آخر الأخبار

مهرجان المونودراما الثاني باللاذقية يكرم محمد الماغوط

اختتمت يوم أمس فعاليات الدورة الثانية لمهرجان المونودراما والتي سميت باسم محمد الماغوط تكريما له , تلك التظاهرة التي تعتبر الثانية على مستوى الوطن العربي بعد مهرجان الفجيرة , والأولى على مستوى سوريا ..
ففي يوم الاثنين العاشر من نيسان الحالي انطلقت الفعاليات المقررة بحضور مدير المسارح والموسيقا جهاد الزغبي ونقيب الفنانين باللاذقية نزار حلوم ورئيس فرع اتحاد الكتاب العرب باللاذقية زهير جبور , والممثل السوري المعروف ماهر صليبي , وجمهور اللاذقية المتعطش للمسرح وللفن والثقافة يشهدون افتتاح المهرجان والذي بدا فيها كعرس للمسرح باللاذقية وقد ازدان مبنى المسرح من الخارج بالزينة وتوزع قناع المسرح الضاحك والباكي على كل أجزاء المكان , على امتداد السور الحديدي الخارجي للمسرح ... ومن ثم افتتح معرض التوثيق المسرحي وهو مجموعة من صور وبوسترات وبرشورات الأعمال المسرحية التي قدمت في اللاذقية عبر فترات ماضية وقديمة بعض الشيء ,وإن جاء المعرض عشوائيا وغير مرتب ولم يرتق إلى الذائقة التي يتمتع بها الجمهور باللاذقية إلا انه قدم توثيقا حقيقيا لأعمال مسرحية مهمة , وجهدا يشكر عليه فرحان الخليل الذي أشرف ونفذ المعرض , وبعدها دخلنا صالة المسرح القومي لنرى فرقة موسيقية تابعة للبيت العربي للموسيقا والرسم تنتظر إشارة البدء لتعلن انطلاق فعاليات المهرجان المسرحية .. وفعلا بدأت الأيدي بدغدغة الآلات الموسيقية تطلق أنغاما جميلة عبر فضاء المسرح , وألحانا تُقذف في آذاننا في محاولة لسرقة توترنا وجعلنا نتهيأ باسترخاء لما سيحدث بعد قليل أمامنا على الخشبة ... وهاهو مدير المهرجان ياسر دريباتي يعتلي خشبة المسرح يحمل ألق الفرح ببدء المهرجان يلقي على مسامعنا كلمات الترحيب بالضيوف والمشاركين والجمهور , موزعاً باقات الحب لكل من ساعد في دفع سفينة المهرجان لتنطلق وتبدأ بالسير غير آبهة برياح تحرفها عن مسارها : يقول (( يولد المهرجان الثاني للمونودراما ليتأكد لنا بأن المسرح فنٌ عصيٌّ على الموت , قوته تكمن في حاجتنا للفرجة ورغبتنا الأصيلة في أن يخرج المسرح إلى الحياة وتدخل الحياة إلى خشبة المسر لتشكل جغرافيا من الحلم والغرابة والدهشة ... يولد المهرجان الثاني للمونودراما ليتأكد لنا أيضا أن أصدقاء المسرح قادرون على إبقائه حاراً نضراً ونظيفاً .. شكرا لهم جميعا )) ..
وها هو مدير المسارح والموسيقا الفنان جهاد الزغبي بطلته الشفيفة يرحب بالضيوف والحضور معربا عن فرحه بهذه التظاهرة التي تعتبر بفرادتها دعما للحركة المسرحية في سوريا واللاذقية والذي يعنى بها من قبله من موقعه كمدير للمسارح وكفنان ..
إذن : المهرجان في دورته الثانية يسمى باسم ( محمد الماغوط )..
تنسحب الإضاءة من المكان لتبقى ظلمة مهيبة تغيبنا في جزء واحد مع المكان ليبدأ عرض الافتتاح بعنوان (( المبضع )) .
المبضع :
تجربة إشكالية يضعنا أمامها المهرجان في بدايته .
حكاية النص : في الدورة الأولى لمهرجان المونودراما في العام الماضي , أقيمت ضمن فعالياته دورة لكتابة النص المسرحي المونودرامي بإشراف الكاتب موفق مسعود , وكان عنوانها ( امرأة تشرح رجلاً ) , موضوع اختاره موفق مسعود لما يتمتع بجاذبة مغرية للدخول في متاهاتها الخطرة علاقة الرجل بالمرأة , فكان هناك ثلاث نصوص مونودرامية لكتاب ثلاث :
/ كمشة جنون لـ ( بسام جنيد ),كل يوم لـ ( رنا محمد ),الفزاعة لـ ( فرحان الخليل )/ ..شخصيات مونودرامية ومن خلال كل كاتب تعبر عن نفس الفكرة بوجه نظر مختلفة , تفاصيل ترصد علاقة الرجل بالمرأة عبر منطوق الشخصيات النسائية المونودرامية , تحولات هذه العلاقة , أطوارها مستوياتها , نتائجها ,انحدارها إلى ما يشبه العادة الروتينية المملة في حياة مليئة بالملل محولاً(الرجل ) دائرة اهتمامه خارج مركز الدائرة وهي علاقته مع أنثاه لتبقى الأخيرة قابعة في قفص أقفله الرجل عليها مستأثرا بها كجارية غير آبهٍ بما يعتمل بداخلها ورغباتها, فتناول كل كاتب ذلك من وجهة نظره بنصوص غير مقتربة من الحل بل , تساؤل ومحاولة اكتشاف لهذا الرجل ... فكان لابد من تقديم نتاج هذه الدورة بنصوصها الثلاثة لاختبار مدى نجاحها أو للتعريف بها كخطوة إبداعية عبر عرض مسرحي ضم تلك النصوص ..
- كمشة جنون , تمثيل نجاة محمد : بعفوية جميلة حاولت نجاة أن تقدم لنا حفنة من الجنون بسبب ما تعانيه مع سهيل ( الزوج المفترض) في محاولة للإجابة أو الاستفسار عن سبب ما حدث من شرخ بعلاقتهما, مع تقديم مبررات له كمحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو كنوع من التأقلم والحفاظ على ما تبقى بطريقة أبعد قليلا عن الخسارة مع الأمل بأن يستقيم شيء ما فتعود الأمور لنصابها .. فكانت نجاة تنجح بأدائها الذي تناوب بين اللمحات الكوميدية والأداء الانسيابي , وكانت برأيي قد نجحت بتجربتها تلك .
- كل يوم , تمثيل هبة شاهين : طبيبة تزوجت بعد حب كبير برجل يعمل في المسرح , تنتظره كل يوم ليعود إليها حاملا رائحة الخمر الممزوج برائحة الخيانة التي تفوح منها رائحة صاحباته كما تعبر عنها هبة شاهين على لسان الشخصية التي تجسدها , لتبقى وحيدة مشاعر تأكلها بين تركه والبقاء معه ولكنها عبر تداعي ذكريات علاقتها تتشظى تلك الشخصية منفعلة جرّاء استحالة العلاقة التي أكثر ما تشبه بالانتحار فتقرر تشريحه بالمبضع الذي تستعمله في عملياتها , كانت هبة رشيقة في أدائها جريئة في طرحها أو اختيارها لتلك الشخصية وعبر تجربة أولى لها كانت ناجحة في تقديم نفسها بشكل لائق .
- الفزاعة , تمثيل منال داؤد , حالة ثالثة , تحيلنا لنرصد معها بيئة ذكورية وانعكاسها على الأنثى , وطريقة التعامل , فتمر بتجارب تخسر فيها الكثير على مستوى التفكير الجمعي التقليدي ولكنها بفترة لاحقة تكتشف زيف هؤلاء الرجال الذين يبيحون ما يحرمون على نسائهم فقط , فتغدو المرأة بالنسبة لهم سلعة نستعملها فنحاول التخلص منها كيما تتحول إلى عبء على كاهل الرجل باحثا عن فريسة جديدة ينهشها بسلاح ذكورته , فتفضح منال على لسان الشخصية وبكل جرأة ما حصل معها , وما منذ الطفولة مرورا بعدة لحظات تغتصب فيها إلى اغتصاب الأخوة وبيعها في سوق النخاسين ...منال وبحرفية عالية وخبرة قدمت لنا تلك الشخصية التي سميت الفزاعة مع ملاحظتي الشخصية أن منال كانت رافعة للنص الذي تناولته بأدائها فكانت أكبر منه ...
مونودراميات ثلاث طرحن إشكالية العلاقة بين الرجل والمرأة , قدمت بجرأة عالية أساءت في بعض الأحيان للنص والعرض والأداء اقتربت من خدش ذائقتنا إذ كانت ومن خلال التأكيد عليها أكثر من مرة وبشكل مباشر توحي لنا بأن مقولة ما قدم يكمن في تلك الجمل التي تضج بالجرأة العالية ..
يتابع العرض تقديم حالة جديدة أيضا , ولكن هذه المرة كان الرجل يقبع على المنصة , شخصية يؤديها بسام جنيد الممثل الجميل , ولكن جاء هذا المشهد زائد عن العرض فكان أقرب إلى الحشو .. إذ أبعدنا عن مقولة النصوص المقدمة , دون رابط مقنع لهذه الشخصية بالعرض , فكان الحري بالمخرج والممثل أن يقدما هذه المشهد منفصلا بعيدا عن عرض المبضع .. فجاء هذا المشهد خارج السياق مما أساء إلى العرض وأثقل الحكاية علينا , على الرغم من الأداء المتقن العفوية الذي يتمتع به بسام جنيد الممثل الذي يعمل على رسم هوية خاصة به استطاع إلى حد ما أن يشير إليها بكل وضوح وهي خطوة نقف لها باحترام .
بالعموم : يبقى القول أن عرض المبضع كان عرضا متماسكا جيدا تمازج فيه الكثير من عناصر التكامل من ناحية الأداء والإخراج الذي بدا على بساطة الأسلوب وهو إحدى أهم ميزات المسرح , إلا أنها كانت غنية في الدلالة , حيث وجه المخرج بؤرة الانتباه إلى الشخصيات التي تؤدى على الخشبة دونما تشتت بالمبهرجات التي تبتعد بنا خارج السياق .. وهكذا ينجح المخرج مع طاقمه بتقديم تجربة جديرة وجميلة يفتتح بها مهرجان المونودراما .

في اليوم الثاني من فعاليات المهرجان , احتشد الجمهور أمام صالة مطعم بيات التي ضمت في جنباتها أعمال لفناني اللاذقية الشباب , تشكيلية تجريبية انطباعية ... الخ .. في السادسة افتتح معرض لتجارب حقيقية وفريدة تضيف شيئا جديدا لمسيرة الفن التشكيلي في المحافظة , وهنا لابد من تقديم الشكر لهم جميعا من خلال كلمة كتبها الفنان ( هيشون ) عيسى بعجانو المشرف على المعرض حيث قال : (( فنانون مجتهدون .. باحثون عن اللون .. والضوء .. عن الظلال ونماء الشكل .. وطاقة الأشياء .. يبنون عمائر لا وجود لها .. يؤلفونها .. ويبدعون لها زمناً ...
فنانون يبثون الحياة والروح بكل خطوة وأداة .. نقترب منهم ونسجل أسماؤهم .. قد يكون لنا منهم تلك الروح الجميلة الخالدة ... هيشون 2006 )) وهم : ابتهال مصطفى , آراميك خودانيان , بسمة كيلو , باسل إبراهيم , كمال سلمان , تيماء ساتيك , ثائر بعجانو , زينب جعفر , شادي نصير , شذى حيدر , غيداء عصيفوري , فاديا ريّا , مصطفى عبد الهادي , مضر سليمة , ميسون ملحم , ميس محمد , نتالي مصطفى ...
تحملنا رياح المهرجان إلى صالة المسرح القومي يستقبلنا الفنان كرم عبد الله بألحانه الغيتارية , يحمله بين ثناياه ويتوسط خشبة المسرح ليرسل لنا أنغامه الغيتارية بطريقة هادئة رصينة موحية لتغيب في فضاء المسرح وتختلط مشكلة سحبا تتعانق مع تصفيق الصالة لتغيب الإضاءة إيذانا ببدء مطر يهطل علينا .

مسرحية ( مطر ) : تأليف وإخراج ياسر دريباتي , تمثيل رشا عبد الرزاق .
كعادته , يعود بنا ياسر دريباتي بشاعريته الشفافة والتي لا ينفصل عنها ولا تنفصل عنه ,يقدمها لنا في زمن يغصُّ بفوضى مرعبة تنسينا جانب من إنسانيتنا نحن بأمسّ الحاجة له.. بلمسة شاعرية رقيقة ولغة سردية صورية شعرية يقدم لنا نفحة من حب نلهث خلفها , عبر شخصية فتاة ريفية بسيطة تعيش بوتيرة واحدة بانتظار قدرها المأمول يجمعها برجل يغزل أنوثتها , وعلى خلاف العادة صديقة الشخصية ترتب لها موعدا مع أحدهم , فترى الشخصية تتزين وتتبرج وتحمل باقة ورود وتذهب إلى الموعد الذي رُتِب لها لتصطدم بقدرها المحتوم بالوحدة الذي يضعها في مأزق التأخير , لتصل إلى المكان لتجده فارغا إلا من ذروة انفعالاتها وخيبة جديدة من خيباتها , ليحملها المؤلف إلى شاطئ البحر باتساعه الهائل لتبقى تنسج في خيالها حكايتها على رمال متحركة ومن ثم لتتحول إلى غيمة قد تمطر وقد لا تمطر .. يقدم لنا ياسر نصه المونودرامي يحمله بيئة امتزجت به وبحبه لمدينته اللاذقية , فنرى شخوصه تجول شوارع وشاطئ وأزقة اللاذقية لتبقى دائما اللاذقية تحظى بالنصيب المكاني الأكبر فيما يكتب ( شارع هنانو , الكورنيش الجنوبي , سينما الكندي ..)
رشا عبد الرزاق : ممثلة فتية تتمتع بشخصية تشبه المطر , حملت نصا يمور بالشاعرية والسردية الشعرية التي تثقل كاهل النص حملته بأمانة وحاولت جاهدة أن تبث الحياة بتلك الشخصية التي لم تلقَ سوى البحر لتبوح بدواخلها كمحطة قد تكون الأخيرة بالنسبة لها.
كانت رشا بتجربتها الأولى تحمل حرية الخبرة والعفوية على صعيد الأداء , تناغم الصوت مع وقع الكلمات المنطوقة نبرة هادئة واثقة انزلقت في بعض الأحيان إلى المونوتونية , ولكنها برأيي كانت انزلاقة مبررة لها إذ وضعها المخرج في بيئة بحرية تماما وعلى شاطئ البحر , مما يحتم بالضرورة طغيان الأمواج على صوتها , كانت تلقي قصيدتها المليئة بالوحدة والإكتئاب أمام ذروة انفعالها لتصرخ عبر جسدها بحركات راقصة نجحت إلى حد كبير في السمو فوقها لتكون بحضورها أكبر من حركات الرقص التي صُممت لها بعيدا عن التنفيذ الآلي للرقص , فتحولت إلى امتداد لأمواج البحر الذي هي أمامه ليتحول الشال بين يديها لغرض تتقاذفه الأمواج . عرض مطر جاء هادئا نسمة من نسائم ياسر مجتمعة مع نفحة من نسائم رشا فكان العرض مغرقا بالشاعرية الجميلة بعيدا عن الصراخ والانفعالات , وبرأيي نجحت رشا في أن تمطر كغيمة قادمة ننتظرها مطرها القادم ..
اعتمد ياسر على الصورة السينمائية والمشهدية المسرحية وكان منسجما مع روح النص , وإضاءة العتمة من خلال صوت رشا الجميل . بقي القول تجربة جديدة للمونودراما في أسلوب التناول .

اليوم الثالث ..تستمر فعاليات المهرجان , ففي تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا أقيمت الندوة المسرحية بعنوان ( الإيقاع في العمل المونودرامي ) شارك فيها كل من جوان جان , حسن عكلا , احمد قشقارة , وق قدم فيها الناقد جوان جان ورقة عمل هي كالتالي :
الإيقاع في المونودراما : يبرز عنصر الإيقاع في العرض المسرحي كواحد من أبرز عناصره بما له من دور كبير في تحديد طبيعة تلقي الجمهور لهذا العرض ومدى انسجامه مع أحداثه وتفاعله مع شخصياته, وبذلك يشكل الإيقاع أحد العوامل الحاسمة في نجاح عرض مسرحي أو فشله .
والواقع فإن الإيقاع في المسرح لا يأخذ شكلاً واحداً بمقاييس محددة, ويكاد يكون صحيحاً القول إن لكل نمط من أنماط النصوص والعروض المسرحية إيقاعه الخاص به , فالأعمال المسرحية المعتمدة على أحداث محدودة وشخصيات ساكنة غير فاعلة أو منفعلة يبدو إيقاعها متباطئا انسجاما مع طبيعتها والهدف العلى الذي يريده الكاتب أو المخرج منها,حيث يساعد الإيقاع المتباطئ هنا على نقل الحالات التي تمر بها الشخصيات إلى الجمهور , وبالتالي تسهل عملية زج المشاهد في أتون هذا النمط من العروض المسرحية التي تبدو للوهلة بعيدة عن الذائقة العامة وعن الفهم المتعارف عليه للدراما ولطبيعة التأثير الذي ينبغي عليها أن تحدثه في مُشاهدها .
ولكن على الرغم من ذلك نلمس في مسرحنا العربي تحديدا نفورا متزايدا من قِبل جمهورنا للأعمال المسرحية ذات الإيقاع المتباطئ , على الرغم من أن هذا الإيقاع يكاد في كثير من مناحيه يكون مرادفاً لطبيعة حياتنا المعتمدة في جزء كبير منها على تبديد الساعات والأيام والسنين دون جدوى .
وعلى الجانب الآخر تظهر أعمال مسرحية تؤكد على ضرورة إيجاد إيقاعات متسارعة لها , ولا يكون السبيل إلى ذلك إلا عن طريق زج أكبر عدد من الأحداث والشخصيات في العمل المسرحي, وبذلك يضمن صاحب العرض عدم دخول الملل إلى نفوس متابعيه ذلك أن وجود عدد كبير من الشخصيات لابد وأن يفرز - نظريا على الأقل - زخماً من الأحداث كلما تم حصر زمنها كان المرود عاليا لجهة شد المتفرج منذ اللحظة الأولى وحتى اللحظة الأخيرة , وبالطبع نادرة هي الأعمال التي تتمكن من ذلك نظراً لندرة الكاتب المتمكن من وضع نص مسرحي قادر على أن يكون مستحوذا على عقول وأفئدة المتفرجين بشكل مستمر على مدى وقت قد يتعدى الساعتين من الزمن , فإن توفر هذا الكاتب جاء المخرج ليحد من هذا الجهد عبر حلول إخراجية قد لا تتناسب وطبيعة النص المسرحي , فتكون النتيجة تبديد جهد الطرفين معا .
إن الأهمية التي يكتسبها الإيقاع في العرض المسرحي تبرز بشكل خاص في الأعمال المعتمدة على المشاهد المسرحية القصيرة التي يشكل كل واحد منها عرضا مسرحيا بحد ذاته من حيث الموضوع والشخصيات والبناء الدرامي وذلك عندما تتفاوت مستويات المشاهد بتفاوت طبيعة الإيقاع بين مشهد وآخر , المر الذي ينعكس على طبيعة تقبل الجمهور لكل مشهد على حدة , فتراه يتفاعل مع المشهد ذي الإيقاع المتسارع المرتبط بالحوار الرشيق والحدث أو الأحداث الموضوعة بما يتناسب والزمن المطلوب للمشهد الواحد , في الوقت الذي لا يتفاعل فيه الجمهور مع مشهد آخر معتمد على حوارات مطولة وأحداث لا تتناسب وزمن المشهد الأمر الذي يؤدي إلى وجود أسلوبين إخراجيين في العرض الواحد وهو المطب الذي يقع فيه المخرجون الذين يجربون حظوظهم في تقديم أعمال مسرحية معتمدة على مشاهد منفصلة من حيث المضمون والشخصيات .
في الواقع إن ما يحدد طبيعة إيقاع العرض المسرحي عنصران أساسيان هما الحوار والحدث , فالحوار المعتمد على العبارات القصيرة المكثفة , وعلى ما يسمى بالحدث الصاعق الذي لا يترك مجالا لمتابعيه لالتقاط الأنفاس يبدو من أهم الأمور المطلوبة جماهيريا لنجاح العرض المسرحي, على ألا تكون هذه العناصر مجرد شكليات تحاول أن تخفي ضحالة الطرح الموجود في النص المسرحي .
ومما لاشك فيه أن جميع عناصر العرض المسرحي الأخرى يجب أن تكون في خدمة إيقاع العمل المسرحي , بشكل خاص المؤثرات الصوتية التي تلعب دوراً هاماً في هذا الإطار , وإن لم يكن هذا الدور منسجما على جميع مراحل العرض المسرحي , ولا شك أن هذا الدور سيفقد أهميته إن تحول بحد ذاته إلى هدف لا وسيلة لبلوغ هدف أشمل هو العرض المسرحي ككل وتأمين كافة العوامل التي تؤدي إلى خروج العرض بأقل الخسائر الممكنة وأكبر المكاسب المحققة .
على جانب آخر يشكل أسلوب أداء الممثلين المتبع في العرض المسرحي أحد الأسباب التي تساعد عمل المخرج - أو تحبطه - وهو يسعى لضبط إيقاع العرض بما يتناسب وبقية عناصره , ذلك أن وجود ممثل واحد خارج عن أسلوب الأداء المتبع في العرض المسرحي كفيل بأن يطيح بجهود المخرج وأسرة العمل الفني ويضرب بها عرض الحائط لذلك نرى المخرجين المهتمين بتقديم أعمال مسرحية متميزة لا يتركون للمثلين الحبل على غاربه , خاصة وأن هناك فئة من الممثلين لا يمكن ضبطها بسهولة , وهي فئة تعترف بهذا الواقع وتتمنى لو استطاعت الخروج منه , ولكن يجب ألا ننسى أهمية الحفاظ على روح المبادرة لدى الممثل كي يعطينا النتيجة المطلوبة أداءً للشخصية وفهماً لها .
وعلى اعتبار أن العمل المسرحي المعتمد على الممثل الواحد - المونودراما - يُعد من أعقد أنواع العمل المسرحي كتابة وتجسيدا كان التأكيد المستمر على أهمية الالتزام بالقواعد العامة المتعارف عليها والمعترف بها في هذا الجنس المسرحي القديم-الجديد .
إن أهم ما يتم التركيز عليه في العمل المسرحي المعتمد على الممثل الواحد هو الإمكانيات التي يجب أن تكون متوفرة لدى الممثل كي يستطيع لا من إقامة حالة جيدة من التواصل بين خشبة المسرح وصالة المتفرجين فحسب بل والمحافظة على هذا التواصل منذ بداية العرض المسرحي وحتى نهايته, بل وتبدو مهمة ممثل المونودراما مضاعفة باعتباره المسؤول الأول والأخير, فهناك عامل آخر إلا وهو النص المسرحي الذي غالبا ما يقدم لنا على بساط البحث شخصية تمتلك تاريخاً طويلا من الهموم والعذابات التي دفعتها دفعا إلى لحظة البوح التي لن نكون معنيين بها وبما سيسفر عنها من استدعاء سلسلة طويلة من الأحداث المغرقة في القدم والشخصيات المتعددة ومختلفة المشارب إذا لم تقدَّم في إطار جمالي محكم البناء قادر على جذب اهتمام الجمهور , وإذا كان النص المسرحي ذو الشخصيات المتعددة يتطلب ما بين المشهد والآخر حدثاً دافعاً للخط الدرامي في العمل المسرحي فإن نص المونودراما يتطلب في كل جملة منه حدثا أو موقفا أو حتى إشارة لم تكن متوفرة أو معروفة للمشاهدين , لذلك فإن أي تكرار في فكرة أو جملة أو حتى كلمة في نص المونودراما سيؤثر سلبيا على العلاقة الحميمة التي قد يتمكن العرض من إقامتها مع جمهوره .
إن الغنى المطلوب توفره في نص المونودراما لا يعني أن يقوم كاتب المونودراما بحشوها بما قد يخطر على باله من أحداث وشخصيات , بل عليه أن يكون دقيقا في اختياراته دون الوقوع في مطب تحويل العمل إلى سلسلة غير متناهية من الأحداث والشخصيات التي يكاد لا يربط بينها رابط , والتي قد تفقد ما يربطها بالشخصية موضوع البحث .
على أن هذا التصاعد المتواتر يجب ألا يؤثر سلبا على أداء الممثل الذي ينبغي عليه توزيع جهده على مدة زمن العرض المسرحي لا أن يستهلك طاقته التمثيلية والأدائية والجسدية خلال الدقائق العشر الأولى ثم يقضي بقية الوقت منتظرا مع المنتظرين نهاية العرض المسرحي الذي سيتحول بالتأكيد إلى عبء على الممثل ومشاهديه .
وفي هذا الإطار يمكن تحديد نوعين من الإيقاع في عرض المونودراما أولها الإيقاع الداخلي للمثل والذي يتعلق بشعوره بالشخصية والحدث والزمان والمكان وطبيعة تعاطي هذه الشخصية مع كل ما يحيط بها .. ثانيها انعكاس فهم الممثل لكل هذه العناصر على الجمهور بالقياس إلى درجة تفاعله مع ما يُطرح عليه من وقدرة الممثل وأهمية النص على ضبط إيقاع العمل من بدايته وحتى نهايته .
من خلال العديد من الأعمال المونودرامية التي قُدمت على المسارح السورية في السنوات الأخيرة ربما يتم التوصل إلى أن أكثر هذه التجارب نجاحا هو الذي يعتمد على الشخصية التي قد يرى المشاهد فيها نفسه أو أحدا من معارفه أو أصدقائه أو على أقل تقدير أحدا ممن سمع عنهم , في الوقت الذي أعرض فيه جمهورنا عن الشخصيات البعيدة عنه مكانا وفكرا وعقلا وروحا .

وننتقل إلى صالة المسرح القومي , حيث يقدم عرض مسرحي لفرقة شغف المسرحية من محافظة طرطوس بعنوان (( لهاث )) من تأليف علي صقر وإخراج علي إسماعيل , ممثلات سبع يتناولن عبر منطوق الشخصيات التي يجسدنها علاقة المرأة بالرجل تل العلاقة المشوبة بالجدل والإشكالية , معاناة غربة , اغتصاب , أحلام مقتولة , كل واحدة منهن تطرح مشكلتها عبر مونولوج يختصر حكاية إحداهن , لتخرج لتبدأ قصة أخرى حول نفس الفكرة ولكن من جهة أخرى , يُعلن في النهاية انه لابد من التمرد على الرجال ومعاملتهن بالمثل .. لن نستطيع الكلام كثيرا حول عرض اليوم الثالث بسبب عدم اكتماله كعرض مسرحي , فغياب الرؤية والتشتت في الطرح ضيع على العرض المقولة الأساسية عبر مجموعة من الممثلات اللاتي يعتلين الخشبة لأول مرة , مشروع لم يكتمل نصا وإخراجا وتمثيلاً ..
إشارة استفهام وضعها جمهور المسرح الذي بقي في الصالة ليناقش العرض , وطرح سؤال كيفية أو ما هي المعايير التي تم من خلالها انتقاء العروض , ولماذا هذه التجربة , وما هي علاقتها بمهرجان يسمى مهرجان المونودراما؟ وحتى لو كان العرض مكتملا أو يأخذ صيغة عرض متماسك يستطيع المتلقي نقاشه . ترى هل هو البحث عن أشكال مختلفة للمونودراما عبر أسلوب الطرح والتناول , أليس من الأوجب أن نستقدم عروضا مونودرامية حقيقية تعتمد انطلاقا من السم والجوهر على الممثل الواحد ليصار إلى إحداث تراكمية معرفية وخبرة مشهدية يستسيغها الذوق المتلقي لهكذا عروض ومن ثم نستطيع البحث في أشكال جديدة عن عروض مونودرامية تثير جدلا ما ؟ نقطة تسجل على المهرجان , خسرنا عرضا مونودراميا على حساب المهرجان , إذ كان هناك عروضا مرشحة للمشاركة من المحافظات , ويبقى السؤال ؟
إذن عرض متواضع لفرقة شغف المسرحية أداءا ونصا وإخراجا ..

سوريا / اللاذقية