أن تشعل شمعة خير ألف مرة من أن تلعن الظلام ، هكذا أراد البيت العربي للموسيقى والرسم أن يشعل شمعة على خشبة المسرح القومي في اللاذقية علها تضيء وتشعل شموعاً أخرى من خلال مهرجان المونودراما الثاني والذي انتهى منذ أيام قليلة ماضية واستطاع أن يجذب اهتمام جمهور كبير من المتابعين والمهتمين ، وسمي هذا العام باسم الكاتب الكبير الراحل محمد الماغوط ، واستمر هذا المهرجان اسبوعاً كاملاً قدم عروضاً مسرحية مونودرامية يومية قيمة من محافظة اللاذقية ومن محافظات طرطوس وحمص ودمشق ومن العراق الشقيق ، مع مقطوعات موسيقية سبقت كل عرض ، بالإضافة لمعرضين تشكيليين للفنانين الشباب والمحترفين في المحافظة .
---------------------------------------------
صندوق الدعم الثقافي
وحول الفكرة من إقامة مهرجان المونودراما قال السيد ياسر دريباتي مدير البيت العربي للموسيقى والرسم ومدير المهرجان : هو الطموح لتأكيد الحركة المسرحية والموسيقية والتشكيلية في مدينة اللاذقية ، والمونودراما هي الفن الأصعب لأنها تعد اختباراً للمخرج والممثل وطاقم العمل ككل ، فالمخرج يختبر أدواته في الشغل على النص وفي توظيف عناصر العرض المسرحي ، واختباراً للممثل لأنه الوحيد القادر على إنجاز العرض المسرحي ...
وفي لقاء مع السيد جهاد الزغبي مدير المسارح والموسيقى أثناء حضوره حفل الافتتاح قال : بأن أهمية دعم الجهات الأهلية في هذه الأعمال تأتي من كونها تساعدنا كمؤسسات رسمية في إحياء وتطوير النشاط المسرحي ومهرجان المونودراما يعد محاولة مهمة جداً لتقديم الطاقات وإبراز الإبداعات ولإحياء المسرح المونودرامي بشكل عام . واليوم لم يكتف القائمون على هذا المهرجان بفن المسرح بل قدموا مقطوعات موسيقية جميلة من تراث الموسيقى ، وكسروا القاعدة بافتتاح المهرجان بالموسيقى بدلاً من الكلمات . وفي رده على السؤال ما هي رؤيتك لإغناء المسرح في المحافظات حيث نرى أن المركز دائماً يأخذ نصيب الأسد من الاهتمام؟ أجاب: هذا طبيعي و موجود في كل العالم ، فالمركز دائماً له اهتمام خاص فهو يستحوذ على طاقات وقدرات كبيرة , وبرأي الإشكالية الأساسية تكمن في الناحية المادية فالمؤسسة غير قادرة على تقديم الدعم المادي الكافي ، وبصراحة أرى أن المسرح في المحافظات أكثر صدقاً والشباب أكثر إندفاعاً ، وأنا مع تفعيل النشاط المسرحي في المحافظات ويكون ذلك من خلال دعم الحالات المشابهة التي قام بها اليوم البيت العربي للموسيقى والرسم فالجمعيات والجهات الأهلية لها أهميتها في كل العالم وهي أكثر حرية وقرباً للناس . ونرى حالياً كما في هذا المهرجان أن بعض الفعاليات الاقتصادية تدعم المهرجان وهذا جيد ، لكنني لست مع هذا التوجه بل أرى ضرورة إحياء صندوق الدعم الثقافي كي نستطيع إحياء الطاقات والإبداعات الفنية الكامنة ، وهذا ليس من مسؤولية الدولة فقط بل هي مسؤولية جميع الفعاليات في المجتمع ككل ..
------------------------------------------------
---------------------------------------------
غاليغولا:
تحول المسرح إلى كعكة
وخلال أيام المهرجان التقت تشرين مع بعض المخرجين وتحاورت معهم عن أعمالهم وعن هموم مسرح اللاذقية . يقول ياسر دريباتي بصفته مخرجاً لمسرحية مطر : هذا العرض يتحدث عن حكاية بسيطة قد تجدها وتسمعها في أي حارة من حارات مدينة اللاذقية ، حكاية لحياة فتاة صبية (تؤديها رشا عبد الرزاق ) بحاجة للحب ، تنتظره بكل أحاسيسها وجوارحها ، و يحرض هذا العرض قابليتنا للحب وتعطشنا له وحاجتنا جميعاً إليه فالكثيرون لا يعيشون هذه الحالة .
وحول دور الجهات الأهلية في تطوير الحركة المسرحية قال : أعتقد أن المسرح كفن مركب هو بحاجة لشكل من أشكال رعاية الدولة ، وتنشيط المسرح وتحويله إلى نشاط اجتماعي يحتاج إلى مؤسسات وجمعيات أهلية فالمسرح لا يمكن أ ن يتم عبر الدولة فقط ، لأن المؤسسة الثقافية لها قوانينها ولها بيروقراطيتها التي حولت الشغل المسرحي إلى شغل وظيفي ، وأرى أن المؤسسة المسرحية السورية عبر سنوات طويلة لعبت دوراً في إنجاز الكثير من العروض المسرحية لكنها عجزت عن خلق مناخ مسرحي حقيقي وعن إيجاد ربيبورتوار مسرحي ليصمد سنوات طويلة وينجز مسرحاً سورياً .وهنا يبرز دور الجهات الأهلية في إيجاد المسرح المختلف المغاير .والدور الذي يمكن أن تقدمه المؤسسات الثقافية الرسمية هو دور الرعاية أي دعم معنوي والقليل من الدعم المادي غير المشروط ، بمعنى أنه مستحيل القبول بالدور الأبوي للدولة لأن هذا الدور يقتضي شروطاً هي في معظمها ليست فنية . أما عن معاناة مسرح اللاذقية قال بأنها جزء من مشكلة المسرح السوري عموماً والتي يمكن تلخيصها بالفساد الإداري ، فلقد تحولت مؤسسة المسرح القومي في اللاذقية إلى مجرد كعكة يتصارع الجميع على محاصصتها ، وهذه المؤسسة خربت الذائقة المسرحية فلقد حولت المسرح من خلال الكثير من العروض التي تقدمها إلى مجرد تسلية عابرة و كم كبير من التهريج .
ويرى لتطوير الحركة المسرحية لا بد من تنشيط الجمعيات التي تهتم بالشأن الثقافي عبر تفعيل اهتمام رجال المال والتجارة ودفعهم للدخول في عالم المسرح وتوظيف جزء من رأسمالهم في تقديم العروض المسرحية ، أيضاً من الضروري الاهتمام بتنشيط المسرح المدرسي والطليعي والجامعي وخروج هذا المسرح من معطف بعض الشخصيات التي مازالت تهيمن عليه منذ سنوات طويلة وأن يخضع لمعايير فنية .
------------------------------------------
مسرحية مطر:
المسرح لا يعاني من أزمة
ويقول المخرج ناصر مرقبي لمسرحية المبضع : هو عبارة عن أربع مونودرامات تتكلم كل حكاية عن قضية تخص المرأة وعلاقتها مع الرجل ، ففي الحكاية الأولى كمشة جنون من تأليف بسام جنيد وتمثيل نجاة محمد تعاني المرأة من عدم احترام وعدم تقدير الرجل الذي ينظر لعلاقته معها من خلال مسألة الجنس فقط ، أما الثانية كل يوم تأليف رنا محمد وتمثيل هبة شاهين تتحدث عن المرأة المخدوعة بالرجل الذي لم يشبع رغبته من خلالها فلجأ لنساء أخريات ، والثالثة الفزاعة كتابة فرحان الخليل وتمثيل منال داؤود وتبحث في حقيقة علاقة الحب بين الرجل والمرأة منذ الأزل ، والرابعة الرجل من كتابة وتمثيل بسام جنيد تظهر بأن هناك رجال يحترمون المرأة ومحبون ويخلصون لها . ويرى أنه هناك نوعين من الفنانين في اللاذقية نوع يفرض وجوده وألقه من خلال عمله والمنافسة الشريفة ، والنوع الآخر يفرض وجوده وبدون ألق من خلال تنحية الآخرين ، والمسألة الأخرى أنه كما الإذن تعتاد على سماع أغاني الكراجات وأصبح يطرب لها الكثيرون ، أيضاً العين تعتاد على رؤية النوعية الرديئة من المسرحيات ومنها ما يقدم على خشبة المسرح القومي في اللاذقية ، للأسف هنالك عملية إقصاء للعروض الجيدة
يمارسها أشخاص في الفن وفي مواقع المسؤولية . وأكد أن المسرح في اللاذقية لا يعاني من أزمة بل المسرحيون والقائمون على المسرح هم الذين يعانون من أزمات .
وقال فرحلن الخليل مخرج ومؤلف نص مسرحية غاليغولا : هذا العمل من تمثيل الفنان المبدع ناصر مرقبي طرح الأسئلة التي يطرحها كل إنسان عن ماهية الوجود ، ويظهر فكرة العشق وحالة الحب التي يعيشها الإنسان مهما كان طاغياً . ويرى الخليل أن المسرح لا يعاني من أزمة ويكرر كلام سعد الله ونوس أن الثقافة في العالم في أزمة ، ومعانة المسرح تتركز في القائمين على الثقافة ومن هجوم الفضائيات المبرمج ، فالمسرح بخير ونذكر أمثلة على ذلك كمسرح فواز الساجر وسعد الله ونوس وجهاد سعد وغسان مسعود وجهاد الزغبي.. وفي نهاية حديثه وجه سؤالاً لوزارة الثقافة أين مهرجان اللاذقية المسرحي ولماذا توقف منذ ثماني سنوات ، وأشار أيضاً بأنه تصرف مبالغ طائلة على أعمال مسرحية معينة في العاصمة قادرة على إحياء مهرجان مسرحي كامل لأكثر من أسبوع ، لماذا..؟ .
ويذكر نضال أحمد مخرج مسرحية بلادي يا قرصاً ذهبياً يعوم : أن العمل يقدم شخصية تنتمي للبيئة المتوسطة التي انحدرت بسبب العامل الاقتصادي إلى درجة دنيا في الهرم الاجتماعي عانت من صدمة وظروف تسبب باختزال علاقتها بوطنها إلى خيوط واهية ، أشعرتها باليتم ، وهي شخصية هامشية نتيجة معاناة وعجز في البيئة الأخلاقية التي تتمتع بها ولا تنسجم مع تعقيد ومستجدات ظروفها الاقتصادية والاجتماعية ويؤدي الدور الممثل مجد أحمد .
وفي نهاية المطاف
وفي رده على سؤال حول أزمة المسرح في اللاذقية قال السيد لؤي شانا مدير المسرح القومي :
أنا لا أرى أن هنالك أزمة للمسرح في اللاذقية وهنالك تجارب مسرحية متعددة ومتنوعة تثبت ذلك ، وتؤكد أن الوضع صحي جداً ويبشر بالخير ومهرجان المونودراما إحدى هذه التجارب ، لكن هناك فترات معينة تصاب الحركة المسرحية بوهن وضعف فليس بالضرورة أن تفرز جميع الأعمال مستوى جيد ومن حق الجميع أن يجرب . و حول اتهام البعض للقائمين على مسرح اللاذقية بالتأثير على الحركة المسرحية وإعاقة بعض العروض قال : لم يسبق أن قمنا بإعاقة أي عمل مسرحي بل نقدم كل الإمكانيات التي نستطيع تقديمها لكل التجارب والدليل واضح وما نشهده الآن فقد عملنا على تأمين كافة مستلزمات مهرجان المونودراما الحالي . وأضاف بأن الميزانيات التي ترصد للمسارح القومية في المحافظات قليلة قياساً بالطموح الذي نبغي أن يكون ، فتطوير الحركة المسرحية يتعلق بالدرجة الأولى بالإمكانيات المادية .
-------------------------------------------
عاطف عفيف
atefafif@scs-net.org