحوار والاقتداء . ومن هنا فان الطريقة الصفوية - العلوية - الصوفية اكثر الطرق الصوفية انتشارا في منطقة الشرق الاوسط وآسيا الوسطى من جهة ، ولانه اراد تعبئة الشعب الايراني الشيعي ضد الدولة العثمانية السنّية في حربه الدينية - السياسية لنشر المذهب الشيعي في المنطقة للهيمنة السياسية على الشرق ، من جهة اخرى . ولذلك بقيت الرابطة الروحية بين الامامية الاثني عشرية والصفوية قائمة ووثيقة الى اليوم ، كما ظل الشاه اسماعيل الصفوي احد شيوخ العلويين المرموقين حتى يوم الناس هذا .
واذا كان السلطان ياووز سلطان سليم ( 1470 - 1520 ) قد انتهز الاضطرابات المذهبية التي حدثت بين الشيعة والسنّة في منطقة جنوب شرقي بلاد الاناضول لشن حملة قمع واضطهاد ضد العلويين هناك ، مما دفعت بهم الى القيام بسلسلة الثورات الجلالية ضد السلطنة العثمانية ، فانتهزها السلطان ياووز سليم لاعلان الحرب على الصفويين بعد اتهامه للشاه اسماعيل الصفوي بخلق تلك الاضطرابات ، فكانت معركة تشالديران ( 23 اغسطس 1514 ) التي انتصر فيها السلطان العثماني على الشاه اسماعيل الصفوي واحتل عاصمته تبريز حيث استولى على خزائنه ونقل عرشه الذهبي المطعّم بالماس الى اسطنبول - وهو معروض اليوم في متحف طوبقبو - فان السلطان سليم قد اراد بتلك الحملة العسكرية الجرّارة ضد الصفويين ، تحقيق هدفين في آن : التوجه بالفتوحات العثمانية شرقا وضرب الحركة الصفوية العلوية المتنامية في بلاد الاناضول ، بعد ان تبنّى الجند الانكشاريون ( الجند الجدد ) وهم مشاة القوات المسلحة العثمانية من المرتزقة ومعظمهم من العلويين والتي تأسست عام 1362 الميلادي ، في اوجاقاتهم ( منتدياتهم ) البالغ عددها 196 اوجاقا اعتبارا من اواخر القرن السابع عشر ، الطريقة البكتاشية اسلوبا في الحياة والمعاملات وبذلك ساهموا في نشرها في كافة انحاء بلاد الاناضول مما اثار ذلك حفيظة السلطان محمود الثاني ( 1785 - 1839 ) فأقام وليمة عشاء لزعماء تلك الاوجاقات البكتاشية في قصره عام 1826 فقضى عليهم جميعا . كما انه اصدر فرمانا - امرا سلطانيا - يقضي بإلغاء التشكيلات الانكشارية وتجريدها من السلاح والامتيازات وملاحقة كل من يشتبه بالانتساب الى الطريقة البكتاشية حتى تم قتل حوالي اربعين الف علوي خلال تلك الفترة ، ولذلك فقد تبنى العلويون مبدأ ( التقية ) لدفع الاذى عن انفسهم والانعزال عن المجتمع العثماني الذي بدأ يطلق عليهم تسميات : الكفّار واللادينيين والاتراك المعتوهين ( اتراك بي ادراك ) وغيرها من الاوصاف الرديئة والالقاب المشينة .
ان محاربة العثمانيين للعلويين في شخص البكتاشيين ومحاولة تهميشهم ادى بمعظمهم الى الهجرة الى الاقسام الشرقية والجنوبية الشرقية من بلاد الاناضول ليمارسوا هناك شعائرهم بصورة سرية ردحا من الزمن ، الى ان كانت الثورة الكمالية التي اخذت بانظمة الحكم الحديثة باعلان الجمهورية والدستور العلماني عام 1923 اضافة الى الغاء الخلافة والاخذ بنظام وحدة التدريسات وانشاء مؤسسة الشؤون الدينية التي تنص على وحدة الدين والدولة في نطاق اتخاذ الاسلام كدين والتركية كقومية ضمن حدود الجمهورية التركية في اطار الميثاق الوطني المعلن عنه عام 1924 . وقد هيأ القانون المذكور ، الارضية الملائمة لاصدار قانون الغاء الزوايا والتكايا عام 1937 الذي كان يعني سحب الاعتراف بالاقليات الدينية والاثنية خارج نطاق الاسلام كدين والتركية كقومية . ورغم ان العلويين كانوا قد استبشروا خيرا باعلان الجمهورية العلمانية ، فانهم شعروا بالغبن الفاحش نتيجة عدم اعتراف مصطفى كمال اتاتورك وخلفائه من بعده بالعلوية - ولو ضمنيا - رغم كون العلويين علمانيين مثلهم من جهة ولانهم كانوا يمثلون آنذاك حوالي ربع سكان الجمهورية التركية الفتية . ولهذا ظلت معاناة العلويين مستمرة في العهد الجمهوري ايضا ، ومما زاد في الطين بلّة وضع الضرائب الباهضة على الماشية اضافة الى ضريبة الطريق التي ارهقت كاهل الفلاحين في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية التي تقطنها الاكثرية العلوية . بل ان الجندرمة والتحصيلدار ( مأمور الضرائب ) كانا يقومان بضرب وسجن وتعذيب الفلاحين الذين لا يستطيعون دفع تلك الضرائب ، مما ادى الى تذمّر عام في المنطقة وتمرد بعض القبائل التركمانية وامتناعهم عن دفع تلك الضرائب عام 1937 . ويقول شكري لاتشين ( ص 20 - 42 ) في العشرين من اغسطس 1937 عسكر الجنود قرب مجموعة قرى درسيم ( تونجلي الحالية ) ثم قاموا بتطويق تلك القرى ، فساد الخوف بين سكان تلك القرى بعد ان تسربت اليهم بعض الانباء التي تؤكد بان الجنود سيعتقلون كافة شيوخ وددوات وباباوات ( شيوخ ) الطرق الصوفية البكتاشية والعلوية والمولوية والصفوية .
ثم يتحدث لاتشين عن التحريض الذي مارسته القوات المسلحة التركية لحمل الفلاحين على التمرد بالقول( ص27 وما بعدها ) قام المقدّم الذي حاصر القرى التابعة لقضاء داريكنت ( موهوندي ) بحمع كل من يستطيع حمل السلاح بحجج مختلفة : تارة بحجة امتلاك السلاح - و إن كان مجازا - او باتهامه بانه من الاشقياء وقطّاع الطرق او بانه شيخ او دده او بابا للعلويين ، وكان معظمنا يعرف الاخرين لاننا كنا من المنطقة نفسها . ثم ساقهم ، وهم مقيدون الى جهة مجهولة، حيث ان معظمهم اصبحوا ضحايا مجزرة 14 اغسطس الرهيبة . وتعتقد المصادر العلوية الموثوقة ان حوالي 40 الف علوي قد قتلوا في تلك المجزرة البشعة .
غير ان حكومة عصمت اينونو - خليفة اتاتورك ورئيس الجمهورية وكالة آنذاك والعسكري الصارم - قرر مواجهة هذه المطاليب وثورة الاكراد العارمة التي زلزلت اركان الدولة خلال السنوات الثلاثة من عمرها ، بالقوة فحهز جيشا عرمرما للقضاء عليها بتعزيز الفيلق السابع المعسكر في منطقة دياربكر بفيلقين آخرين مع المدرعات والطائرات الاضافية التي نتفت الجبال ودمرت القري واحرقت الزرع والضرع . بعد ان اخذ اينونو خلال حكمه ( 1938 - 1950 ) بالفكرة الفاشية ( زعيم واحد لشعب واحد ذي ايديولوجية واحدة ) المتأثرة بالفكرة النازية وايديولوجية ( هندسة البشر على شكل واحد ) الستالينية .
وبعد الحرب العالمية الثانية اسدل ستار كثيف على العلويين بخاصة والحركة الكردية بشكل عام في تركيا ، رغم انهم استبشروا خيرا باخذ تركيا بالتعددية السياسية املا في اتاحة المجال لهم للمشاركة في الحكم وتحقيق امانيهم في اقامة المجتمع الديموقراطي الذي يتمتع فيه كل مواطن بالحريات العامة على قدم المساواة مع الاخرين . غير ان الاحزاب السياسية التي تشكلت بعد الخمسينيات لم تطرح في برامجها الانتخابية مطاليب الاكراد والعلويين في اتاحة المجال لهم لممارسة ثقافتهم في الاذاعة والنشر وتمثيل العلويين في رئاسة الشؤون الدينية لكسر طوق السنّة المفروض على ادارتها وقراراتها . ولذلك فقد كان العلويون والاكراد يناضلون ضمن الاحزاب السياسية القائمة لتحقيق تلك الحقوق ، حيث كانوا يؤلفون دائما ما بين 16 - 18 بالمئة من عدد نواب البرلمانات القائمة خلال 1950 - 1980 عندما قام الجنرال كنعان ايفرين بانقلابه العسكري - وهو الانقلاب العسكري الثالث بعد انقلابي 1960 و1971 - في 12 سبتمبر من العام المذكور ، ليلغي الاحزاب السياسية والدستور والبرلمان توطئة لوضع دستور جديد للبلاد عام 1982 والذي نص على تدريس مادة الدين في كافة المراحل الدراسية مع التوسع في فتح مدارس الائمة والخطباء ، دون الالتفات الى مطاليب العلويين في الاعتراف ببيوت الجمع - الخاصة بهم - كمراكز لممارسة الشعائر العلوية ورعايتها مع تحديد نسبة معينة من الائمة ( الشيوخ ) والخطباء العلويين اضافة الى تمثيلهم في رئاسة الشؤون الدينية وبنسبة نفوسهم الى مجموع سكان تركيا . ومن هنا فقد دخل البروفيسور عزالدين دوغان ، رئيس مؤسسة بيوت الجمع العلوية ، في مساومات مع جميع الاحزاب السياسية التي تشكلت بعد عام 1983 من اجل تحقيق مطاليب العلويين لقاء تأييدهم لمرشحي تلك الاحزاب ، غير انها جميعا لم تلتزم بوعودها . ولكن رغم ذلك فان العلويين لا ينوون تأسيس منظمة سياسية مستقلة خاصة بهم وانما سيناضلون ضمن الاحزاب السياسية التي تساند تطلعاتهم في التمتع بهويتهم الثقافية ، ولذلك فقد صرح دوغان لصحيفة الزمان رغم اننا لانرغب في تأسيس حزب سياسي خاص بنا الا انني اشجع كل العلويين للانخراط في العمل السياسي لان الظروف السياسية تستدعي ذلك من جهة ولان الاحزاب القائمة تتطلع لتعاون العلويين معهم من جهة اخرى ، رغم انني سوف لن ارشح نفسي لانتخابات 3 نوفمبر القادم ( 30 / 10 / 2002 ) .
وكان العلويون قد طرجوا المطاليب التالية على الاحزاب السياسية العلمانية - عدا حزب العدالة والتنمية - لقاء تأييد مرشحيهم او ترشيح 50 - 60 علويا لانتخابات 3 نوفمبر 2002 مع ضمان نجاحهم ، وهي :
1 - تمثيلهم في الهيئة الادارية لرئاسة الشؤون الدينية بنسبة سكانهم .
2 - تخصيص مبالغ محددة من ميزانية الدولة لمساعدة مؤسسة بيوت الجمع ، اسوة بمساعدتها لانشاء الجوامع .
3 - اقر الدستور قيام المدارس بتدريس نوعين من الدروس الدينية : درس الدين والاخلاق الالزامي ودرس الدين الاختياري . غير ان كافة المدارس تقوم حاليا بتدريس الاسلام الرسمي _ وفق المذهب الحنفي السنّي - فقط ، في حين يجب تدريس اسس العلوية كمذهب فلسفي اخلاقي ضمن تلك الدروس ، وفي الشعائر الدينية .
4 - تخصيص وقت محدد ضمن البرامج الدينية المذاعة في هيئة الاذاعة التركية TRT لنشر الفلسفة الاخلاقية العلوية ايضا .
ويبدو ان حزب الشعب الجمهوري العلماني بزعامة دنيز بايكال قد قبل التعاون مع العلويين في انتخابات 3 نوفمبر / تشرين الثاني 2002 ولذلك فقد فاز فيها بـ 178 مقعدا ( من مجموع 550 ) في البرلمان الجديد ليصبح الحزب الثاني فيه بعد حزب العدالة والتنمية ذي الصبغة الاسلامية ، بزعامة رجب طيب اردوغان . وكان من ثمار ذلك التعاون قيام محمد نوري ييلماز ، رئيس الشؤون الدينية باصدار اول تعميم يخص العلويين عندما ألزم كافة المساجد التركية - داخل وخارج البلاد - بان تكون خطبة صلاة التراويح ليوم الثلاثاء 26 تشرن الثاني 2002 ( 21 رمضان 1423 هـ ) عن حياة الامام علي بن ابي طالب وذلك بمناسبة ذكري وفاته . وقد اعرب البروفيسور عزالدين دوغان ، رئيس اتحاد بيوت الجمع العلوية عن امتنانه لهذه الخطوة - التي تأخرت كثيرا - التي رفعت الحواجز بين السنّة والعلويين في تركيا ، والتي ستكون وسيلة لتحقيق السلام والوئام بين المواطنين في الجمهورية التركية ( صحيفة الصباح التركية الصادرة في 26/11/2002 ) .
اما على الصعيد العالمي ، فان للعلويين جمعيات ومنتديات وبيوت الجمع في كل من المانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا والدانمارك والنمسا وكندا والولايات المتحدة الامريكية . بل ان فلسفة الاخلاق العلوية تدرّس في الجامعات الالمانية ، ويحاول العلويون اليوم ادخالها للجامعات النمساوية ، لان العلويين يعتقدون بان نظرتهم الى الله والانسان والوجود نظرة جديدة تختلف عن النظرتين الرأسمالية والشيوعية . فهل يمكننا اعتبار فلسفة الاخلاق العلوية ، هي الطريق الثالث - او رديفة لذلك الطريق - التي دعا اليها طوني بلير ، رئيس وزراء بريطانيا الحالي ؟!
تعيش المجتمعات الغربية التي اخذت العقل منارا للحياة المادية العصرية غير المتوازنة ، ضياعا روحيا ونفسيا ملموسا على صعيد العائلة والمجتمع ، ولذلك فقد دعا بعض المفكرين والسياسيين الغربيين - وعلى رأسهم الامير تشارلس ولي عهد انكلترا - الى استلهام قيم التراث الاسلامي لاعادة التوازن الى المجتمعات الغربية المادية المدمرة في نتائجها على المدى البعيد ، بدمج روحانية التراث الاسلامي مع التراث المادي العقلاني الغربي . وتعني هذه الفكرة دمج مكونات الذات وسمات الشخصية مع منهج الحياة في بودقة حضارة القرن الحادي والعشرين ، في وئام وسلام بعيدا عن صراع الافكار المحتدم بضراوة في ايام الناس هذا والمرشح لحرب حضارية مدمرة مستقبلا . لأن الفكرة العلوية المتسامحة والمغلّفة بالروحانية الشفافة وبمظاهر الحياة الانسانية الدافقة والنظرة العلمية الواقعية بخلق نوع من التوازن بين الجانبين الروحي والمادي في حياة الانسان واستجابتها لمتطلبات العصر ، قد يكون بديلا - او رديفا - للطريق الثالث الذي يدعو اليها الغرب . ولكن هذا الامر يجب ان لا يفسر باننا نضع العلوية بديلا للاسلام المعتدل ، وانما نقوم بمحاولة التقريب بين الفلسفة العلوية الروحانية التي تستهدي بنور القلب وبين الفلسفة الغربية المادية التي تستهدي بنور العقل في توليفة ثقافية - مدنية معاصرة ، لصهر قيم التراث الاسلامي والعلمانية المستنيرة - غير الملحدة - في بودقة حضارة القرن الحادي والعشرين ، نبذا للحروب والصراعات المدمرة التي يروج لها تجار الاسلحة ودعاة اقامة الامبراطوريات الامبريالية الحديثة واصحاب الشركات العملاقة العابرة للقارات من منظّري الايديولوجيات المسيطرة ذات المبادئ الدولية الحاكمة لتحقيق الهيمنة على عالم اليوم . ومن هنا فقد دعا الدكتور محمد آيدين ، عميد كلية الآليات ( الشريعة ) سابقاً ووزير الدولة لشؤون الاديان في وزارة عبدالله جول السابقة ، في المقابلة التي جرت معه على صفحات جريدة حرييت التركية ( 8/12/2002 ) الى ضرورة عقد ندوة فكرية حول العلوية في تركيا لبحث طروحانهم حول الدين ، ولمناقشة تفسيراتهم للدين الاسلامي - واضاف - واتمنى عقد هذه الندوة الفكرية في مدينة ازمير المعروفة بالتسامح وروحها التجديدية وافكار مثقفيها الحية . وقد علق الدكتور عزالدين دوغان رئيس اتحاد بيوت الجمع العلوية على دعوة الدكتور محمد آيدين بالقول رغم اقتناعنا بحسن نية الدكتور آيدين فاننا ندعو ايضا الى عقد ندوة حول المذهب السّني نظرا لوجود الاختلافات المذهبية بين السنّة ايضا . كما انني اعتقد بان التقرير المرفوع الى الاتحاد الاوروبي حول الاوضاع العامة في تركيا عام 2002 لم يتضمن مشاكل العلويين القائمة اليوم . وقد ايد معظم المفكرين الاسلاميين الاتراك عقد مثل هذه الندوات الدينية ليس من اجل الاصلاح الديني ، وانما لتقديم نمط اسلامي ديموقراطي الى العالم للرد على الاتهامات الموجهة الى المسلمين بممارسة الارهاب والاستبداد الفكري غير الديموقراطي وعدم احترام حقوق المرأة ( حرييت في 9/12/2002 ) . فقد اكد خضر الماس ، رئيس مؤسسة غازي الثقافية في اسطنبول - وقف آل البيت البكتاشية العلوية سابقا - تأييده الكامل ومساندته لفكرة عقد الندوة العلوية في ازمير ، في حين اكد الباحث الديني المعروف اسماعيل نجار بانه يشكر الوزير آيدين على دعوته ، لان الدين الاسلامي ليس بحاجة فقط الى الاصلاح وانما الى حركة نهضة شاملة تنقذ الاسلام والمسلمين من الاتهامات الموجهة اليهما - لاسيما بعد احداث 11 سبتمبر الارهابية - بوصفهما بالارهاب والتخلف الفكري . اما فرماني آلتون ، رئيس الاتحاد العالمي لجمعيات آل البيت العلوية ، فقد اكد ضرورة عدم تسييس هذه القضية ، وانما بحثها في اطار الواقع ومعطيات الفلسفة العلوية .
المصادر والمراجع :
1 - جورج جرداق : علي وحقوق الانسان ، الجزء الاول - دار مكتبة الحياة ، بيروت - لبنان 1970 .
2 - Behcet Necatigil : Edebiyatimizde isimler Sozlugu , Varlik YY.Ankara 1998
3 - Sukru Lacin : Dersim isyanindan Diyarbakira , Sun YY.istanbul 1992
4 - alewitten. com Hasan Bal , Tasavvuf Felsefesi ve Alevilik , www
5 - Milliyet Gazetesi , 27/05/1998
6 - Ahmet Tashgin , Alevi inanci : Bir Alan Arastirmasinin Sonuclari ,Aleviler - alewitten . com
7 - www. Aleviyol . com
8 - Hurriyet Gazetesi , 30 / 10 / 2002
9 - www. Alewitten . com -
10 - نقي اوزكان : مقابلة مع آيرين مليكوف حول التصوف والعلويين ، صحيفة Milliyet التركية الصادرة في 27 / 5 / 1998
11 - الياس اوزوم : بير الله محمد علي در عليّ ، www. Aleviler - alewitten .com في 8/12/2003
12 - مقابلة مع البروفيسور الدكتور محمد آيدين ، وزير الدولة لشؤون الاديان ، حول العلويين . صحيفة Hurriyet التركية الصادرة في 9 كانون الاول / ديسمبر 2002 .
13 - مقابلة مع البروفيسور عزالدين دوغان : المسلمون اخوة جميعا ، صحيفة ترجمان - لمحمد علي اليجاق - التركية Tercuman Dunden Buguneالصادرة في 10/11/2003 .
14 - الشيخ بكتاش ولي ، الكلمات ( باللغة العربية ) مع ترجمتها الى التركية ، تحقيق وتقديم : الدكتور اسعد جوشان - 1987 .
15 - ِAbdulbakı Gölpınarlı, , Haci Bektaş Velının Velayetnamesı - Ankara 1958
16 - معظم كتب التاريخ المعتمدة حول الدولة العثمانية وتاريخ المذاهب : تاريخ احمد رفيق وايناجيك ونيازي بيركس و عبدالباقي كولبنارلي واساعيل قارا وغيرهم